01-سبتمبر-2021

(الصورة: العربي الجديد)

تستمر منذ أيام مشكلة ندرة الخبز في بعض البلديات بعدّة ولايات بسبب النقص في التزويد بطحين القمح اللين (الفرينة) مثلما يقول الخبازون، غير أن السلطات الرسمية تنفي أن يكون هناك مشكلًا في التموين، وتوعز الأمر إلى وجود مضاربة ومحاولة من أصحاب المخابز للضغط على الحكومة لمراجعة سعر الخبز المدعم.

بسبب موجة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الموسم الزراعي تراجع إنتاج الحبوب في البلاد وفي مقدمتها القمح اللين بـ40 بالمائة

وإن كان مشكل الندرة في الخبز ليس بالقدر الذي عرفته بعض المواد الأساسية كالزيت والسميد وارتفاع أسعار السكر في الأشهر والسنوات الأخيرة، إلا أنه يبقى واقعًا يهدد وفرة أهم مادة تشكل قوت الجزائريين، لتطرح مع هذا الواقع تساؤلات قديمة جديدة فحواها إن كانت الندرة في المواد ذات الاستهلاك الواسع حقيقية أم مفتعلة، ومتى تتم مراجعة سياسة الدعم الحكومية؟.

اقرأ/ي أيضًا: ملف أزمة الخبز على طاولة الحكومة

طوابير طويلة

شهدت عدة بلديات في مختلف الولايات نقصًا في التزويد بالخبز العادي على مستوى بعض المخابز، بالنظر للندرة في التزويد بطحين القمح اللين، وهو وضع لم يتأثّر به المواطن العادي فقط، إنما حتى المطاعم التي صارت تجد صعوبة في تأمين هذه المادة التي يرتكز كل نشاطها عليها.

هنا، يقول أحد أصحاب المطاعم بالعاصمة لـ "الترا جزائر"، إنه "بسبب الندرة في مادة الخبز، أصبحت المطاعم مقصدًا للمواطنين الذين يأملون في اقتناء هذه المادة الحيوية نظرًا لعدم توفرها في المخابز القريبة منهم، لكن في هذه الأيام لا يمكننا بيع الخبز".

وببلدية باب الزوار شرق العاصمة الجزائر، أصبحت محلات بيع الخبز التقليدي غير المدعم تعرف من حين لآخر طوابير طويلة، بسبب عدم توفر الخبز العادي بالمخابز.

قبل عام، أصدرت الحكومة المرسوم تنفيذي رقم 20-241 المؤرخ فف 31 آب/أوت 2020 المتضمن تحديد أسعار الدقيق والخبز في مختلف مراحل التوزيع.

وتم إصدار هذا القانون عقب الندرة التي عرفتها مادة السميد بداية من ربيع 2020، عقب تسجيل الجزائر أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في شباط/فيفري من العام نفسه، والتي أحدث ازدياد الطلب على هذه المادة ولجوء السماسرة للمضاربة والتخزين غير القانوني والاحتكار، ندرة حادة في هذه المادة المدعم والمقنن سعرها أيضًا من طرف الحكومة.

لا توجد ندرة؟

لم يخرج خطاب وزارة التجارة من جديد عن  تكرارأسطوانتها المعتادة، فقد فندت خبر وجود نقص في التزويد بـ"الفرينة"، بل أكّدت أنها متوفرة بكميات كافيةـ حيث وصف المدير العام لضبط النشاطات وتنظيمها بوزارة التجارة سامي قلي، أن ما يتم تداوله بشأن النقص في هذه المادة الحيوية لصناع الخبز بـ "المعلومات المغلوطة"، وأكد أن كل المواد الاستهلاكية متوفرة وهي محلّ متابعة ميدانية من طرف وزارتي التجارة والفلاحة وبالأخصّ في ظلّ الظرف الصحي الحالي.

وأشار قلي إلى أن المطاحن البالغ عددها 432 مطحنة عبر التراب الوطني، "تنتج حاليًا دون انقطاع"، ويمنع عليها إجراء توقفات تقنية تحسبًا لأي طارئ.

وحسب المسؤول بوزارة التجارة، فإن المطاحن تستفيد من 317 ألف قنطار من القمح اللين، تستخدم في إنتاج 24 ألف قنطار من مادة الفرينة وهي "كمية تكفينا وتكفي حتى جيراننا"، موضّحًا أنه يوجه من هذه الكمية ما مقداره 5100 قنطار نحو المخابز بصفة دائمة.

 وبسبب موجة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الموسم الزراعي، تراجع إنتاج الحبوب في البلاد، وفي مقدمتها القمح اللين بـ40 بالمائة، حسب تصريحات الأمين العام للإتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، محمد عليوي، لذلك سترفع من حجم واردتها من القمح، حيث تتناقل وكالات الأنباء من حين لآخر طرح الجزائر لمناقصة شراء أطنان من القح.

وتشير أرقام وزارة التجارة إلى أن الجزائر استوردت كميات كبيرة من القمح اللين لضمان إنتاج الدقيق الموجه للخبازة، حيث استوردت سنة 2017 كمية 6.832.777 طن ما يعادل 1.4 مليار دولار و7.179.399 طن ما يعادل 1.6 مليار دولار سنة 2018، و5.800.844 طن ما يعادل 1.3 مليار دولار سنة 2019.

أزمة مفتعلة؟

من جهته، لم يتردد مسؤول وزارة التجارة في القول إن "جهات مغرضة تسعى لتقديم أخبار لا أساس لها حول نقص مادة الفرينة في السوق وذلك لأغراض معينة".

وحدثت أزمة الخبز بعد رفض بعض الخبازين التعامل بنظام الفوترة، ورفض اقتناء مادة الفرينة من المطاحن مقابل التوجّه لاقتنائها من تجار الجملة بأسعار باهظة.

وقال قلي إن فرق العمل المشتركة لوزارتي التجارة والفلاحة لاحظت رفض أصحاب المخابز اقتناء الأكياس بسعة 50 كغ من مادة الفرينة " وهي الظاهرة الجديدة التي ستسهل للبعض تحويل هذه المادة لصنع أشياء أخرى غير الخبز والمضاربة بها"،  وهو ما قد يعرضهم للمتابعة القضائية ولعقوبات قد تصل حتى غلق المحل.

وبدوره، قال الأمين الوطني المكلف بالإدارة والوسائل العامة بالاتحاد العام للتجار والحرفيين عصام برديسي إن "هناك مضاربون وأطراف مجهولة، تسعى لتأجيج الأوضاع وضرب استقرار البلد، بإحداث بلبلة في مادة الخبز الأكثر استهلاكا في بلادنا".

ويعترف رئيس الاتحادية الوطنية للخبازين يوسف قلفاط في تصريح لصحيفة  "الشروق" الخاصّة أن عديد المخابز تخلت عن بيع الخبز العادي، معللًا ذلك بتراجع الربح عند بيع الخبز المدعم بسبب ارتفاع المواد الأولية المندرجة في تحضير الخبز من الخميرة إلى محسن الخبز والملح والكهرباء والغاز، وأجور العمال.

وانتقد قلفاط اقتصار الحكومة على دعم مادة "الفرينة" فقط دون بقية المواد الأخرى اللازمة لتحضير المادة الأكثر استهلاكًا من قبل الجزائريين.

ورغم الوعود التي قدمتها مختلف الحكومات بشأن مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي في الجزائر، إلا أن ذلك لم يتم وبقي مجرد أقوال سمحت باستفادة صاحب الدخل الضعيف وأصحاب الملايير من دعم خزينة الدولة بالقدر نفسه، وهو ما جعل الرئيس تبون يصف سياسة الدعم الحالية بـ"غير عادلة".

وبسبب سعر  الخبز المتدني المدعوم حكومي، تشهد الجزائر يوميَا تبذير كميات معتبرة من الخبز بكل أنواعه، فقد سجلت الحكومة في إطار الحملة الوطنية للقضاء على ظاهرة تبذير الخبز التي جرت بين 13 إلى 24 أفريل 2021 تبذير535 طنًا من هذه المادة (2.139.884 خبزة) ما يعادل 45 طنا/ يوميا(178.323 خبزة)، أي ما يعادل يوميًا 20 مليون دينار جزائري، ما يمثل أكثر من 1.5 مليون دينار جزائري في اليوم.

يبدو أن أزمة الندرة في الفرينة والخبز ستمرّ كما مرت سابقاتها من الأزمات في المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع

يبدو أن أزمة الندرة في الفرينة والخبز ستمرّ كما مرت سابقاتها من الأزمات في المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، لكن لا يعني ذلك أن البلاد لن تشهد حالات ندرة أخرى،  وذلك بسبب أن التحقيق في مسببات هذه الأزمات تبقى دون نتائج وتلقى في الأدراج، يبقى المواطن هو الضحية الدائم لصراع السلطة مع المضاربين ومحتكري تجارة مختلف المواد الأساسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بولنوار لـ"الترا جزائر": ندرة الفرينة إشاعة ونطالب ببرنامج عُطل للمطاحن

بولنوار: أزيد من 50 ألف تاجر وحرفي أوقفوا نشاطهم منذ بداية جائحة كورونا