02-سبتمبر-2017

احتفالات الشواء بين الأصحاب في الجزائر (فيسبوك)

يقول الخضّار حمزة في مدينة بودواو، 38كيلومترًا شرق الجزائر العاصمة، لـ"الترا صوت" إن "خضاره تبقى كاسدة أيام العيد الكبير"، هكذا يسمّى الأضحى في الجزائر، "ليس بسبب أسعارها التي تتضاعف في هذه المناسبة فقط، بل لأن الأسرة الجزائرية تتعامل مع اللحم على أنه الوجبة الوحيدة حتى تنهي الأضحية كلّها". يضيف: " غير أن استهلاكها للفواكه يتضاعف، وهو ما يجعلني أعوّض خسارة الخضروات".

يمثل اللحم الوجبة الرئيسية في الأيام التي تلي العيد في الجزائر وتنتعش الأكلات المعتمدة عليه وخاصة الشواء الذي ينتشر خارج البيت

تنتعش خلال العيد الكبير الأكلات المعتمدة على اللحم، بما فيها تلك الشعبية التي باتت مرتبطة بالجيل القديم، مثل "البكبوكة" المصنوعة من معدة الخروف، و"المشرملة" المصنوعة من كبده، و"البوزلّوف" المصنوعة من رأسه وأرجله، و"العصبان" المصنوعة من شحومه. غير أن شغف الشباب الأكبر يظلّ متعلّقًا بالشواء خارج البيت.
فرض هذا الشغف تجارة تنتعش أيامًا قبل يوم النحر، على أيدي شباب بطّالين يبيعون فيها ما يتعلّق بالشواء من أدوات، مثل "الشوّاية" ، وهي فرن صغير  حديدي مسطّح، وأعواد الشواء الحديدية والخشبية، وعيدان تنقية الأسنان، والفحم الذي قال أحد هؤلاء التجار إنه بات متوفرًا بشكل خرافي خلال هذا الموسم بسبب الغابات المحروقة قبل أيام. "إدراك البعض لتعلّق الناس بالشواء خلال العيد الكبير دفعهم إلى أن يحرقوا بشكل خفي غابات كاملة ليتاجروا بفحمها"، في إشارة منه إلى ما ورد في تبريرات بعض مسؤولي وزارة الداخلية لموجة الحرائق التي مست 46 محافظة.

احتفالات الشواء بين الأصحاب في الجزائر (فيسبوك)

اقرأ/ي أيضًا: "الدار الكبيرة" تجمع الأسر الجزائرية في العيد

محدّث "الترا صوت" قال إنه يجمع مبلغًا من المال بطرق مختلفة كلما اقترب عيد الأضحى، ويتوجّه إلى ضاحية الحميز بالجزائر العاصمة لاقتناء كمية من الأدوات الخاصة بالشواء ليعرضها على قارعة الطريق. "إنها تجارة مربحة لكثرة زبائنها، فالأضحى يرتبط لدى الشباب بالشواء".

عادة ما تبدأ عملية خروج الشباب للشواء في الغابات والشواطئ والمساحات الخضراء مساء اليوم الأول من العيد، فيما تشرع الأسر في ذلك خلال اليوم الثالث. تقول الخالة عيشة لـ"الترا صوت": "الشباب عزّاب ولا شيء يشغلهم. أما النساء فيحتجن اليوم الأول لتهيئة الأضحية واليوم الثاني للمعايدة زيارة واستقبالًا".

في شاطئ سركوف شرق الجزائر العاصمة، انتشرت مجموعات من الشباب لإعداد وجبات الشواء، فكان البعض يعد اللحم وآخرون الحطب وآخرون الطاولات وما يصاحب الشواء من مشروبات ومقبّلات، رافعين أصوات الموسيقى، ومشكّلين أعراسًا صغيرة لافتة للانتباه.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الأضحى في الجزائر.. عرس السواطير

يقول فريد قاسمي، وهو مشرف على مدرسة خاصّة في اللغات الأجنبية،لـ"الترا صوت" إنه اتفق مع أصدقائه على أن يحضر كل واحد منهم كمية من اللحم، ويخرجون إلى الشاطئ ليقيموا مأدبة، "مثلما هناك نكهة خاصة للأكل مع الأسرة هناك نكهة خاصة للأكل مع الأصدقاء". يتدارك: "يفضل الشباب أن يشووا في الخارج هروبًا من الأكلات التقليدية التي يصر الكبار على أن يعدّوها في البيت، في الحقيقة الشواء خارج البيت مظهر من مظاهر اختلاف الرغبات بين الأجيال في الجزائر".

تبدأ عملية خروج الشباب للشواء في الغابات والشواطئ في الجزائر مساء اليوم الأول من العيد، فيما تشرع الأسر في ذلك خلال اليوم الثالث

لاحظ "الترا صوت" جرعة زائدة من الحميمية خلال جلسات الشواء في الخلاء، ليس بين الشباب المشكلين للمجموعة الواحدة فقط، بل بين المجموعات المختلفة أيضًا، رغم أنها قادمة من جهات مختلفة عادة، إذ كانوا يتبادلون الفحم واللحم والمشروبات، وينخرطون في نوبات رقص وغناء.

يقول نبيل، 26 عامًا، إن هذه الروح من الحميمية والتواصل هي الهدف من خرجات الشواء، "لقد بتنا نعيش ريتمًا متسارعًا وخانقًا طيلة أيام السنة، ووحده العيد بات ينعشنا ويسلّينا". سألناه عن سبب اختيار البحر، مع أن الشائع الذهاب إلى الغابة للشواء، فقال إن معظم الغابات تم حرقها، " ثم إننا نريد أن نسبح أيضًا، من لم يجرب السباحة بعد أن يشبع شواء ويستريح قليلاً، فقد حرم من متعة مختلفة".

من جهته، يقول الناشط هود خليل إنه يفضل وشلة الأصدقاء الجبل على البحر، "بالنظر إلى الهواء العليل، ومساحة الحرية الممنوحة فيه لقلة قاصديه، ولإمكانية الإحساس بروعة العيش البري، وهي كلها عوامل تجعل الشهية للأكل أكبر". ويضيف: " لذلك نفضل أن نأخذ معنا شاة كاملة لا قطعًا من اللحم فقط".

وسجّل الناشط في مجال حماية البيئة طيوش لحيلح عددًا من التجاوزات قال إنه على الجزائريين أن يتجاوزوها، "ترك الجمر بعد نهاية الجلسة قابلًا للاشتعال من جديد بما قد يتسبب في حريق، عدم جمع البقايا التي لا تقبل التحلّل في التربة، بما يضر بها، وإطعام الحيوانات البرية بما يخلّ بنظامها الغذائي الطبيعي". ويختم: "خرجات الشواء هذه ظاهرة صحية ومقاومة للحياة الإسمنتية، وتصبح أحلى حين نلتزم فيها باحترام البيئة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

قبل عيد الأضحى.. الكبش الأقرن مطمح الجزائريين

أضحية العيد.. موضة سادية أو شعيرة دينية؟