22-أغسطس-2019

استطاع الحراك السوداني تحييد المؤسّسة العسكرية (جريدة المدن)

سبق الحراك السّودانيّ الحراك في الجزائر بثلاثة أشهر. لكنّهما تماهيًا في كثير من المطالب والشّعارات والأساليب. فشعار البدايات "يسقط بس" في السّودان ليس بعيدًا عن الشّعار الجزائريّ "يتنحّاو قاع". والبعد الأيقوني للفتاة السّودانيّة، التّي غنّت للحرّية في الخرطوم، هو نفسه الذّي حظي به الشّاب، الذّي اعترض في الجزائر العاصمة، أمام إحدى الشّاشات، على القول إنّ الجزائريّين موافقون على الرّسالة الثانية لبوتفليقة.

استطاع الحراك السّودانيّ أن يفرض نفسه على المؤسّسة العسكريّة ويجرّها إلى اتفاق يؤطّر تسيير المرحلة الانتقاليّة 

ويعدّ تولّي الجيش، بعد سقوط البشير وبوتفليقة، زمام التّعامل المباشر مع الحراكين، ومحاولته احتوائهما وتوجيه مصيريهما، في طليعة أوجه التّشابه. مع تسجيل فارق هو أنّ الجيش الجزائريّ لم يلجأ إلى استعمال الذّخيرة الحيّة، في تعامله مع المتظاهرين، لكنّه لم يُقدم على التّفاوض المباشر معهم، مثلما حدث في السّودان.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش يبعثر أوراق الحوار.. العودة إلى النقطة صفر

وفي الوقت الذّي بقي الحراك الشّعبيّ والسّلميّ في الجزائر مفتوحًا على جمعات أخرى، استطاع الحراك السّودانيّ أن يفرض نفسه على المؤسّسة العسكريّة، ويجرّها إلى اتفاق يؤطّر تسيير المرحلة الانتقاليّة المفضية إلى بناء الدّولة ديمقراطيًّا وإدارتها من طرف القوى المدنيّة.

 

تفاعل قطاع واسع من الجزائريّين مع الحدث، في الواقع والمواقع. وتباينت تعليقاتهم عليه، لكنّها صبّت عمومًا في اتّجاه تهنئة الشّعب السّودانيّ والإشادة بصبره وتشبّثه بحقوقه ودعوة الجيش الجزائريّ إلى أن يحذو حذو الجيش السّودانيّ في الرّضوخ لمطالب وطموحات قوى الحراك، عوضًا عن المراهنة على مسعى حوار بدأ مختلًّا وبعيدًا عن المطلوب.

يقول المصوّر سامي الأعرج لـ"الترا جزائر"، إنّ اهتمام الجزائريّين بالحراك السّودانيّ في البدايات كان خافتًا، "ربّما لاعتقادهم بتفوّق حراكهم وتميزه عدديًّا وطقوسيًّا وشموله لكلّ الجهات وليس العاصمة فقط، لكن بعد أن لاحظوا مآلات كلّ حراك، علمًا أنّ العبرة بالمآل، شرعوا يلتفتون إلى الحراك السّودانيّ، ويستلهمون منه ويشيدون به".

ويشير الأعرج إلى أنّ المشهد السّودانيّ ظلّ مغيّبًا وغير مرصود عربيًّا وأفريقيًّا، "فغاب عن أذهاننا تشكّل نخب سياسيّة وجامعيّة وثقافيّة ونقابيّة، في ظلّ هذا التّغييب، هي من ساهم في تأجيج الحراك أوّلًا، ثمّ الحفاظ عليه على مدار تسعة أشهر ثانيًا، ففرض إرادته على الجيش ثالثًا، في مقابل تآكل النّخب الجزائريّة، خلال سنوات بوتفليقة".

من جهته قال الطّالب الجامعيّ والنّاشط السّياسيّ محمّد خليفة إنّ ثورة شعبيّة في دولة شموليّة إمّا أن تؤدّي إلى الاحتكاك بالعسكر، مثلما حدث في السّودان، "حيث أدّى استعمال الجيش للذّخيرة الحيّة إلى إرباكه أمام الرّأي العامّ الدّوليّ، ممّا اضطرّه إلى قبول مبدأ التّفاوض وتقاسم إدارة المرحلة الانتقاليّة، وإمّا أن تؤدّي إلى المماطلة والعنف المقنّع بعرقلة المسيرات وخنق الإعلام وتشويه النّشطاء مثلما يحدث عندنا". ويضيف محدّث "الترا جزائر": "تنجرّ عن الخيار الثّاني خسائر اقتصاديّة تعمل على تعقيد الأوضاع أكثر".

وفي تدوينة فيسبوكيّة كتب الإعلاميّ عادل صيّاد: "قوى الحراك والتّغيير والمجلس العسكريّ في السّودان يوقّعان على الوثيقة الدّستوريّة. السّودان يدفن النّظام البائد". ويعود ليشير في تدوينة أخرى إلى التّعتيم الذّي مارسته القنوات التلفزيونيّة الجزائريّة على الاتفاق السّوداني، في تلميح منه إلى خوف السّلطة من امتداد تأثيراته إلى الجزائر.

ليس مستبعدًا أن تعيد قوى الحراك الشّعبيّ في الجزائر بعض حساباتها، على ضوء مآل الحراك السّودانيّ

ليس مستبعدًا أن تعيد قوى الحراك الشّعبيّ في الجزائر بعض حساباتها، وكذلك السلطة، على ضوء مآل الحراك السّودانيّ. وهو ما يؤكّده استرجاع المسيرة الـ26 لأعداد كبيرة من المتظاهرين، خاصّة في الجزائر العاصمة، بعد تراجع عدديّ شهدته الجمعات الأخيرة. في انتظار أن يساهم الدّخول الاجتماعيّ والجامعيّ، بعد أيّام، في تجديد حماس الحراك. وهو ما تخشاه السّلطة القائمة، فراحت تركز على تنظيم انتخابات رئاسيّة "في أقرب الآجال".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك الشعبي.. من الشارع إلى صالونات الحوار

الحراك الشعبي والمرحلة الانتقالية يعترضان مشروع المجتمع المدني