حملت مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستوري، مقترحات تتعلّق بتعزيز سلطة القضاء وتحقيق استقلالية العدالة، والفصل بين السلطات، وإبعاد الجهاز القضائي من سيطرة السلطة التنفيذية، حيث اختار أعضاء اللجنة اعتماد مصطلح "العدالة" بدلًا من السلطة القضائية، لما في ذلك من قوّة رمزية يحققها المصطلح.
رضا دغبار: إن مشروع الدستور الجديد لا يقلّل من صلاحيات الرئيس مقارنة مع صلاحيات الرئيس السابق
نصّت التعديلات الدستورية، على منع الهيئات العمومية من اتخاذ اجراءات من شأنها المساس باستقلالية القاضي، وفي هذا الاطار، اقتُرح دسترة منع نقل القضاة، وعدم جواز عزل قضاة الحكم، وتعود خلفية هذه المقترحات، إلى الجدل الذي أثير في الفترة الأخيرة، حيث شهدت صراعًا بين نقابة القضاة ووزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي، الذي قام بنقل ثلاثة آلاف قاضي دفعة واحدة.
اقرأ/ي أيضًا: في ثاني مهمةٍ لها.. سلطة الانتخابات تستعدّ لاستفتاء تعديل الدستور
كما تنصّ المسودة على استبعاد وزير العدل والنائب العام للمحكمة العليا، من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وإسناد رئاسة المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا، نيابة عن رئيس الجمهورية بدلًا من وزير العدل.
تجدر الإشارة إلى أن النيابة العامّة، تابعة تقليديًا للسلطة التنفيذية للوزير، في هذا الشأن، اعتبر مختصّون في القانون الدستوري، أن المقترح خطوة إيجابية في استبعاد السلطة التنفيذية من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، ومحاولة السيطرة عليه عبر ترأّس وزير العدل بالنيابة أو النائب العام للمحكمة العليا.
كما تقترح المسودّة توسيع تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، عبر إدراج ممثّلين من نقابة القضاة، ورئيس المجلس الوطني للحقوق الانسان، فضلًا عن كفاءات وطنية، وتوسيع تمثيل القضاة بشكلٍ يتناسب مع مختلف الرتب، وإضافة إلى دسترة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، تهدف دسترة تشكيلة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، إلى إعطائها منزلة دستورية، تقطع الطريق عن عملية تغيير القوانين التي تحكمها.
في هذا السياق، قال رئيس نقابة القضاء يسعد مبروك في تصريح إعلامي، إنّ الإقرار بتمثيلية النقابة في المجلس الأعلى للقضاء، هو اعتراف بتمثيلية النقابة في حدّ ذاتها ومدى مشروعيتها، وأكّد يسعد مبروك، أن التمثيل سيسمح بمراقبة عمل المجلس بصورة أكثر شفافية، ومن شأنها أن تخفّف الاحتقان بين عموم القضاة، والهيئات المشرفة على المسار المهني للقاضي.
كما تضمّنت مسودّة الدستور ضمانات أخرى لحماية القاضي، إذ لا يمكن تحويل أو عزل أو توقيف قضاة الحكم من العمل، إلا وفق شروط محدودة ومعلّلة من طرف مجلس الأعلى للقضاء، كما يُمكن للقاضي تقديم شكوى للمجلس الأعلى للقضاء، كلّما رأى أن هناك مساسًا بحقوقه أو تدخّلًا في صلاحياته القضائية.
كما يتضمّن المشروع، تعزيز حقوق المتقاضين بشكلٍ يسمح لهم بالوصول إلى القضاء، عبر توفير الحقّ في المحاماة عبر كامل أطوار التحقيق، والحقّ في التعويض عن التوقيف والحبس المؤقّت.
من جهته، وفي إطار تعزيز دولة القانون، جاء في محور الفصل بين السلطات وتوازنها "إقرار حقّ المحكمة الدستورية في رقابة القرارات المتخذة أثناء الحالات الاستثنائية"، ويأتي هذا المقترح، لتفادي هيمنة الهيئات والوزارات التي يخوّل لها القانون إدارة وتسيير الحالات الاستثنائية، على غرار وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع الوطني أو وزارة العدل.
هيمنة السلطة التنفيذية
وتعقيبًا على المسودة في شقّها المتعلق بالقضاء، قال الخبير في القانون الدستوري رضا دغبار، إن مشروع الدستور الجديد لا يقلّل من صلاحيات الرئيس مقارنة مع صلاحيات الرئيس السابق، وأشار إلى أن رئيس الجمهورية تبون، يبقى وفق المادة 187 رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويحقّ له تعيين عضوين من المجلس.
وأضاف المتحدّث، أنه وفق المادة 96، يُعيّن رئيس الجمهورية رئيس المحكمة العليا، ويعيّن أيضًا رئيس المجلس الدولة، ويعين القضاة ومختلف المناصب القضائية.
من جهتها، وتعليقًا على مسودّة الدستور، قالت زبيدة عسول من وجهة نظر "القاضية السابقة" على صفحة بموقع فيسبوك: "مسودة الدستور تحافظ على هيمنة الحكم الفردي، حيث حافظ الرئيس على كل الصلاحيات بما فيها السلطة القضائية برئاسة المجلس الأعلى للقضاء".
وفي تقييم أوّلي لمسودة الدستور، أكّد المكتب التنفيذي لحركة مجتمع السلم "حمس"، في المحور المرتبط بالقضاء أنّ: "الوثيقة مثّلت تراجعًا بخصوص استقلالية القضاء، من حيث التنصيص على حماية القاضي من كلّ أشكال الضغط والتحوّلات والمناورات" وأشار البيان إلى " إبقاء المجلس الأعلى للقضاء تحت السلطة التنفيذية"، إضافة إلى تكريس آلية التعيين في المحكمة الدستورية، يضيف البيان.
في السياق ذاته، يرى مختصّون في القانون الدستوري، أن تعيين رئيس المحكمة العليا أو رئيس المجلس الدولة من طرف رئيس الجمهورية لا يعزّز استقلالية القضاء بشكلٍ سليم، ولا يحقّق التوازن بين السلطات، وقد يشكّل التعيين نوعًا من الولاء أو التبعية، بينما المفروض أن المناصب السامية في القضاء يتم انتخابها عبر أعضاء المجالس، تفاديًا لتدخلات خارجية محتملة من جهات حكومية أو من طرف الرئاسة.
وفيما يخص حماية المتقاضي من القاضي ( المادة 180)، يقول المختصّ في القانون الدستوري، فيصل بوصعيدة في حديث لـ "التر جزائر" إنّ القاضي مثل أي موظف، ليس مسؤولًا إلا عن خطئه الشخصي، أما عمله في نطاق وظيفته؛ فالدولة هي المسؤولة بدلًا منه، ولا ندري مدلول هذه المادة.
وفي تقدير المتحدّث أن ما جاء به المشروع تحث عنوان العدالة لا يعّبر بحق عن طموحات القضاء المستقلّين الذين خرجوا في حراك 22 شباط/فيفري، مطالبين بتحقيق الاستقلالية.
مختصّون: تعيين رئيس المحكمة العليا من طرف رئيس الجمهورية لا يعزّز استقلالية القضاء بشكلٍ سليم
وفي انتظار موقف الطبقة السياسية حول الوثيقة المقترحة، يُمكن القول إن التعديلات الدستورية في مجال القضاء، ارتكزت على الجوانب التقنية أكثر من الجوانب السياسية، وقد أشارت اللجنة إلى عدم الخوض في الخيارات السياسية الكبرى، وأنها مقيدة بما يفرضه الواقع السياسي والاجتماعي كما جاء في مقدمة وثيقة المشروع التمهيدي.
اقرأ/ي أيضًا: