أزمة جديدة تلوح بالأفق بين الجارتين المغرب والجزائر، هذه المرة ليست بسبب قضية الصحراء، بل هي أزمة من نوع خاص، إذ إن عشرات من اللاجئين السوريين، عالقون بين حدود البلدين منذ أسابيع، ولا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الأزمة.
اتهامات متبادلة بين المغرب والجزائر، وصلت إلى استدعاء سفيري البلدين في كل منهما، فالسلطات الجزائرية تتهم المغرب بنقل 42 لاجئًأ سوريًا إلى التراب الجزائري، فيما تتهم السلطات المغربية نظيرتها الجزائرية بتسهيل مرور 50 سوريًا إلى المغرب بطريقة غير قانونية، بينما عشرات من اللاجئين السوريين عالقون على الحدود بين الجارتين، بينهم نساء وأطفال، في وضع إنساني صعب، يناشدون المغرب والجزائر بالتوصل إلى حل عاجل لإنهاء مأساتهم.
اللاجئون الضحايا
في الوقت الذي يتبادل فيه المغرب والجزائر الاتهامات بشأن اللاجئين السوريين، ما يزال عشرات من هؤلاء اللاجئين عالقين على الحدود بين البلدين، حيث يعيشون ظروفًا بالغة الصعوبة، فيما دخل حقوقيون مغاربة على الخط، مناشدين السلطات المغربية إلى الانتهاء من الأزمة، لوضع حدّ لمأساة اللاجئين.
أكثر من 50 لاجئًا سوريًا عالقون منذ أكثر من أسبوعين على الحدود بين الجزائر والمغرب
محمد بن عيسى، وهو ناشط حقوقي مغربي، ورئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أكد في حديثه لـ"ألترا صوت"، أنه يتابع "بقلق بالغ استمرار معاناة أزيد من 50 لاجئًا سوريًا"، منذ أسبوعين، على الحدود المغربية الجزائرية، وتحديدًا عند منطقة "فجين" الصحراوية، التي تقع بين مدينتي "بني ونيف" الجزائرية و"فجيج" المغربية، وهي منطقة حدودية تشبه المناطق العازلة.
كما تتواصل معاناة هؤلاء اللاجئين الإنسانية والاجتماعية بسبب سوء الطقس والجوع، بالإضافة إلى أنهم يفتقدون إلى مأوى، فاستمرار البلدين في تعنتهم، قد يعرض حياة وسلامة اللاجئين السوريين لمأساة إنسانية.
اقرأ/ي أيضًا: أطفال سوريا اللاجئين إلى دول الشمال.. إنّه الألم
هذا وقد ناشد رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، الحكومة المغربية بالتدخل العاجل لإنقاذ اللاجئين السوريين والسماح لهم بالدخول إلى المغرب، وبالإضافة إلى ذلك، وجهت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية، انتقادات شديدة للمغرب والجزائر بسبب اللاجئين السوريين العالقين بين البلدين.
ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في المغرب، تضم المجموعتان العالقتان في الحدود المغربية الجزائرية، 55 فردًا، بينهم 20 امرأة، 2 منهن في مراحل الحمل الأخيرة، و22 طفلًا. ووضعت امرأة مولودًا في المنطقة الحدودية مساء 23 نيسان/أبريل، وليس معروفًا إن كانت قد حصلت على مساعدة طبية أم لا.
وطالبت المنظمة، سلطات الدولتين التدخل لتشارك المسؤولية، والنظر في طلبات الحماية، اعتمادًا على رغبات طالبي اللجوء السوريين، وضمان إتاحة الخدمات الضرورية لطالبي اللجوء جميعا، لا سيّما الحوامل والمرضعات.
اتهام مغربي للجزائر باستغلال وضعية اللاجئين
اتهم المغرب سلطات الجزائر، باستغلالها معاناة اللاجئين السورين، وذلك في بلاغ صادر عن وزارة الخارجية المغربية، قال إنه "من غير الأخلاقي استغلال المعاناة النفسية والجسدية لهؤلاء الأشخاص، من أجل زرع الاضطراب على مستوى الحدود"، مُضيفًا أنه "مثل هذه الممارسات لا تهدف سوى إلى لفت الانتباه والتسبب في موجة هجرة مكثفة وخارج السيطرة نحو المغرب"، قبل أن يُؤكد البلاغ تحمّل المغرب كامل مسؤوليته تجاه اللاجئين السوريين، ومن ذلك مستشفى عسكري بمخيم الزعتري بالأردن، وكذا تسوية أوضاع أزيد من خمسة آلاف سوري في المغرب.
ووفقًا لبلاغ وزاراة الخارجية، فإن المغرب استدعى سفير الجزائر، لينقل له "قلق المغرب إثر محاولة 54 مواطنًا سوريًا، ما بين 17 و19 نيسان/أبريل، الدخول بشكل غير شرعي، انطلاقًا من الجزائر، إلى المغرب". وقالت الخارجية إنها أطلعت السفير على "شهادات وصور تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن هؤلاء الأشخاص عبروا التراب الجزائري".
كما يُشدد البلاغ على أن عبور هؤلاء اللاجئين لا يتأتى إلا بعلم السلطات الجزائرية، لطول المسافة وللظروف المناخية الحالية، ليحمّل بذلك السلطات الجزائرية كامل المسؤولية عن هذه "المأسات الإنسانية" التي يعيشها هؤلاء اللاجئون.
الجزائر تنفي اتهامات المغرب
من جانبها استدعت الجزائر السفير المغرب، وأبلغته رفضها القاطع لـ"الادعاءات" المغربية التي وصفتها بـ"الكاذبة". وقالت وزارة الخارجية الجزائرية إن سلطات البلاد المختصة "لا حظت في منطقة بشار الحدودية محاولة طرد المغرب لـ42 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، يفترض أنهم سوريون، وذلك يوم 19 نيسان/أبريل الماضي، ونقلهم من طرف موكب رسمي لأجل إدخالهم بطريقة غير شرعية إلى الجزائر، وهو ما يضاف إلى أحداث أخرى مماثلة تخصّ مهاجرين من بلدان جنب الصحراء".
يتهم المغرب الجزائر باستغلال اللاجئين في خلافاتهما، وتنفي الجزائر، لتتهم بدورها المغرب بذلك، ويظل اللاجئون عالقون بينهما
وأضاف بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية أن "الجزائر التي امتنعت دومًا عن إعطاء بعد سياسي و تغطية إعلامية لأعمال مبيتة ومتكررة من هذا النوع تصدر عن المغرب، فإنها تتأسف كثيرًا لنزوع السلطات المغربية بشكل مفرط لاستغلال مآسٍ إنسانية لغرض دعاية عدائية"، مشددةً على أنّها "لم تتخلف يومًا عن واجبها في التضامن الأخوي إزاء الرعايا السوريين"، مذكرة باستفادة 40 ألفًا منهم من الإقامة على أراضيها.
حدود مغلقة بين الجارتين.. واللاجئون هم الضحية
منذ سنوات والحدود المغربية الجزائرية مغلقة، بعد أن فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين، بعد تفجيرات مراكش عام 1994، لترد الجزائر هي الأخرى على القرار المغربي بغلق الحدود بين البلدين، كون قرار فرض التأشيرة "جاء أحادي الجانب".
اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. حرب على الطفولة
وتعمل الدولتان على تشديد الحماية العسكرية على الحدود البرية بينهما، إضافة إلى إنشاء أسوار عالية لمنع التسلل، موظفين قضية الحدود في الخلاف السياسي بينهما، بخاصة في قضية الصحراء.
والآن، ومع هذا الخلاف السياسي وإغلاق الحدود البرية والتشديد الأمني والعسكري عليها، يبقى ضحايا هذه المناكفة هم الـ50 سوريًا العالقين بين البلدين، بلا حلّ منتظر في الأفق القريب على ما يبدو.
اقرأ/ي أيضًا: