اتساع المساحة الجزائرية، 2.4 مليون كيلومتر مربّع، بما يؤهلها لأن تكون الأكبر عربيًا وأفريقيًا، بعد تقسيم السودان عام 2011، جعلها تنام على العديد من الفوارق المتعلّقة بالعرق، عرب وأمازيغ وأتراك وأفارقة، والمذهب الفقهي، مالكية وإباضية وتوجهات طارئة مثل الشيعة والأحمدية، والمستوى المعيشي، بين أثرياء ومحدودي الدّخل، ولون البشرة، بيض في الشمال وسمر في الجنوب.
طفت مؤخرًا في الجزائر عديد الممارسات والتصرفات العنصرية بين الشعب الواحد وتجاه المهاجرين واللاجئين الأفارقة وهي في تصاعد ملحوظ
ولئن ظلّت مراعاة هذه الفوارق في التعاملات العامّة والخاصّة خفيّةً، منذ الاستقلال الوطني عام 1962، ما عدا في مفاصل قليلة، فقد دفعها التخبّط العام الذي أثمرته المرحلة السياسية والاقتصادية الأخيرة إلى أن تطفو على السّطح متغذّيةً على فاعلية موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الذي بات يستقطب ثلث عدد السكّان، البالغ أربعين مليونًا.
يقول الكاتب والمربّي محمد بوطغان لـ"الترا صوت" إنها مؤشرات طبيعية بالنظر إلى ما أسماها "الاستقالة المعنوية للمنظومات المعنية بتماسك المجتمع المدني"، والتي باتت، بحسبه، مسنودة إلى وجوه لا كفاءة لها. يشرح فكرته: "لقد طغى الإهمال والارتجال على التفكير والسلوك حتى لدى الوجوه الرسمية. من ذلك تهكم الوزير الأوّل السابق على طائفة من الشعب الجزائري".
يضيف الكاتب والمرّبي محمد بوطغان: "ما يدعو إلى الخوف أكثر أن مظاهر اللامبالاة حكوميًا وشعبيًا، في التعاطي مع دواعي الروح العنصرية بين الجزائريين لا تزال آخذة في الاستمرار، بعيدًا عن أيّ مسعًى لتغليب الإيمان بالتعدّد والاختلاف".
وشهدت الأسابيع الأخيرة ثلاثة أحداث جزائريًا أفرزت تعليقاتٍ عنصرية، أفرزت هي الأخرى ردود أفعال في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والذي يبدو أنه تحوّل إلى مرآة يمكن أن نرصد من خلالها النّبض العام للمجتمع الجزائري.
اقرأ/ي أيضًا: التمييز العنصري في تونس.. السر المخجل؟
ماذا يفعل المهاجرون في ديارنا؟
إذا استثنينا الدول المغاربية الأربع، وهي المغرب وموريتانيا غربًا، وتونس وليبيا شرقًا، فإن الجزائر تشترك في حدودها مع اثنتين من أكثر الدّول الأفريقية مساحة ومجاعة واضطرابًا أمنيًا هما مالي والنّيجر، في حدود تبلغ 2332 كيلومترًا. وهي مسافة تصبح مراقبتها صعبة، إذا أضفنا إليها دواعي الهجرة من حرب وجوع وفقر وغير ذلك.
في ظلّ هذا الواقع، استقبلت الجزائر عددًا من المهاجرين غير النظاميين، بقي حصره متذبذبًا بين الحكومة والمنظمات الحقوقية، لكنه لا يقلّ عن أربعين ألفًا. ويتنقل المهاجرون بحرية في الفضاء الجزائري، إذ يمكن أن تجدهم في القطارات والحدائق والمساحات العامة وتحت الجسور وعلى جنبات الطرق السيّارة، وجزء منهم يعتمد في عيشه على الصّدقات. وهي مظاهر تذمر منها بعض الجزائريين.
ظهر هذا التذمر في بعض المنشورات والكتابات والتصريحات في فيسبوك والصحافة المكتوبة والسمعية البصرية، والتي لاقت استنكار البعض. وانتقل الانقسام إلى الواجهة السياسية الحاكمة نفسها. إذ دعا أحمد أويحي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ورئيس ثاني أكبر حزب في البرلمان "التجمّع الوطني الديمقراطي" إلى النظر إلى وجود المهاجرين بشكل غير نظامي في الجزائر من زاوية كونهم يهدّدون الأمن القومي والصّحي للبلاد فيما اعتبر تصريحًا عنصريًا يمس من حقوق الإنسان ويتناقض مع ما صادقت عليه الجزائر من معاهدات دولية، فيما قال الوزير الأوّل عبد المجيد تبّون إنه من حقهم على حكومته أن تجمعهم في مخيّمات خاصّة وتضمن لهم الطعام والعلاج والتعليم.
في حكومتنا أسمر ثالث
مع أن الحكومة الجديدة/ القديمة تضمّ وزيرين من ذَوَي البشرة السمراء هما عبد القادر مساهل، وزير الخارجية، ونور الدين بدوي وزير الدّاخلية، إلا أن تعيين وزير أسمر ثالث ينحدر من أقصى الجنوب الصحراوي أثار تعليقاتٍ بسبب لون بشرته. يتعلق الأمر بالجامعي حسن دردوري، الذي تولّى حقيبة وزارة السياحة والصناعات التقليدية، بعد أن بقيت شاغرة أربعين يومًا، بسبب عزل الرئيس بوتفليقة للوزير الذي تولّاها في ظل التعديل الحكومي الذي أجراه نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، يومين فقط بعد تعيينه.
يقول الإعلامي إسماعيل غربي لـ"الترا صوت" إنه تفهم الذين انتقدوا كون الرجل متخصّصًا في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا لا في السياحة، والذين قالوا إن خبرته في الإدارة يسيرة، إذ كان أكبر منصب تولّاه هو إدارة الكتاب في وزارة الثقافة، "ذلك أن الأمر هنا يتعلّق برأي قابل للنقاش. لكنني لا أتفهم الذين انتقدوا تعيينه بسبب لون بشرته وانحداره من الجنوب". يضيف: "كانت صدمتي مضاعفة لأنني عرفت كفاءة ونزاهة الرجل في الميدان، وأدهشني أن منتقدي كونه من الجنوب تغافلوا عن هذا المعطى، الذي يفترض أن يكون المعيار الوحيد في الحكم على المسؤولين، بعد ستين عامًا من الاستقلال".
اقرأ/ي أيضًا: "إيبولا..إيبولا".. إنهم عنصريون؟
نار انتقامية
يرى بعض الجزائريين أن الجهوية والعشائرية والمناطقية من أدوات النظام للتغطية على فشله وهي تنفضح بشكل جلي على فيسبوك خاصة
أتت النار على مساحات غابية كبيرة في ثلثي محافظات الجزائر نهاية الأسبوع الماضي. غير أن أشدّها ضراوةً وأكثرها إضرارًا بالمكان والإنسان والحيوان تلك التي شبّت في منطقة تيزي وزّو ذات الأغلبية الأمازيغية، وكانت الصور التي تناقلها روّاد فيسبوك مثيرة للحزن والدعوة إلى هبّة وطنية للمساهمة في إخماد النيران، التي وجدت راحتها بسبب وعورة المنطقة.
في المقابل، عبّرت بعض الأصوات عن سعادتها بالحادثة، لأنها تتعلّق، حسبها، بمنطقة تسمح بالعري والخمر وتعادي العرب والعربية. خاصّة أن المنطقة على موعد مع مهرجان الألوان يوم 7 آب/ أغسطس، حيث سيشهد سباحة نساء عاريات. وهو التصرّف الذي أثار حفيظة قطاع واسع من الجزائريين، واعتبروه تشفّيًا في غير محلّه. كتب الباحث في علم الاجتماع عمّار بن طوبال: "آه يا أولاد شحيبر! تتشفّون حتى أثناء الحرائق. من أنتم؟".
وقال الكاتب الصّحفي نجيب بلحيمر، تعليقًا على ما يستشفّ أنها مظاهر عنصرية في سلوك وتفكير الواقع الجزائري الجديد، إنّ الجهوية والعشائرية والمناطقية هي من أدوات النظام للتغطية على فشله وعدم شرعيته. "إنهم يحاربون الكراهية بمزيد من الكراهية. وهذا فيسبوك أخرج أسوأ ما فينا".
اقرأ/ي أيضًا:
أطفال أفارقة في الجزائر.. تحية للابتسامات البيضاء