صدرت مؤخرًا مجموعة قصصية جديدة للكاتبة الجزائرية أمل بوشارب تحت عنوان "لأنّهم من هُناك"، عن دار الشهاب للنّشر، وهي متوفرة حاليًا في المعرض الدولي للكتاب "سيلا" الذي تقام فعالياته في الجزائر العاصمة في الفترة الممتدة بين6 و 16 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
يُعدّ هذا الإصدار الثاني للكاتبة في هذا الخريف بعد ترجمتها الإيطالية الصادرة شهر سبتمبر الماضي ليوميات "أمية جحا: فنانة تشكيلية نزحت قسرا إلى مستشفى الشفاء"
يُعدّ هذا الإصدار الثاني للكاتبة في هذا الخريف بعد ترجمتها الإيطالية الصادرة شهر سبتمبر الماضي ليوميات "أمية جحا: فنانة تشكيلية نزحت قسرا إلى مستشفى الشفاء"، إذ نُشرت ترجمتها الإيطالية على مجلة DEP الأكاديمية بأجزائها العشرة كاملةً ضمن ملف خاص صدر عن قسم الثقافات المقارنة في جامعة كافوسكاري فينيسيا.
يمكن اعتبار هذه المجموعة تجربةً مختلفة تبتعد بها الروائية والقاصة أمل بوشارب قليلا عن خط الرّواية لتعود إلى رحاب القصّة من منظور آخر، حيث تستغلّ فرص إقامتها في إيطاليا واحتكاكها بالوسط الثقافي هناك للخوض في العديد من الاختلافات وكذا النقاط المشتركة بين عوالم الكتابة والفكر هنا وهناك، إضافة إلى محاولاتها الجادة للتعمق في تلك العلاقة المعقدة التي تجمعنا بالغرب من خلال أسلوبها القصصيّ المشوّق وهي تعالج تأثيرات الفكر الأحادي على الإيديولوجيات، وتكتب من موقعها وعبر علاقتها المباشرة بالوسطين العربي والغربي لتصل إلى فهم أوضح وأعمق لتعقيدات وتفرعات تلك العلاقة.
آراء نقدية إيطالية
كُتبت مقدمة هذه المجموعة من طرف الناقد الإيطالي باولو فاليزيو الذي خاض في أغوار هذه القصص وكتب قائلًا: "أمل بوشارب التي نعرفها كروائية وقاصّة مُكرّسة تكتب باللغتين العربية والإيطالية، تُظهر في هذه المجموعة الجديدة من القصص القصيرة تفردا وأصالة خاصة. فبأسلوبها الساخر والاستفزازي بذكاء، نجدها تسخر مما يعرف بخطاب "الفكر الأحادي" والمطابق للمعايير المُهيمنة، أو ما يطلق عليه باللغة الإنجليزية اسم "الصّوابية السياسية".
من جهة أخرى، نقرأ أيضا محتوى الكلمة النّقدية المنشورة ضمن المجموعة تحت عنوان "أن ترى العالم بعيون مختلفة" والتي كتبها مارتشيللو فينيتسياني، الذي يعتبر من بين أهمّ الروائيين والصحفيين الإيطاليين:"بخيط (أريادني) المستلّ من الأساطير اليونانية تنسج أمل بوشارب قصصها الشجاعة وغير الخاضعة للتيار واضعة إصبعها على التأثير الفتاك الذي تمارسه السلطة الأيديولوجية الغربية على المجتمع الإيطالي والأوروبي، والتي لم يعد ضررها ينحصر على إيطاليا بل أخذ يمتد إلى جوانب من الثقافة العربية والإسلامية كما نرى في هذه القصص لاسيما في أوساط المهاجرين الذين قد تبهرهم هتافات الترحيب وشعارات الاندماج"
كتابة قصصية في مواجهة التأثير الإيديولوجي
تحدثنا الكاتبة أمل بوشارب في تصريح لـ "الترا جزائر" حول مجموعتها القصصية عن تناولها ثيمة واحدة يمكن أن نطلق عليها "تداعيات العولمة الفكرية" على الصعيد الثقافي والاجتماعي في المجتمع الجزائري والإيطالي.
تستغلّ بوشارب فرص إقامتها في إيطاليا واحتكاكها بالوسط الثقافي هناك للخوض في العديد من الاختلافات وكذا النقاط المشتركة بين عوالم الكتابة والفكر هنا وهناك
هنا، تؤكد الكاتبة أن ذلك ما يمكن أن ينسحب بطبيعة الحال على بقية المجتمعات العربية بل وبقية دول العالم، بالنظر لكونية الظاهرة التي رصدت مشاهد منها في "لأنهم من هناك" ضمن المجتمعين الذين تنتمي لهما: الجزائري والإيطالي.
تشير أمل إلى أنّ المثير للاهتمام في الحالة الجزائرية والعربية ملمحٌ محدد وقفت عنده في أكثر من قصة، هو ما أطلق عليه أنطونيو غرامشي قبل حوالي قرن من الزمن في كتابه "كراسات السجن"، ظاهرة الافتتان بكل ما هو أجنبي، وأسماها هو "الهوس بالخارج".
ويعدّ هذا المفكر الإيطاليواحدا من أهم فلاسفة القرن العشرين، إذ وصف هذه الظاهرة "بالغبية" و"المقززة"، وهي لا تزال كذلك إلى يومنا هذا، كما أن التّحدي كان بالنسبة لها في هذه المجموعة تناول ظاهرة من هذا النوع بلغة أدبية تليق بها، وهي السخرية.
تعتقد أمل بوشارب أن هذه الظاهرة هي ما يمثل الطابو الحقيقي في الأدب العربي اليوم، وليس ثالوث الجنس والسياسة والدين الذي قُتل بحثا طيلة عقود، بينما بقي طابو الانبطاح "للغرب" من طرف المثقفين هو أكبر مسكوتٍ عنه بين الكُتاب العرب.
وبقولها لعبارة "الغرب"؛ تؤكد الكاتبة إلى أنّها تشير لتيار محدّد يقدّم لنا ضمن الثقافة العربية على أنه الثقافة الغربية بينما هذه الأخيرة لا تشكل كتلة واحدة بل تحفها تلوينات عدة تحارب هي نفسها ما يحاول أن يُفرض على مجتمعاتنا اليوم من ثقافة رخيصة ومبتذلة، ولعل ذلك هو ما دفعها أيضا لنشر هذه المجموعة مرفقة بمقدمة وكلمة نقدية ختامية لأديبين إيطاليين كبيرين جمعتها بهما وبغيرهما أحاديث مطولة عن هذه الظواهر التي تطبع ثقافتنا المعاصرة.
تفكّر الكاتبة هنا في أن القارئ العربي قد يجد من المثير أن نفتح له هذه النافذة ليتعرف أيضا من خلالها على رؤية النخبة الغربية في هذه المواضيع واكتشاف أننا في النهاية لا نختلف في جوهر انشغالاتنا، وأن التّحرر من الهيمنة هو الهاجس الحقيقي لكل مثقّف حر في العالم، أيا كان انتماؤه الحضاري".
كيف اجتمعت قصص "لأنهم هناك"؟
تركّز أمل بوشارب من خلال هذه القصص المتنوعة على "التأثير الفتاك الذي تمارسه السلطة الأيديولوجية الغربية على المجتمع الإيطالي والأوروبي"، حيث نجد من بينها قصة "المتمردة" وهي النسخة العربية للقصة التي صدرت للكاتبة باللغة الإيطالية عن منشورات Books Buendia بتورينو عام 2020، وحظيت بترشيح الصالون الدولي للكتاب بتورينو عام 2021 ضمن الإصدارات التي تستحق القراءة.
ويذكر أن الكاتبة تنشر في هذا الإصدار - للمرة الأولى - باللغة العربية قصة "الرائحة" التي نالت جائزة القصة القصيرة للمهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب 2008 بالجزائر، وصدرت في إيطاليا عام 2018، كما أنها تفتتح هذه المجموعة القصصية باقتباس للفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، وهو مأخوذ من "كراسات السجن" وتختتمها بأبيات للشاعر الفلسطيني نجوان درويش من "استيقظنا مرة في الجنة"، كما يحتوي هذا الإصدار على تسع قصص هي: أنا من هناك، الرائحة، عودة باخوس، القرداش، جاسوس للبيع، سوماهورو وأنا، النضال يرتدي برادا، المتمردة والمرأة التي انفتح عقلها.