03-نوفمبر-2022

الروائية الجزائرية أمل بوشارب (الترا جزائر)

تُعَدُّ الكاتبة الجزائرية أمل بوشارب (1984) من بين أبرز أصوات السرد النسائية الجزائرية الحاضرة في الساحة الأدبية محليًا وعربيًا وحتى دوليًا في السنوات الأخيرة، ويمكن أن نلمس ذلك عبر عدّة أعمال صنعت لها مكانة "قارّة" بين العديد الأسماء الكبيرة، بفضلِ نشاطها الأدبي الملفت، المتنقل بخفّة ورصانة بين الكتابة الأدبية باللغة العربية والترجمة والمقالات الصحافية في منابر هامة.

أمل بوشارب: علينا أن ندرك أن أيّة محاولة للتماهي مع النضالات المعولمة للتيار النسوي في الوقت الحالي لن يعيدنا سوى للوراء

 أمل بوشارب دمشقية المولد، جزائرية الجنسية، خريجة قسم الترجمة بجامعة الجزائر، حيث تحصلت على ماجستير في الترجمة تخصص (عربي ـ إنجليزي ـ فرنسي).

مارست الكاتبة مهنة تدريس اللغة الإنجليزية بين سنتي (2008)و (2014) في المدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة بوزريعة في الجزائر العاصمة.

من بين إصداراتها، إضافةً إلى ترجمة كتاب "أشرطة كاسيت أزنافور" و إصدارها باللغة الإيطالية "l’anticonformista"  الذي ينتمي إلى سلسلة متكونة من 28 كتابًا لعدة أقلام إيطالية، نجد أيضًا مجموعتها القصصية الأولى "عليها ثلاثة عشر" (2014) ، ثم ثلاثيتها "سكرات نجمة" (2015) و"ثابت الظلمة" (2018) و رواية " في البدء كانت الكلمة" (2021) التي تحصلت مؤخرًا على جائزة محمد ديب للرواية المكتوبة باللغة العربية، وهي الرواية التي تعود - كما قالت عنها أمل في حوار سابق-إلى فترات مهمة من تاريخ الجزائر المعاصر، محاولة إيجاد الخيط الرابط بين أهم المحطات التي طبعت الذاكرة الجمعية الجزائرية بداية من الثورة مرورا بالعشرية السوداء وصولا إلى الحراك، وما قبل ذلك.

تشرف أمل بوشارب أيضًا في الفترة الحالية على إدارة مجلة أرابيسك الصادرة باللغة الإيطالية، والتي تُعنى بخلق جسر تواصل بين الأدب العربي  ونظيره الإيطالي، حيث تصدر عن دار النشر الإيطالية (puntoacapo )وهي تجربة فريدة تخدم الأدب المكتوب باللغة العربية وتفتح له أفقا للتحليق خارج أسواره المغلقة.


  • "في البدء كانت الكلمة".. عنوان متفرد جدًا لروايتك الحاصلة مؤخرًا على جائزة محمد ديب في فئة الرواية المكتوبة باللغة العربية. كيف كان وقع هذا الفوز عليكِ؟ وما الرمزية التي تحملها الجائزة باسم الكاتب محمد ديب بالنسبة لكِ؟

قبل حوالي ثماني سنوات، وأنا بصدد كتابة الرواية الأولى من ثلاثيتي - التي كنتُ أراها مشروعًا كاملًا في ذهني منذ البداية –  تساءلتُ  إن كانت مُدوَنة الأدب الجزائري ستذكر ثلاثية أمل التي لم تولد بعد، كما تذكر ثلاثية محمد ديب! في الحقيقة، جميعنا بحاجة لفكرة كبيرة كهذه تمنحنا الجرأة للانطلاق. إذن، لكِ أن تتخيلي حجم الامتنان الذي شعرت به بعد إعلان تتويج الرواية التي اختَتمَت هذه الثلاثية بجائزة تحمل تحديدا اسم: محمد  ديب.

  • تنتمي روايتك الفائزة إلى ثلاثية روائية جمعتها بـ "سكرات نجمة" و "ثابت الظلمة"، تلت تجربة قصصية ناجحة، حيث نجد فيها تنوعًا سرديًا ينتقل بخفة بين الأدب البوليسي والخيال العلمي وأدب الرعب. هل تجدين الحرية الكافية للغوص كتابيًا في هذه الأنماط في مجتمعاتنا؟ وهل من الممكن أن تفتح هذه التجارب المهمة بابًا أمام فرص أدبية تنتقل بنا نحو عهد آخر غير الذي تتخبط فيه الكتابة العربية حاليًا؟

قبل سنوات قليلة ظهرت على الساحة العالمية تحولات نقدية عميقة جعلت مؤسسات عريقة كالبوكر (في النسخة البريطانية) والغونكور الفرنسية تمنح جوائزها لأعمال مصنفة كروايات تشويق على اختلاف أنواعها، ما شكل منعطفًا هامًا لإعادة التفكير في أنواع سردية محددة ضمن تقاليد الرواية الغربية. مواكبة النقد الجزائري لهذه التيارات كان لافتًا منذ البداية سواءً من داخل الأكاديميا الجزائرية مع البروفيسور محمد الأمين بحري أو من خلال باحثين جزائريين في جامعات عالمية كالأستاذ وليد بوشاقور ( من  الدراسات الفرنكفونية في جامعة (Yale).

 لكن الغريب كما ذكرتِ يبدو عدم انعكاس هذه الحركية الإبداعية والنقدية العالمية على الساحة العربية التي بقيت عالقة في أشكال جامدة من السرد منذ عقود، والسبب يعود لارتباط الكاتب العربي  بسوق الاستشراق وثيق الصلة بأقسام الدراسات السياسية والأنثروبولوجية في الجامعات الغربية أو ما يعرف "بدراسات المناطق" المعروفة تاريخيًا بأن لا علاقة أصيلة لها بالنقد الأدبي وإنما بخلايا أخرى ارتبطت بالهدف من تأسيسها، ويمكن للتعمق في هذا الموضوع العودة لكتاب غاياتري سبيفاك (Death of a discipline).

 الذي تَرجمتُه قبل سنوات، وفق هذه التوليفة كان ولا يزال من المعروف أن كل ما هو مطلوب من الكاتب العربي لأجل ضمان العبور إلى ضفة الترجمة باللغات الأوروبية هو موافقة هوى أيديولوجي وسياسي محدد يروي في ضوئه الكاتب قصته وقصة بلده المؤلمة فحسب، حتى إن كان ذلك بأكثر الطرق خطيّة ومباشرة.

المسألة إذن تتعلق بأشكال محددة تفرضها آلة الاستشراق الجديد في شقها الترويجي (تختلف عن الشق البحثي، وهي آليات مستحدثة في مقاربة الأدب العربي يطول يشرحها في هذا السياق)، ولكنها في النهاية تحصر المادة المطلوبة حاليًا من الكاتب العربي في ثيمات محددة، دون أن تفرض عليه اشتغالًا كبيرًا على تنويع القوالب السردية أو تجديدها، كل هذا يعرقل بالتأكيد السيرورة الطبيعية لفعل الكتابة ضمن الثقافة العربية، والتي لا تزال بحاجة إلى تفكيك الاستعمار من داخل منظومتها الإبداعية قبل السياسية، من أجل تحرير طاقاتها الفنية  الحقيقية.

  • خياراتك لعناوين رواياتك فريدة ومُلفتة وغير شائعة. علامَ اعتمدتِ في انتقاء هذه العناوين؟

في الحقيقة قصدت عدم تقديم عناوين استعراضية لهذه الثلاثية تحديدًا، أردتها عمدًا عناوين لا تجارية، ومناهضة للرأسمالية وعصية على الترجمة. الأمر يتعلق فعلًا بروايات تشويق لكنني لم أقصد من تبني هذا القالب، اصطياد القراء بأيّ ثمن، بل بالعكس تمامًا. لذا تعمدت أن تكون العناوين رقيقة فحسب، لكن غير مُسيلة للعاب، أردتها رصينة، لكن ليس لدرجة أن تكون مملة. ببساطة أردتها لقارئ يملك الحدس الأدبي الصحيح  لمقاربتها.

  • تُمارسين فعل الكتابة بحب خلال رحلة بدأتِها مع دراسة وتدريس الترجمة بالتزامنِ مع تجارب صحافية مهمة أيضًا. هل تضيف تجارب الاحتكاك مع لغات أخرى ومهنٍ لصيقة بالكتابة فرصًا أكبر للكاتب للتملص من ثوب واحد قد يصبح رثًا مع اسبيفاك؟

كروائية، ممارسة الترجمة الشعرية تحديدًا (وهي مهنتي الأولى بحكم تكويني الأكاديمي في الترجمة) يجعلني أُبقي ملكة الإصغاء للآخر دومًا يقظة لدي. ذلك أن إعارة صوتي لشخص مختلف كليًا عني لغويًا وإيديولوجيا وثقافيًا، بل الاستغراق عميقًا في تجربته والحرص على إيصالها بكل أمانة، هو ما أزعم أنه يساعدني على صنع شخصيات روائية متمايزة باقناع. الكثير من الروائيين ينتهون بكتابة أنفسهم وتكرارها في كل الروايات إن عدموا القدرة على ترجمة الآخر بالمعنى الصغير والكبير. في المقابل الصحافة طالما كانت بالنسبة لي منفذًا لضمان عدم خلط اللغة الفنية بلغة "الخطابة". جميعنًا لدينا شيء ما نحب قوله بلغة مباشرة لا تحتمل التأويل، هذه اللغة أتركها للمقالات. أما الروايات فأكتفي بصياغة قناعاتي فيها فنيا فحسب، وأنا استمتع  بذلك.

  • ما الذي منحتك إياه اللغة الإيطالية أدبيا، شعريًا وإنسانيًا ؟

اللغة الإيطالية تنتمي لمنطقة حميمة في عالمي، هي لغة الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة والدافئة. إنها تغذي منطقة وجدانية جميلة جدًا في حياتي، وأنا  أحبها.

  • حدثينا عن تجربة مجلة  "أرابيسك"؟

أعتقد أن أجمل ما في هذه التجربة هو أنها تمنحني فرصة العمل الدوري مع باحثة كبيرة اسمها يولندا غواردي هي التي تشرف على مترجمي المجلة. شخصيًا أعتقد أنه من المهم أن نُبقي أنفسنا دوما محاطين بشخصيات ملهمة. والدكتورة غواردي ليست مترجمة عادية بل باحثة موسوعية ومثال خالص في التفاني والشغف والعطاء، وشخصيًا أعتبر نفسي  محظوظة  بصداقتها.

  • ما الذي يحتاجه الصوت الأدبي والنضالي النسائي في الجزائر ليكتسب النضج والقوة الكافيين؟ 

الصوت النسائي في الجزائر هو لوحده يشكل مدرسة نضالية بفضل الزخم الذي منحته إياه الثورة التحريرية، وهذا كل ما علينا أن نبقيه نصب أعيننا ونحن نحتفي هذه الأيام بذكرى الفاتح من نوفمبر. كما علينا أن ندرك أن أيّة محاولة للتماهي مع النضالات المعولمة للتيار النسوي في الوقت الحالي لن يعيدنا سوى للوراء. ما الذي يعنيه مثلًا أن تعتقد أيّة امرأة في العالم أن أشرس أنواع النضال تتمثل في مطالبة هوليود و"فيكتوريا سيكريت" بالاحتفاء بسيلوليت فخذيها ودهون بطنها!؟...عن هذا تحدثت في مجموعتي القصصية الأولى ولا بأس في التذكير في كل مرة أن نسوية الرأسماليين هذه لا تعنينا.

أمل بوشارب:  أجدني حريصة جدًا على إعطاء كل صوت حقه ضمن الأعمال البوليفونيك التي أكتبها

  • هل تعتبرين صوتك الكتابي مفرط النسوية أم أنك توازنين بين كل الأصوات في ما تكتبين؟

سؤالك مشروع جدًا، وإن فكرتُ فيه مليًا قد أجدك محقة. جميعنا يشعر براحة أكبر وهو يلعب في ميدانه. إلا أنني أعي خطورة الاستكانة لمناطق الراحة في فعل الإبداع، لذا أجدني حريصة جدًا على إعطاء كل صوت حقه ضمن الأعمال البوليفونيك التي أكتبها، ليس لإضفاء توازن ما عليها كهدف موضوعي أسعى إليه، بقدر ما تمنحه لي هذه العملية من متعة استكشاف مساحات فنية غير مأهولة  داخلي.