19-يونيو-2021

الأمير عبد القادر, نورالدين آيت حمودة (الترا جزائر)

بعد غياب ملحوظ عن المشهد السّياسيّ والإعلاميّ؛ عاد النّاشط السّياسيّ ورئيس مؤسّسة الشّهيد عميروش لكونه ابنه نور الدّين آيت حمّودة (1949) من خلال برنامج "لقاء خاص" الذّي ينشطه الإعلاميّ هابت حنّاشي في قناته التّلفزيونيّة "الحياة"، حيث أطلق تصريحاتٍ ورد فيها أنّه يجب تنوير الجيل الجديد بحقيقة بعض الشّخصيات الوطنيّة منها الرّئيس هوّاري بومدين وزعيم الحركة الوطنيّة مصالي الحاج والأمير عبد القادر الجزائريّ الذّي قال عنه إنّه باع القضيّة الوطنيّة للفرنسيّين، بالتّالي فهو، حسبه، عميل لهم ومتواطؤ معهم.

فيصل مطاوي: سكت المؤرّخون فدخل حرّاس المعبد الجدد على الخطّ للحديث عن الأمير عبد القادر بكلام يشبه الرّماد

جاء البرنامج مباشرةً بعد الانتخابات التّشريعيّة؛ وما أن بُثّ حتّى تراجع في الواقع والمواقع التّفاعل الشّعبيّ مع نتائجها ومع السّياقات التّي أحاطت بها لصالح التّفاعل مع تصريحات آيت حمّودة الذّي ينتمي إلى منطقة القبائل. حيث بات من النّادر أن نعثر على حساب فيسبوكيّ جزائريّ خاليًا من منشور في هذا الإطار.

اقرأ/ي أيضًا: في الذكرى الـ 138 لرحيل الأمير عبد القادر.. جزائريون يدعون لإنصاف مؤسّس الدولة

يقول الكاتب والنّاشر رفيق طيبي إنّه لا يعرف مدى أهمّية نور الدّين آيت حمودة في الحقلين الفكريّ والتّاريخيّ، "فلا أحد قرأ له مقالاتٍ أو بحوثًا تاريخيّة ولا نعرفه باحثًا مختصًّا وما قاله في الحصّة التّي بثّتها قناة "الحياة" الجزائريّة هو كلام عامّ وليس جديدًا. فلماذا أغضب الجزائريّين خاصّة على وسائط التّواصل الإجتماعيّ؟ المتّفق عليه هو بطولة الأمير عبد القادر وحنكته ودرايته بالحرب والأدب والتّصوّف وقد ضحّى بأشياء كثيرة من أجل إيمانه بدولة جزائريّة معاصرة".

هناك تضارب حول مآل الأمير؛ يضيف رفيق طيبي، وحول مساره بعد وقوعه بين أيدي الفرنسيّين بما يضعنا أمام أسئلة كبيرة أرى أنّ بعض المؤرّخين والكتّاب قادرون معرفيًّا على تنوير الجزائريّين بخصوصها، منهم الرّوائيّ وسيني الأعرج الذّي كتب رواية تاريخيّة عن سيرة ومسار الأمير. إذ تبدو فكرة مقاضاة آيت حمودة تقليديّة وغير نافعة، فالأجدر هو الرّدّ عليه من طرف أهل الاختصاص بالحجّة الواضحة وبالدّليل الذّي ينفي مزاعمه أو يضعها في سياقها التّاريخيّ بعيدًا عن التّخوين والاعتداء الرّمزيّ على رجل له مكانة تاريخيّة محليّة وعالميّة.

وقال الكاتب والنّاشط جلال حيدر إنّ تصريحات نجل العقيد عميروش هي عيّنة فقط من الحقد الجزائريّ/ الجزائريّ الذّي يجب تفكيكه. "هو الدّافع نحو (ثورة القايد صالح) الأخيرة التّي كادت أن تبدّد الوطن. وهي عقليّة وليدة تراكمات تاريخيّة قسمت المواطنين إلى فرق كثيرة استطاع مؤخّرًا بعض العنصريّين تسييسها. إنّ الرّجعيّة المتخلّفة هي سبب هذا البؤس الذّي نعيشه في كلّ المجالات".

إنّ نور الدّين آيت حمّودة، يقول محدّث "الترا جزائر"، عندما يتهجّم على شخصيّة الأمير من دون زاد تاريخيّ كافٍ وخارج الإطار المعرفيّ، إنّما ينطلق من اعتقاد عميق هو كونه ابن شهيد وأحد محاربي الإرهاب في تسعينيات القرن العشرين، يبيح له ما لايحقّ لغيره. وفي النّاحية المقابلة هناك مدافعون شرسون عن شخصيّة الأمير لايعرفون عنه شيئًا سوى معلومات بسيطة استقوها من صفحات مغرضة جعلت من الأمير وابن باديس رموزًا لأحقاد أصحابها.

ويخلص جلال حيدر إلى القول: "بسبب هذا نجد المتابع لمثل هذه السّجالات مرغمًا على الدّفاع عن آيت حمّودة بصفته قبائليًّا مادامت الجهة الأخرى تعادي كلّ صوت قبائليّ أو أن يدافع عن الأمير ضدّ القبائل. والذّبيح الوحيد هو العقل وهوّية الجزائريّ".

في المقابل، يتساءل أستاذ الفلسفة والنّاشط إلياس لهري: "أين كان المتفاعلون مع التّهجّم على الأمير عبد القادر، حين تمّ التّهجم على مؤتمر الصّومام وعلى الشّهداء عبّان رمضان وكريم بلقاسم وعميروش؟ أين كانوا حين بعثت بعض الأطراف الرّاغبة في تفتيت التّضامن الشّعبيّ لكسر الحراك الشّعبيّ والسّلميّ لصالح استمرار النّظام؟ أين كانوا حين أطلق بعض النّشطاء ألسنتهم في أمجاد الشّخصيات التّاريخيّة الأمازيغيّة مثل ماسينيسا ويوغرطة؟ أليس جديرًا بنا ألّا نكون انتقائيّين في الدّفاع عن رموز الجزائر؟".

وخلص محدّث "الترا جزائر" إلى القول إنّ توقيت ما أثاره تصريح نور الدّين آيت حمّودة من تفاعلات يخدم السّلطة القائمة للتّغطية على فشلها في تحقيق مشاركة كبيرة في الانتخابات التّشريعيّة الأخيرة؛ "عوض أن تجلس أطياف الشّعب ونخبه للاستثمار في هذه المقاطعة الشّعبيّة ببعث مشروع شعبيّ يكون بديلًا لما هو قائم راح النّقاش ينحرف مرّة أخرى إلى الصّراع وتبادل التّهم بين مكوّنات الشّعب الواحد باسم رموز يفترض أن تجمع لا أن تفرّق".

في السّياق، ورد في تدوينة فيسبوكيّة للإعلاميّة ليلى بوزيدي أنّه في الوقت الذّي تخلق فيه الشّعوب والأمم شخصياتٍ من الخيال والأساطير وأبطالًا من ورق وتاريخًا من الكذب والبهتان تتوارثه جيلًا بعد جيل، يطعن بعض الجهلة عندنا في رموز وشخصيات وطنيّة غيّرت مجرى التّاريخ عبر العالم. واعترف بعظمتها العدوّ قبل الصّديق. وذهب الإعلاميّ والكاتب مصطفى بونيف إلى القول إنّه كان على صاحب البرنامج والقناة هابت حناشي أن يطرد صاحب التّصربح، "وأن يبثّ لحظات الطّرد، حتّى يكسب احترام الشّعب والتّاريخ".

وفي الوقت كتب فيه الصّحفيّ فيصل مطاوي: "سكت المؤرّخون، فدخل حرّاس المعبد الجدد على الخطّ للحديث عن الأمير عبد القادر بكلام يشبه الرّماد"، طالب الكاتب جمال فوغالي المؤرّخين بالتّدخّل. كتب: "أيُّها المؤرِّخون. هذا أوانكمْ. وعلى أصواتكمْ أنْ ترتفعَ إحقاقًا للحقِّ الذّي فيهِ يمترُ الأفَّاقون باسمِ زيفِ "القُصاصات"و"الجُذاذات". ليسَ ردًّا عليِهمْ ومَنْ لفَّ لفَّهمْ، ولكنْ إنصافًا للتاريخِ ورموزِهِ وصانعيهِ وخدمةً لأحفادِ الأميرِ عبدِ القادر".

من جهته، تساءل صاحب رواية "الأمير" واسيني الأعرج في تدوينة له: "هل بدأت حرب الرّموز؟ أن تدمّر أمة رموزها التّاريخيّة، فهي تقوم بتعرية جسدها للمنتهكين وفرسان المحو". ويرى وسيني أنّه من حقّ آيت حمّودة أن يفكّر كما يشاء؛ "لكن عليه على الأقلّ أن يعرف موضوعه أو يترك ذلك للمؤرّخين؛ مشيرً إلى بعض النّقاط التّي يقول إنّ نور الدّين آيت حمّودة جانب فيها الحقيقة التّاربخيّة منها الصّورة التّي قال عنها إنّها لزوجة الأمير وهي منحنية أمام نابليون الثّالث، "هي  أوّلًا لوحة وليست صورة والتّي تظهر فيها أمّ الأمير التّي كانت منحنية الظّهر بسبب كبر سنّها. ثمّ هي رؤية الرّسّام الكولونياليّ".

وأكّد وسيني الأعرج أنّ موقف الأمير من المسيحيّين في الشّام نابع من إنسانيته. "رجل بحصانه وبندقيته وحفنة من أنصاره أنقذ أكثر من 15 ألف مسيحيّ من موت مؤكّد. ويقول السّيّد آيت حمّودة إنّ الأمير دافع عنهم في الشّام وأطلقهم علينا في الجزائر! حالة قصوى من الجهل. حرب الجزائر استعماريّة كولونياليّة ولم تكن أبدًا دينيّة. رؤية الأمير في القرن التّاسع عشر كانت أكثر تقدّمًا من رؤية آيت حمودة التّي لا شيء يبرّرها إلّا عقليّة المحو والوهم والجهل المركّب والشّعبويّة المقيتة".

واسيني الأعرج: هل بدأت حرب الرّموز؟ أن تدمّر أمة رموزها التّاريخيّة، فهي تقوم بتعرية جسدها للمنتهكين وفرسان المحو

ولم يتوقّف التّفاعل الشّعبيّ مع تصريحات البرلمانيّ السّابق نور الدّين آيت حمّودة عند المواطنين؛ بل تعدّاه أيضًا إلى نخبة من المحامين الذّين يعتزمون رفع دعوة قضائيّة ضدّه، حسب تدوينة للمحامية حسناء بورنّان، بالتّنسيق مع حفيدة الأمير عبد القادر عتيقة بوطالب والأمينة العامّة لمؤسّسة الأمير زهور آسيا بوطالب. فهل ستتحرّك الجهات الرّسميّة منها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق للدّفاع عن شخصيات مصنّفة لديها ضمن خانة "الشّخصيات الوطنيّة البارزة" ومدفونة في مربّع الشّهداء؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

ستورا: "التوبة" فخّ نصبه لنا اليمين المتطرّف في فرنسا

أميركا تحتفي بذكرى الأمير عبد القادر