08-سبتمبر-2016

يبدو أن استفزازًا بسيطًا بات قادرًا على تفجير قنبلة اللغة في الجزائر، بعد تراكمات من السكوت عنها ومناقشتها بعيدًا عن أهل الاختصاص (Getty)

لم يكد الشارع الجزائري ينسى قضية اختطاف وقتل الطفلة نهال، التي تحولت إلى قضية رأي عام، خلال الأسابيع القليلة، حتى وجد نفسه مرة أخرى مورّطًا في قضية أخرى، تتعلّق بالطفولة أيضًا، لكن من زاوية مختلفة تمامًا.

يبدو أن استفزازًا بسيطًا بات قادرًا على تفجير قنبلة اللغة في الجزائر، بعد تراكمات من السكوت عنها ومناقشتها بعيدًا عن أهل الاختصاص

القضية الجديدة أثارت نقاشًا شارك فيه الجميع، بما فيهم وزيرة التربية نورية بن غبريط، وتمثلت في إقدام المعلمة والناشطة الفيسبوكية صباح بودراس، من محافظة باتنة 450 كيلومتر شرقًا، على نشر فيديو، ظهرت فيه متصدّرة واجهة الصف وهي تسأل تلاميذها الصغار عن لغة أهل الجنة وأثرى لغات العالم، فيجيبون إنها اللغة العربية، ثم تختم بالقول: "العربية لغتي وسوف لن أتكلّم بسواها هذا العام".

انتشر الفيديو في موقعي "يوتيوب" و"فيسبوك" على نطاق واسع، وأثار ردود أفعال متباينة، خاصة بعد أن وصفته وزيرة التربية بـ"الكارثة"، داعية إلى إجراء تحقيق في حيثيات تسجيله ونشره، لأنه يشكل، بحسبها، "انتهاكًا لخصوصيات الأطفال، بتسجيلهم من غير إذن آبائهم وأمهاتهم".

اقرأ/ي أيضًا: تفاقم كارثة نقص الدواء في مصر.. أي حلول؟

قطاع واسع من الذين خاضوا في الموضوع، اعتبروا موقف الوزيرة من المعلمة التي وصفوها بـ"الشجاعة والوطنية والمؤمنة"، امتدادًا لموقفها من اللغة العربية، أيامًا بعد إطلاقها مشروع إصلاح يعطي للغة الفرنسية حظوظًا أكبر في المنظومة التربوية، سبق لـ"الترا صوت" أن أشارت إليه تحت عنوان "اللغة الفرنسية تقسّم الجزائريين من جديد"، وهو ما يدعو، بحسبهم، إلى التساؤل: هل كانت الوزيرة ستتحرّك لو تحدثت المعلمة صباح بودراس باللغة الفرنسية وأشادت بها؟

من هنا، بادر مئات المعلمين إلى التعاطف مع زميلتهم، من خلال تسجيل فيديوهات شبيهة من داخل صفوفهم، وُصفت بالتحدّي لوزيرة التربية، وكتب أحمد شنة رئيس "أكاديمية المجتمع المدني" مخاطبًا المعلمة: "لك أن تفخري، فقد أوجعتهم عندما قررت أن تكوني فارسة أمازيغية على حصان عربي أصيل، بعد أن ظنوا أن ذلك من الخرافات التي لن تحدث أبدًا".

من جهته كتب الإعلامي نجم الدين سيدي عثمان، سليل المنطقة التي تنتمي إليها المعلمة المعنية: "المسكينة عملت صحفية في قناة "أطلس" وأوقف وزير الاتصال القناة، ووزيرة التربية اليوم أوفدت لها لجنة كاملة لقطع رزقها، بحجة أنه لا يحق لها التصوير، بينما أولياء التلاميذ راضون عن ظهور أبنائهم ويساندون المعلمة، وزار كثير منهم المدرسة، بعد أن أعجبوا بطريقتها التي سمعوا عنها من أطفالهم، فما أخطر هذه المعلمة على أصحاب الفكر المشبوه".

في المقابل، اعتبر آخرون إنه يجب عدم تسييس القضية والاكتفاء بالزاويتين الأخلاقية والقانونية في النظر إليها، ذلك أن المعلمة، بحسبهم، صورت أطفالًا صغارًا، وورطتهم في مسألة تتجاوز عقولهم ومداركهم، وقد كانت قادرة على التعبير عن موقفها بأكثر من طريقة سليمة. يتساءل الكاتب عبد الله الهامل: "ما دخل معلمة مكلفة بتطبيق برنامج رسمي، في قضية اللغة وقداستها"؟ فيما قال الشاعر والأكاديمي عاشور فني: "بعد سبع سنوات على الأقل، سيصل تلاميذ المعلمة صباح إلى الجامعة، كما وصل كثيرون قبلهم، صباح خرجت من مسلسل "باب الحارة" أو "وادي الذئاب"، كما خرجت الكثيرات مثلها، ممن يحلمن بجمال مهند التركي".

اقرأ/ي أيضًا: "تنظيم الجامعات".. قانون السادات إلى زوال

ويبدو أن استفزازًا بسيطًا بات قادرًا على تفجير قنبلة اللغة في الجزائر، بعد تراكمات من السكوت عنها ومناقشتها بعيدًا عن أهل الاختصاص، وهو ما يدعو الحكومة ومنظمات المجتمع المدني إلى وضع حد لهذه الطريقة، في التعامل مع مشكل من شأنه أن يساهم في تفكيك المجتمع من الداخل.

اقرأ/ي أيضًا:

"بفلوسك" فقط.. احصل على ماجستير الطب في مصر

أزمة لبن الأطفال بمصر: الوجه القبيح لبزنس الجيش!