تدخل الجزائر اليوم غمار أجواء استفتاء حول مشروع تعديل الدستور، تحت مظلّة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، في ثاني امتحان سياسي من نوعه لتجربة هذه الهيئة بعد انتخابات الرئاسة 12 كانون الثاني/ديسمبر 2019 الماضي، وبذلك يأتي هذا الموعد السياسي في ظلّ تغير العملّية الانتخابية برمّتها من حيث التنظيم والإشراف بداية من سحبها نهائيا من إشراف وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وتسيير كلّ مراحلها بدءا من تسجيل النّاخبين إلى سير العملية والمراقبين وإعلان النتائج.
الرهان الأكثر أهمية هو الحفاظ على شفافية الاستحقاق الانتخابي بما يسمح باسترجاع الثقة لدى الناخبين
بغضّ النظر عن رهانات رفع نسبة المشاركة الذي أصبح هاجس كل الاستحقاقات السابقة، إلا أن الرهان الأكثر أهمية هو الحفاظ على شفافية الاستحقاق الانتخابي بما يسمح باسترجاع الثقة لدى الناخبين في الجزائر بأي استحقاق انتخابي.
اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات في يوم الاستفتاء على الدستور
ظروف وميدان
تم تأسيس السلطة في شهر سبتمبر/ أيلول 2019، حيث أشرفت على انتخابات الرئاسة الأخيرة بعد تحوّل سياسي عرفته البلاد على وقع الحراك الشعبي في الـ 22 شباط/ فيفري من العام الماضي، أنجر عنه تأجيل الانتخابات مرتين الأولى كانت مبرمجة في نيسان/أبريل 2019 والثانية في الرابع من جويلية من السنة نفسها.
ما يلاحظه مراقبون للشأن السياسي في الجزائر، هو أن هذه الهيئة لها مهمّة أساسية بالنسبة للانتخابات بغض النظر عن نوع هذه الأخيرة، ومن بين فصول هذه المهمة الوظيفية ميدانيًا، تحقيق تكافؤ الفرص بالنسبة للمرشحين (رئاسيات-تشريعيات-محليات بين بلدية وولائية) سواءً في الترشّح أوفي الحملة الانتخابية أوالتمويل أوالتغطية الإعلامية وضمان نزاهة الانتخابات وتحسيس المواطن بواجبه الانتخابي، كما هو الحال أيضًا للاستفتاء.
من جهته، يرى الباحث في القانون الدستوري مسعود بن شهيدة أن الهيئة من شأنها أن تعطي نَفَس جديد للعملية الانتخابية من حيث الشكل، لتبقى مسار العملية يوم الانتخابات وطرق مراقبة المراكز الانتخابية، وعمليات الفرز وإعلان النتائج من حيث المضمون.
شدد الباحث بن شهيدة في حديث لـ "الترا جزائر"، على أن الأهم في المهمّة التي تخوضها الهيئة الرسمية، هو ضمانة شفافية الاستفتاء وضمان نزاهة العمليّة يوم الفاتح من نوفمبر والحفاظ على مساحة المصداقية المعوّل عليها.
مخاوف وأُمنية
سياسيًا، من أهم أدوار الهيئة هو تمكين الجزائريين بمختلف أطيافهم وتياراتهم على اختلاف رأيهم حيال العملية من تجاوز تزوير النتائج، حيث استقرّت هذه الفكرة في عدة استحقاقات انتخابية، عندما كان الإشراف يتم عبر وزارة الداخلية التي تحتكر تنظيم العملية الانتخابية، ما كان يسمح لها بالتلاعب بنتائج الانتخابات وفق الاتهامات التي ظلت توجهها قوى المعارضة للداخلية.
ويعتقد المتابعون للشأن السياسي أن الانتخابات في الجزائر عمومًا كانت تصنع جدلًا فيما تعلق في نسبة المشاركة الحقيقية، ومن ثمّ فإن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ستكون أمام اختبار حقيقي تحاول ربحه اليوم في تحقيق نسبة "مشرفة" كما قال الناشط السياسي عبد القادر ندور من ولاية بومرداس لـ "الترا جزائر".
ولفت المتحدث إلى أن السّلطة اليوم أمام معركة حقيقية في تحقيق شفافية الاقتراع، خصوصًا وأننا نشهد تجاذبات في الساحة وشرخًا كبيرًا بين المؤيدين للاستفتاء في حد ذاته والمعارضين له والمعارضين للعملية جملة وتفصيلًا" على حدّ قوله.
معركة الشفافية
في سياق متصل، رجع البعض إلى الظروف المحيطة بالهيئة المستقلة للانتخابات، أو ما أسماه المتحدّث بـ "تدابير إنشائها وظروف تشكيلها"، والتي كانت في ظروف يسودها الجدل السياسي والشعبي، خصوصًا في خضم حراك شعبي ومسيرات أسبوعية خاضها الجزائريون على مدار أكثر من سنة، غير أنه في المقابل لا ينفي أن حجر الزاوية في وظيفية السلطة الانتخابية، هو تحكمها في سير العملية السياسية على مدار فترة الاستفتاء الجاري، وعدم إذعانها لأيّ ضغوطات بغية التلاعب بنتائج الانتخابات.
وكان مطلب تأسيس السلطة المستقلّة للانتخابات، أهم مطالب المعارضة الحزبية في الجزائر، ومطالب الحراك الشعبي أيضًا، وهو ما أسفر عن تشكيل الهيئة المستقلة عن الحكومة والإدارة والأحزاب.
يُشار هنا إلى أن السلطة قانونيًا تتكون من 20 عضوًا ورئس ومجلس للهيئة وأمين عام على المستوى المركزي، ومجالس ولائية للسلطة ولجان بلدية للسلطة على المستوى المحلي، ولجان قنصلية ولجان على مستوى السفارات تابعة للسلطة بالنسبة للجالية الوطنية بالخارج.
ومن أعضاء السلطة المستقلة للانتخابات، ثلاثة قضاة وثلاثة محامين معتمدين لدى المحكمة العليا، وثلاثة أساتذة التعليم العالي، وعضو يمثل الجالية الجزائرية في الخارج، وخمس شخصيات وطنية مشهود لها بالخبرة والكفاءة والحياد وعدم التحزّب وخمسة شخصيات من المجتمع المدني.
كما تتضمّن من هيئات ولاية تسمى" المجلس الولائي للسلطة المستقلة للانتخابات" يتشكل كل مجلس ولائي من 5 أعضاء من بينهم قاضي ومحامي و3 ممثلين عن المجتمع المدني.
هذه النتائج ستحدّد إلى حدّ بعيد مصير ومصداقية السلطة المستقلة للانتخابات
قد تكون نتائج الانتخابات مهمة بالنسبة للسلطة السياسية في الجزائر في علاقة بقبول أو رفض الدستور، لكن هذه النتائج ستحدّد إلى حدّ بعيد مصير ومصداقية السلطة المستقلة للانتخابات في علاقة بشفافية ونزاهة الانتخابات.
اقرأ/ي أيضًا:
رهان السلطة على استفتاء الدستور.. البحث عن مشروعية سياسية وشعبية؟
استفتاء الدستور.. سلطة الانتخابات تسطّر لقاءات تشاورية مع الأحزاب والجمعيات