بات عمر ظاهرة الهجرة غير النظامية في الجزائر، إلى الضفّة الشّمالية للبحر الأبيض المتوسّط، أو "الحرقة" كما تسمّى شعبيًا حوالي ربع قرن. فهي من أعمار الشّباب الحالمين بها والمؤهلين لممارستها. من هنا، فقد بات الحديث عنها خاليًا من عناصر الفضول والشّغف والغرابة والاستثناء كما كان في البدايات.
في قلب معركة الانتخابات المحلية في الجزائر، سيطرت الهجرة غير النظامية على حديث الجزائريين خاصة مع ورود أخبار عن وجود مترشحين للانتخابات ضمن قوافل المهاجرين
غير أنّ الحديث عن الظاهرة استعاد هذه العناصر هذه الأيام، بسبب أنها انتعشت بشكل لافت، خلال الحملة الانتخابية الخاصّة باختيار أعضاء المجالس الشّعبية البلدية والولائية (على مستوى المحافظات)، مجالس المحافظات، التي تجرى اليوم الخميس 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بعد أن تراجعت في السّنتين الأخيرتين، بسبب التّضييق الذي باتت تمارسه الحكومة، بعد أن باتت الجزائر محطّةً للعبور إلى "الجنّة الأوروبية" لآلاف الشّباب الأفارقة.
طيلة الحملة الانتخابية، التي انطلقت قبل عشرين يومًا، كانت أخبارها وكواليس التجمّعات، التي أشرفت عليها الأحزاب والقوائم الحرّة المترشّحة، 165.000 مترشّح للمجالس البلدية و16.600 مترشّح للمجالس الولائية، جنبًا إلى جنب في وسائل الإعلام التقليدية وموقع التّواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ممّا غلّب النّبرة السّاخرة على أحاديث الجزائريين عن الظاهرة. يقول الطالب الجامعي أسامة حتوت لـ"الترا صوت" إن "الأمر يشبه أن يهاجر أحد أفراد الأسرة صبيحة عرس من أعراسها أو مأتم من مآتمها".
اقرأ/ي أيضًا: ملصقات الانتخابات البلدية في الجزائر.. إخفاق في حرب الصورة
يشرح أسامة حتوت فكرته: "ألا تقدّم الحكومة الانتخابات على أنها فرصة للتغيير والانتقال بالبلديات إلى واقع أكثر تنميةً وانفتاحًا على طموحات السكّان؟ فكيف نفهم إقدام الشّباب على مغادرة البلاد بطريقة غير نظامية خلال الحملة الخاصّة بهذه الانتخابات، حيث يُفترض بهم أن يشاركوا فيها، ما عدا أنه موقف من فعل الانتخابات، الذي باتوا يفهمونه على أنه كذب على الذقون، من زاوية مسحة التّزوير، التي باتت من التقاليد الثّابتة، ومن زاوية إخلاف المترشّحين لوعودهم، التي يقطعونها للمواطنين خلال الحملات الانتخابية".
أبرز محاولة للهجرة غير النظامية، التي لفتت الانتباه هذه الأيّام، تلك التي قام بها 46 شابًّا من مدينة تبسّة، 636 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، حيث دخلوا التّراب الليبي، رغم ما يشكّله ذلك من أخطار، بما فيها احتمال أن يُباعوا في سوق العبودية الجديدة. غير أن سلطات طرابلس ألقت القبض عليهم وسلّمتهم إلى السّلطات الجزائرية، التي عاقبتهم شهرين سجنًا غير نافذ، وسلّمتهم بدورها لأهاليهم، في تجمّع شبيه بعرس طرد منه المترشّحون للانتخابات، الذين حضر بعضهم لاستغلال اللحظة انتخابيًا.
ما ضاعف من جرعة السّخرية في المجالس الواقعية والافتراضية للجزائريين، وهم يتناولون أخبار الهجرة غير النظامية الموازية للحملة الانتخابية، ورود أخبار عن وجود مترشّحين لهذه الانتخابات ضمن قوافل المهاجرين. وهو المعطى الذي ضاعف، في المقابل، من حرج الحكومة والأحزاب المترشّحة معًا.
اقرأ/ي أيضًا: الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى
إقدام مترشح على الهجرة بطريقة غير نظامية، في الوقت الذي كان منتظرًا منه أن يكون ضمن التجمعات الدعائية، ليس له معنى في نظر الشباب إلا أنه لم يعد للانتخابات من معنى
يقول الكاتب حكيم شيخ لـ"الترا صوت": "أكثر ما يخيف الحكومة والأحزاب المترشّحة أن تكون نسبة المشاركة هزيلةً، إذ يؤشّر ذلك على موقف شعبي منهما معًا. وإقدام مترشّح ما على الهجرة بطريقة غير نظامية، في الوقت الذي كان منتظرًا منه أن يكون ضمن التجمّعات الدّعائية، ليس له معنى في نظر الشّباب إلا أنه لم يعد للانتخابات معنى".
من جهته، ينفي اعمر مريحات، المترشّح ضمن قوائم أحد الأحزاب الموالية للسلطة، لـ"الترا صوت" أن يؤثّر ذلك في مصداقية الانتخابات، "التي تظلّ الحلّ الأمثل للتّغيير" في نظره، "ذلك أن عدد المترشّحين المهاجرين يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وهم، مع ذلك، مرتّبون في ذيل القوائم، ولا وزن سياسيًا لهم، مثلما هو الأمر في حالة مترشّح ولاية تيبازة".
في كلام اعمر مريحات إشارة إلى أكثر الحالات إثارةً للانتباه في هذا الباب. حيث لوحظ غياب إلياس. ب، 30 عامًا، إلى جانب رفاقه في التجمّعات الدّعائية، وهو المترشّح ضمن قائمة حزب "الجبهة الوطنية الجزائرية" المعارض في بلدية تاقورايت التّابعة لمحافظة تيبازة، 60 كيلومترًا إلى الغرب من الجزائر العاصمة.
في الوقت الذي اكتفى فيه الحزب بالإعلان عن اختفاء مفاجئ لمرشّحه، بادر المعني بالإعلان عن نفسه من إسبانيا، معترفًا لأسرته وأصدقائه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأنّه استغلّ المبلغ، الذي أعطاه له حزبه للدّعاية الانتخابية في الهجرة، في حدود 6000 دولار أمريكي.
دفع هذا السلوك لإطلاق عبارة "مرشّح الشّكارة" أي صرّة النقود، وهي التي غلبت على تعليقات الجزائريين مؤخرًا، وأعطت إشارة على أنّ نظرة قطاع واسع منهم إلى السّياسيين والمترشّحين للانتخابات تقوم على اعتبارهم انتهازيين وباحثين عن حصانة مؤسّساتية لسرقة المال العام لا أكثر.
اقرأ/ي أيضًا:
الانتخابات الجزائرية.. السياسة في وحل المال الفاسد
تقدير موقف: الانتخابات التشريعية الجزائرية: برلمان جديد.. وتحديات كبيرة