حين اغتالت الجماعة الإسلامية المسلّحة المغنّي والمناضل الأمازيغيّ معطوب الونّاس (1962 ـ 1998)، كانت معارضته للنّظام السّياسيّ القائم قد وصلت إلى أوجها، بسبب تعنّته في رفض الاعتراف باللّغة والثّقافة الأمازيغيتين، إلى درجة أنّ معطوب قام بتغيير الكلمات العربية للنّشيد الوطني بكلمات أمازيغية مع الإبقاء على اللّحن نفسه. وهو ما عُدّ في أكثر من دائرة شعبية وحكومية تجاوزًا للخطّ الأحمر بالنّظر إلى قداسة النّشيد.
تسبّب اغتيال "غيفارا الأمازيغ" واحدة من أشرس المواجهات بين محّبيه وأنصاره وقوّات الأمن الحكومية
تسبّب اغتيال "غيفارا الأمازيغ" في واحدة من أشرس المواجهات بين محّبيه وأنصاره وقوّات الأمن الحكومية. وشهد يوم جنازته في قرية ثاوريرث آيث موسى، 120 كيلومترًا إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، إقبالًا لعشرات الآلاف من المحافظات ذات الأغلبية الأمازيغية، وقد منعت الحكومة من حضورها، على خلفية اتّهامها من بعض النّشطاء بأنّها تسبّبت في اغتياله، على الأقلّ من باب تقاعسها عن توفير الحماية الأمنية له، بصفته شخصية مشهورة تلقّت تهديدات من الجماعات المسلّحة، التي كان يعارضها أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: فرقة "ناس الغيوان".. الزمن المغربي لم يرحل
تحوّل قبر معطوب الونّاس إلى مزار يومي لمحبّيه وأنصاره. وبقي ذكره وتناول سيرته وأغانيه مقتصرًا على المنابر غير الحكومية. فالنّظام ظلّ يراه خصمًا يستهدف وجوده، رغم أنّه لم يكن انفصاليًا مثل المغنّي فرحات مهنّي، وظلّ محبّوه ومحيطه العائلي يرون في النّظام خصمًا للّغة والثّقافة الأمازيغيين، اللّذين سخّر لهما الرّاحل فنّه وعمره.
هذه النبّرة العدائية المشتركة بين الطّرفين، جعلت قيام وزير الثّقافة عزّ الدّين ميهوبي، قبل أيّام، بزيارة إلى قبر معطوب الونّاس محلّ اندهاش، إذ وصفه بـ"الشّهيد" وقال في حقّه "إنّه كان واضحًا في مواقفه وصريحًا في آرائه ومؤمنًا بالدّيمقراطية"، وأضاف الوزير الجزائريّ "أنّ الفنّان لا يموت أبدًا".
لاحقًا، ظهر أنّ زيارة الوزير إلى قبر المغنّي والمناضل المعارض، كانت مقدّمة لتقديم مشروع حكوميّ يتمثّل في إنجاز متحف متخصّص في تقديم رصيده والحفاظ عليه وتنظيم حفل تكريميّ له في أبيرا الجزائر.
انتظر الرأي العام أن ترفض شقيقة الرّاحل ورئيسة المؤسّسة التي حملت اسمه مليكة معطوب الخطوة الحكومية، على اعتبار أنّه تطبيع على حساب صورة الفقيد ومواقفه، التي مات من أجلها، لكنّ بيانًا لوزارة الثّقافة فاجأ كثيرين بأنّ مليكة معطوب نفسها راسلت رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة طالبة منه دعم مشروع المتحف، "ولهذا الغرض وبتكليف من السيّد الوزير الأوّل، فقد استقبل وزير الثّقافة السّيّدة مليكة معطوب وأبلغها بقرار الرّئيس، حيث عبّرت عن تقديرها وعرفانها لهذا الموقف النّبيل".
انقسمت النّخبة المثقّفة في الجزائر، بخصوص مبادرة مؤسّسة معطوب الونّاس، حيث تساءل الكاتب والأكاديميّ عبد العزيز بوباكير في تدوينة فيسبوكية له: "كيف سمح أبناء القبائل الأشراف لعائلة معطوب أن تبيع شرف ابنها بثمن بخس؟"، فردّ عليه أستاذ الأدب في جامعة بجاية والنّاشط من أجل الثّقافة الأمازيغية حميد بوحبيب بالقول: "لا أرى أيّة خيانة في الأمر. إعادة الاعتبار ليست جريمة، حتّى ولو كانت من نظام فاسد".
عبد العزيز بوباكير: "كيف سمح أبناء القبائل الأشراف لعائلة معطوب أن تبيع شرف ابنها بثمن بخس؟"
يضيف بوحبيب: "هل تريدون مثلًا أن لا نقبل بترسيم الأمازيغية بحجّة أنّها تتمّ في ظلّ فخامته، الذي كان رئيسًا يوم كان رجال الدّرك يطلقون النّار على شبابنا في الرّبيع الأسود؟ بهذا التّفكير أنتم تجارون المنظّمة الانفصالية في إصرارها على تهميش المنطقة ورموزها لإحداث قطيعة نهائية في المخيال الشّعبي مع باقي القطر الجزائري".
اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم كيفو.. صوت سوريا القديمة
من جهته قال الشاعر وأحد كوادر وزارة الثّقافة رابح ظريف لـ"الترا صوت" إنّ قبول مؤّسسة الرئاسة برعاية مشروع المتحف يدلّ على تعاملها بمنطق الدّولة المعنية بجميع أبنائها، "فيما يدلّ قبول مؤسّسة معطوب الونّاس بالرّعاية الرّسمية للمشروع على أنّها احتكمت إلى المنطق الوطني والثّقافي، لا إلى الحسابات السّياسية الضّيقة".
اقرأ/ي أيضًا: