11-أغسطس-2019

غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب استمّر لأكثر من ربع قرن (فيسبوك/ الترا جزائر)

منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فيفري/ شبّاط الماضي، بادرت المجموعات الوطنية من المجتمع السياسي والمجتمع المدني إلى تناول المحظور في الشأن الأمني والدولي والإقليمي. وكانت العلاقات الجزائرية- المغربية، من بين الملفّات التي لا تزال حبيسة المزاج الدبلوماسي، الخاضع لعقيدة سياسية صلبة تحكمها الهواجس والمخاوف بين البلدين.

أطلق عدد من المثقفين ورجال الإعلام والحقوقيين، مبادرة من أجل فتح الحدود الجزائرية المغربية

في هذا السياق، أطلق عدد من المثقفين ورجال الإعلام والحقوقيين، مبادرة من أجل فتح الحدود الجزائرية المغربية، ودعوا إلى تأسيس علاقات قائمة على الانفتاح والتعاون، إيمانًا بأنّ وحدة الشعوب هي مصير مشترك، وأن ما يجمع البلدين أقوى ما يفرق بينهما، وأكدّ البيان، أن "السلم والتعايش قيمٌ يتماسك بهما الشعبان الجزائري والمغربي، رغم نيران الحقد التي يشغلها الفاسدون والجهلة".

اقرأ/ي أيضًا: "خاوة خاوة".. الهتاف الذي وحَّد المغاربة والجزائريين في مصر!

هنا، يوضّح الصحافي حمزة عتبي، وهو أحد الموقّعين على المبادرة  في حديث إلى"التر جزائر" أنه: "بعد مضي أكثر من ربع قرن على إغلاق الحدود البريّة بين جارين شقيقين بقرار سياسي طائش، لا يتماهى مع طموحات الشعبين، لأنه كان خارجًا عن إرادتهما، لم تُفلح محاولات غرس الكراهية وزرع الفتنة بين الشعب المغربي والجزائري بإيعاز من النظام الجزائري والمخزن المغربي وبتوظيف الإعلام المأجور".

يبدو الخلافات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، بقيت على مستوى الأنظمة ولم ينخرط الشعبان في لعبتهما السياسية، إذ بقيت حبال الود والتآز متينة بين الشعبين، ولم تتأثّر بالخلافات السياسية وهو ما تؤكده صور التضامن في الشارع، آخرها ما جرى بعد تتويج المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا.

يقول عتبي عن مباردة فتح الحدود "انسجامًا مع هذا الوضع، ولدت هذه المبادرة التي يقودها مثقّفون جزائريون، سعيًا منهم لإذابة الجليد وإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين، تتوّج بإعادة فتح الحدود".

يُشير المتحدّث إلى الفرص الضائعة في المنطقة المغاربية، نتيجة الخلافات السياسية، ويوضّح أنّه بدون تعاون جزائري مغربي تبقى المنطقة المغاربية مضطربة، تدفع أصحاب القرار في البلدين صرف ملايير الدولارات على خردة السلاح، في حين يشهد العالم بروز تكتّلات جديدة على حدّ قوله.

على الأنظمة هنا وهناك أن تغيّر ذهنيتها وعليها أن تعي أن صناعة العدو الخارجي، لم تعد اليوم تجارة رابحة، ولم تعد سياسة ناجحة لتهدئة الجبهة الداخلية لأنّ الظروف قد تغيّرت، يضيف عتبي.

كرة القدم تعرّي الواقع

شهدت الحدود الجزائرية –المغربية خلال تصفيات الكأس الأفريقية الأخيرة، تجمّعات عفوية لسكان المناطق الحدودية بين الجزائر والمغرب، تبادلا فيها الطرفان أجواء الفرحة لانتصارات الفريق الجزائري، وتواصل تشجيعات المغاربة للمنتخب الجزائري بعد إقصاء الفريق المغربي، وتداول نشطاء ومدوّنون عبر منصّات التواصل الاجتماعي، صورًا وفيديوهات لأجواء الفرحة التي عمّت شوارع المدن المغربية تعبيرًا  بالتتويج الفريق الوطني الجزائري بالكأس الأفريقية. وحرص ملك المغرب محمد السادس على أن يكون أوّل المهنّئين لهذا التتويج القاري.

انسداد سياسي

 وفي سياق  الحديث على ضرورة تجاوز الصراع، يُجمع خبراء في الشأن الدبلوماسي، على وجوب  أن تتجاوز الجزائر والرباط الخصومات السياسية الضيّقة والأنانية الزعماتية، التي تحاول السيطرة سياسيًا على الحوض المتوسطي والساحلي، فالمخاطر الإقليمية اليوم  لم تعد نفس المشاكل التي كانت عليه سنوات السبعينيات والثمانينات.

 جدير بالذكر، أنّ الجزائر والمغرب تقعان وسط حزام جنوبي من جهة الساحل الأفريقي يمتد لحوالي 8 ملايين كلم مربع، تتداخل فيها  عشرون دولة، تمتد من غرب ووسط أفريقيا، ومن الجهة الشرقية من القرن الأفريقي المفتوح على المحيط الهندي، مرورًا بالسودان وتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي وليبيا، جغرافيا مفتوحة على كل المخاطر وتعرف نشاطًا مكثّفًا لتجارة المخدرات والأسلحة وبؤر عصابات التهريب والاتجار البشر وتبيض الأموال، ومعاقل الإرهاب الدولي. 

ستفرض الرهانات المستقبلية حتمًا على الدول المغاربية، خطوات نحو العمل على تجاوز الحساسيات السياسية القائمة

بالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب الدول الساحل الافريقي تعاني من هشاشة مؤسساتية وعدم استقرار سياسي وتهديد وسط بروز حركات استقلالية في كل من تشاد ونيجر وشمال مالي والحرب الأهلية في ليبيا، بينما تحولت مناطق شاسعة غير خاضعة لسيطرة الدول إلى جيوب لتنظيمات جهادية، وباتت المنطقة مسرحًا لصراع دولي بين عدّة أطراف إقليمية.

من الجيوسياسية إلى الجيو-إقتصادية

قصد تخطي حالة الانسداد السياسي، يرى كثير من المتابعين إمكانية تجاوز الخلافات السياسية الظرفية، عبر دفع العلاقات إلى المجال الاقتصادي، كمقاربة لتجاوز عقبات الأيدولوجيات الدبلوماسية الموجودة بين البلدين، فالفضاء الاقتصادي المفتوح بين البلدين، يسمح بحركية  رأس المال المادي والبشري، ويعمل على ميلاد قطب وتكتّل اقتصادي، قادر على تشكيل جبهة سياسية-اقتصادية  في مواجهة ضغوطات الاتحاد الأوروبي والمنظّمة العالمية للتجارة.

إن الرهانات المستقبلية ستفرض حتمًا على الدول المغاربية، خطوات نحو العمل على تجاوز الحساسيات السياسية القائمة، ومواجهة التحدّيات الداخلية من أجل تنمية مستدامة، ومجابهة الأخطار الخارجية مع صعود الحركات اليمينية في أوروبا والعالم الغربي الذي يهدّد الحوض  المتوسّطي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

انفراج محتمل بين المغرب والجزائر.. هل تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة؟

بعد تصويتهما ضدّ المغرب.. الجزائريون ساخطون على الإمارات والسّعودية