20-نوفمبر-2019

مرشحو الرئاسيات فضلوا إطلاق حملتهم من ولايات الجنوب (الصورة: الجزيرة نت)

حرص مرشّح الرئاسيات عبد المجيد تبون، أنّ يزور ولاية أدرار الجنوبية على الحدود مع مالي، في اليوم الثاني من حملته الانتخابية، بعد تضييعه رحلته التي كانت مقرّرة الأحد الماضي مع بداية الحملة، في سلوك لا يختلف كثيرًا عن باقي المرشّحين الذين فضّل أغلبهم أن تكون بداية حملتهم الانتخابية من جنوب البلاد، الأمر الذي يطرح عدّة تساؤلات حول هذا الحرص.

تشكّل منطقة الجنوب بمشاكلها وثرواتها ملعبًا لكلّ السياسيين في خطاباتهم وحملاتهم الانتخابية

رغم ضآلة الكتلة الناخبة بالجنوب بسبب تمركز أغلب السكّان في شمال البلاد، إلا أن المتسابقين على كرسي الرئاسة أولوا أهميّة كبيرة لهذه المنطقة، ففي اليوم الأوّل لانطلاق الحملة الانتخابية رسميًا، زار عز الدين ميهوبي وعبد العزيز بلعيد ولاية أدرار أيضًا، بينما اختار علي بن فليس يوم الثلاثاء ليزور ولاية تمنراست الحدودية مع مالي والنيجر، وفي اليوم نفسه كان عبد المجيد يزور ولاية بشار المجاورة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر..الانتخابات البرلمانية تبدأ من الفيسبوك

وعود وردية

رغم شعار "التوازن الجهوي" الذي رفعه رؤساء الجزائر المتعاقبون، إلا أن منطقة الجنوب، ظلّت دائمًا ضمن آخر اهتماماتهم، أو خارجها في كثير من الأحيان.

واستغل المترشحون لرئاسيات كانون الأوّل/ديسمبر المقبل هذا الظرف، للعزف على وتر تحقيق انشغالات سكان المنطقة التي فشلت فيها كل البرامج التنموية التي أطلقها مسؤولون سابقون.

وقال عبد العزيز بلعيد الأحد في تجمّع شعبي بأدرار، إن اختياره هذه الولاية لإطلاق حملته الانتخابية وإعلان ترشحه من ولاية تمنراست قبلها، هو "بمثابة رسالة واضحة لإعادة الاعتبار لمنطقة الجنوب الكبير، التي عانت التهميش منذ الاستقلال".

ووعد بلعيد، بالنهوض بالمنطقة في مختلف المجالات في حال ما وصل إلى كرسي المرادية، وذلك بمدّ خطوط السكك الحديدية، وترقية الفلاحة والصناعة والسياحة.

 أما عز الدين ميهوبي المرشّح باسم التجمّع الوطني الديمقراطي، فتحدّث بأدرار عن مشروعه "حلم الصحراء". وحسب ميهوبي، فإن هذا البرنامج سيعمل على توفير الشروط المُثلى لتكثيف الاستثمارات في الجنوب الكبير وربط هذه المنطقة اقتصاديًا بعمقها الإفريقي.

ويعوّل وزير الثقافة السابق في إنجاح خططه بالجنوب على إنشاء مناطق تجارة حرّة مع دول الجوار، وتسهيل عمليات المقايضة، وإنشاء وكالة وطنية لتنمية الصحراء تشرف عليها كفاءات من أبناء المنطقة، وإعادة بعث مشاريع الطاقة المتجدّدة، ودعم المرأة الماكثة في البيت لكي تصبح فردًا منتجًا، على حدّ تعبيره.

بدوره، لم يختلف خطاب علي بن فليس الذي يخوض سباق الرئاسيات للمرّة الثالثة في مشواره السياسي، بعدما خسر في موعدين سابقين سنة 2004 و2014 أمام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عمّا قاله ميهوبي وبلعيد في خطابهما.

وراح بن فليس يُطلق الوعود الواحدة تلو الأخرى لسكان المنطقة، لدى تنشيطه تجمعًا شعبيًا بتمنراست، حيث قال "أتعهّد بإنهاء الظلم الممارس على الجنوب في الجانب السياسي والاقتصادي". وأشار بن فليس إلى "التهميش الذي يُعاني منه إطارات الجنوب في تقلّد أعلى المسؤوليات"، مبينًا أن "أهل الجنوب يطالبون بالمساواة بين جميع الجزائريين".

وتعهّد رئيس الحكومة الأسبق، بتوفير حاجيات سكان الجنوب من "المياه الشروب والصحّة والتعليم"، وهي الضروريات التي لا تزال إلى اليوم غائبة عن عدة بلديات بهذه الجهة من الوطن منذ الاستقلال.

مشاكل عالقة

في الجزائر، تشكّل منطقة الجنوب بمشاكلها وثرواتها ملعبًا لكلّ السياسيين في خطاباتهم وحملاتهم الانتخابية، إذ تدور في مجملها حول تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي، والتأسي على وضع المناطق المهمّشة، وإطلاق وعود تروّج لمشاريع قد تكون في بعض الأحيان صعبة التحقيق، على الأقل في المستقبل القريب.

عزف مرشّحو الرئاسيات في خطابتهم الأخيرة، على وتر توظيف مشاكل الجنوب، وحلّ ألغاز معادلة حرمان أبناء المنطقة من العمل في الشركات البترولية الواقعة في ولاياتهم، دون أن يكون لهم نصيب في وظيفة بهذه المؤسّسات الاقتصادية الهامة، بالرغم من أن قوانين العمل الجزائرية تُعطي الأولوية في التشغيل للمقيمين الأقرب من مقرّ المؤسّسات.

في السابق، حرص نظام عبد العزيز بوتفليقة على المتاجرة باحتياجات سكان الجنوب، فأطلق برنامج دعم الجنوب، إلا أنّ الأموال التي رُصدت لذلك كان مصيرها النهب وتعطيل التنمية بالمنطقة، حيث لا تزال إلى اليوم تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة، حتى في"عاصمة البترول" حاسي مسعود بولاية ورقلة.

مخاطر أقلّ

في مقابل ذلك، لقيت تجمّعات المرشّحين بشمال البلاد احتجاجات رافضة للانتخابات، مثل ما حدث في تلمسان مع علي بن فليس، وهو سببٌ قد يكون وراء تفضيل من يريدون الوصول إلى قصر المرادية، والتوجّه إلى الولايات الجنوبية التي مرّت أغلب التجمّعات فيها حتى الآن بسلام، حتى أنّه لم يحدث بها ما تعرّض له الوزير الأول السابق عبد المالك سلال في غرداية عام 2014، حين طُرد من أحد التجمعات في إطار الحملة التي كان ينشّطها لصالح الرئيس السابق.

مقارنة بالمسيرات التي تعرفها ولايات الشمال، خاصّة بالمدن الكبرى ومنطقة القبائل، بسبب الكثافة السكانية ونزعة سكانها لممارسة الفعل السياسي، تظلّ مدن الجنوب أقلّ ميلًا للصدام السياسي مع المرشّحين، حتى من رافضي رئاسيات 2019.

وبالنسبة للمرشّحين، فإن "الحجّ" إلى الجنوب أمرٌ لا مفرّ، منه بحثًا عن تأييد شيوخ الزوايا، الذين لا زال لدى البعض منهم سلطة على مريديهم بالجنوب أو في باقي ولايات الوطن، وحتى لطلب دعم من هذه الزوايا التي يبقى لها تغلغل في المشهد السياسي الجزائري، خاصّة في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

يحظى سكان الجنوب باهتمام مرشّحي الرئاسيات رغم أن أكثر من 80 في المائة من الجزائريين يقطنون في شمال البلاد

قد يعتقد البعض أن حجم الهيئة الناخبة لمنطقة الجنوب ليس مؤثرًا، بالنظر إلى أن أكثر من 80 في المائة من الجزائريين يقطنون في ولايات الشمال، ومن ثم فإن هجرة المرشّحين نحو الجنوب قد تكون دون جدوى، إلا أنه في حال ما صدقت السلطة في وعودها بضمان إجراء انتخابات شفافة ونزيهة سيكون للصوت الواحد وزن في تحديد من يصل إلى المرادية، خاّصة لمّا يتعلق الأمر بمنطقة تعرف مشاركة قويّة في الانتخابات، الأمرُ الذي سيجعل القادر على إقناع الناخبين هناك، مالكًا لورقة رابحة إضافية في منافسة الظفر بأعلى منصب في الدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتخابات الجزائرية.. تغذّية الانتماءات القبلية والخضوع لسطوتها!

سؤال الإعلام في الانتخابات التشريعية في الجزائر