يُعدّ التّعديل الحكوميّ الذّي أعلن عنه رئيس الجمهوريّة عبد المجيد تبّون يوم 18 شباط/ فبراير الجاري؛ في مسعى استباقه لذكرى الحراك الثّانية، بإطلاق جملة من القرارات التّي يعتقد أنّها تلعب دور تبريد الشّارع، من التّعديلات الحكوميّة التّي خلقت حالة انتظار، لدى النّخبة الثّقافيّة والإعلاميّة. وقد ظهر ذلك من خلال تدوينات قطاع واسع من هذه النّخبة، في مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
عثمان لحياني: غياب الشّباب في التّوظيف الحكومي الجديد يضع خطاب الرّئيس في مأزق سياسي وأخلاقوي
ويقرأ النّاشط الثّقافيّ والشّاعر رشيد بلمومن هذا التّفاعل الاستثنائيّ، إذ ليس من عادة النّخب الجزائريّة الاهتمام بمن يذهب ومن يأتي من وزراء السّلطة، من زاوية الظّرف الاستثنائيّ الذّي جاء فيه التّغيير المعلن عنه؛ "فبعد عامين من مسعى الحراك الشّعبيّ أحدهما تميّز بوباء أربك مفاصل الدّولة والمجتمع معًا، تشكّلت حالة من توقّع شطر من النّخب لإيمان السّلطة الحاكمة بالتّغيير، بما يوفّر علينا كثيرًا من الوقت والجهود والأعصاب. ورأوا في التّغيير الحكوميّ مرآة لقياس إيمان السّلطة بالتّغيير".
اقرأ/ي أيضًا: الذكرى الثانية للحراك الشعبي .. معركة الحريات مستمرّة
ثمّ إنّ عودة الرّئيس من مشفاه الألمانيّ؛ يقول محدّث "الترا جزائر"؛ بعد مرض وغياب طويلين، أعطت انطباعًا بأنّ الرّجل سيستغلّ الفرصّة لتمرير رسالة تفاؤل للجزائريّين، من خلال تعديل حكومي حقيقي ومبنيٍّ على الكفاءات لا الولاءات.
غير أنّ تفاعل قطاع واسع من المثقّفين الجزائريّين، بعد الإعلان الرسميّ عن التّغيير الحكوميّ في نظر الرّئيس؛ الأحد، وعن العمليّة الجراحيّة الطّفيفة في نظرهم؛ إذ تمّ الإبقاء على معظم الوجوه السّابقة، خلق حالة من التبرّم والسّخرية وصلت إلى حدّ التّلويح بالهجرة أو التّلويح بالاستقالة من الحياة العامّة.
يقول الطّالب الجامعيّ والمدوّن أكرم سنوسي، إنّ ما قام به الرّئيس يوحي بأنّ الرجل يعمل ضدّ مصالحه السّياسيّة؛ "فما معنى أن يتخلّى عن وجوه حراكيّة، مثل وزير الصناعة وكاتب الدّولة للصّناعة السّيناماتوغرافيّة، عشيّة الذّكرى الثّانية للحراك الشّعبي، في مقابل استدعاء وجوه بوتفليقيّة بامتياز، مثل وزيرة البيئة ووزير السّياحة؟ أو ما معنى الإبقاء على وزيرة العلاقة مع البرلمان في ظلّ توقيع قرار حلّه؟".
ويعتقد محدّث "الترا جزائر" أنّ الرّئيس كان في غنًى عن القيام بهذا التّغيير أصلًا، مادامت الانتخابات التّشريعيّة المسبقة على الأبواب، بما يجعل الذّهاب إلى حكومة جديدة حتميّة يفرضها الدّستور الجديد، "كان استمرار حكومة جرّاد الثّانية على ما كانت عليه يشكّل صدمةً شعبيّة أقلّ من صدمة التّغيير الذّي حصل". يسأل: "لصالح من هزّ إيمان الشّعب بإمكانية التّغيير، ساعاتٍ قبل يوم 22 شباط/ فبراير؟".
تعديل ضدّ السّياق
وكتب الإعلاميّ عثمان لحياني إنّ هذا التّعديل ضدّ السّياق وخارج التّاريخ، لأنّه بحسبه يفتقد الى "الإبداع السّياسيّ"، ويعبّر عن أزمة تصوّر معقّدة داخل نظام الحكم ومأزق كامن في الذّات الحاكمة.
ويرى لحياني أنّ إلغاء وزارات بني عليها الرّئيس جزءًا من حملته الانتخابيّة وخطابه الاقتصاديّ لتنويع الصّادرات، مثل الزراعة الصّحراويّة والتّجارة الخارجيّة والصّناعة السّنماتوغرافيّة، يُعطي فكرةً عن التّسرّع في استحداث الوزارات من دون هدف محدّد، ثمّ التّسرّع في الإلغاء أيضًا من دون تقييم، ومن ثمّة التّسرّع في تعيين الوزراء.
"ويُضاف إلى ذلك التّخبّط الحاصل في هندسة الحكومة على مستوى الهيكلة، من خلال فصل وزارات ثمّ إعادة دمجها "الطاقة والمناجم"، وإلحاق وزارات بأخرى "الأشغال العموميّة والنقل"، بما يُؤشّر على وجود فارق المساحة بين الرّسم البيروقراطيّ والقدرة على تحويله إلى واقع سياسيّ منتج للقيمة المضافة في التّدبير والتّسيير.
ويقول عثمان لحياني إنّ إعادة استدعاء مستشار الرّئيس السّابق، وقد شارك في مهازل سياسيّة وفي مسرحيّة مشاورات الإصلاحات عام 2012، خطأ كبيرٌ في التّقدير يرقى إلى وضع استفزاز للذّاكرة الجماعيّة المتألِّمة من تبعات الحكم السّابق، خاصّةً أنّه يأتي عشيّة ذكرى الحراك الشّعبي.
ويشير الكاتب نفسه إلى أنّ غياب الشّباب في التّوظيف الحكوميّ الجديد، يضع خطاب الرّئيس بشأن "استحقاقات الشّباب" في مأزق سياسي وأخلاقويّ بالدّرجة الأولى، ويُفقد خطاب مأسسة المشاركة الشّبابيّة في الفعل السّياسيّ والحكوميّ كلَّ معنًى.
تشبيب في مهبّ الشيخوخة
من جهتها، ترى الكاتبة والأكاديميّة نسيبة عطاء الله في إقالة كاتب الدّولة الشّابّ يوسف سحيري رسالةً لجميع الشّباب، محتواها أنّ البقاء لجلباب الأب. "لقد تساءلت لأوّل مرّة ما أهمّية 13 سنةً في الجامعة، إذا كانت أحلامي الكبيرة ستموت مثلما ماتت أحلامي الصّغيرة بالإقصاء والتّجاهل؟".
"يقولون لنا لا تحلموا أبعد من حدودنا. وحين نندّد كما فعلنا في الحراك يرمون لنا لعبة صغيرة على هيأة حلم كبير في حدودهم، عندما نشرع في توسيعه يُحاصرونه للفتك به. لقد فهمنا الدّرس. وللأسف تعلّمناه بمرارة. ستبقى هذه بلاد (حنا في حنا) وحتّى لو (تحرّكنا) إلى غاية شيخوختنا، لن نربح سوى القهر".
وتخلص صاحبة كتاب "الجلوس عند الهاوية" إلى القول: "اتركونا فقط نحبّ بسلام، ونتزوّج بسلام، ونربّي أطفالنا بسلام، ونعدكم أنّنا سنحكي لهم القصص التّي كبرتم أنتم عليها لا نحن. هكذا حتّى يحيوا ويموتوا بدلا عنّا بسلام".
مؤشّرات غائبة
من جهته كتب المخرج المسرحيّ عقباوي الشّيخ إنّه بعد بعد كل الذي عاشه من عمره الذّي لا يزيد كثيرًا عن عهدات بوتفليقة مضافًا إليها العشريّة السّوداء، وبعد أن كوَّنته الجامعة الجزائريّة بالمجّان، وصل إلى نتيجة أنّ هذه الجمهوريّة كالقطّة التّي تأكل أولادها.
ويقول: "كان المشهد سيخدعني؛ وأنا مهندس الخدع المسرحيّة والسّينمائيّة، لو أنّ تبّون لجم وزيره للشّباب والرّياضة، وقد قال لي إذا لم تعجبك المسرحيّة غادر الجمهوريّة. أو عاقب وزيرًا آخر وقد قال: "نحن في وهران ولسنا في الصّحراء". أو جعل وسيط ولاية أدرار عبرةً، حين أساء إليها. أو أزاح وزيرة الثقافة والفنون التّي قالت في أدرار إنّها "جاءت لتنشيط الحملة الانتخابيّة للدّستور". ويختم صاحب مسرحيّة "ضجيج الصّمت" بالقول: "في ذكرى الحراك العظيم سأخرج لأقول لا، له ولحكومته".
ونشر الممثّل بودشيش بوحجر صورةً لأوّل مهاجر جزائريّ إلى الولايات المتّحدة عام 1892، يحتفظ بها متحف المهاجرين في نيويورك، وقال ساخرًا إنّ هذا أوّل من أدرك أنّ الجزائر "ما فيهاش"؛ أي لا أمل فيها.
هل تجاوز النّظام الجزائريّ صدمة الحراك الشّعبي وبات متحكّمًا كلِّيًّا في خيوط اللّعبة؟
فهل تجاوز النّظام الجزائريّ صدمة الحراك الشّعبي؛ وبات متحكّمًا كلِّيًّا في خيوط اللّعبة، إلى درجة أنّه لا يهتمّ بردود الأفعال الشّعبيّة وهو يُجري تغييرًا حكوميًّا قبيل ذكرى الحراك الذّي أوشك على تهديد أركانه قبل عامين؟
اقرأ/ي أيضًا: