03-نوفمبر-2021

المساحة الإجمالية لأشجار الزيتون في الجزائر تعادل 500 ألف هكتار (الصورة: المساء)

فريق التحرير - الترا جزائر

تروي رواية "الأفيون والعصا" للكاتب مولود معمري، قصة قرية صغيرة مترامية في أعالي جبال جرجرة بمنطقة القبائل، تقاوم الاحتلال والظلم والتقتيل. تشنّ القوات الاستعمارية قصفًا على القرية وتٌضرم وتُحرق أشجار الزيتون عمدًا بحجة أنها أصبحت ملجأً الثوار. الغاية من ذلك السرد القصّصي أن أشجار الزيتون عند أهالي القرية أبعد وأكثر من منتوج زراعي، بل شجرة مباركة مرتبطة بالتاريخ وبالأرض والحماية، وسَحق أشجار الزيتون عنوان اجتثاث الأهالي من ماضيها وإبادة مستقبلها.

تتخوّف كثير من العائلات الجزائرية من تراجع محاصيل زيت الزيتون هذا السنة، بسبب الجفاف ونقص التساقط إضافة إلى ما تسبّبت فيه حرائق الغابات

مع انطلاق موسم قطف الزيتون في الجزائر، تتخوّف كثير من العائلات الجزائرية من تراجع محاصيل زيت الزيتون هذا السنة، بسبب الجفاف ونقص التساقط إضافة إلى ما تسبّبت فيه حرائق الغابات، التي ضربت معظم ولايات الوطن، حيث باتت كل هذه العوامل مجتمعة تهدّد بغياب "زيت أزمور" عن الموائد الجزائرية.

اقرأ/ي أيضًا: موسم جني الزيتون في الجزائر.. الغابة بيتنا

أمل معلّق

 لكن ومع بداية موسم جني الزيتون يَستبشر المزارعون بموسم خير وبركة، رغم كل الكوارث المناخية والطبيعية غير أن محصول هذه السنة سيكون وفيرًا، حيث يتوقع آرزقي، أحد مزارعي الزيتون في منطقة أمشدالة إحدى دوائر ولاية البويرة شرق الجزائر، أن محصول الزيتون هذه السنة سيكون وفيرًا، وعكس ما يروّج له والأسعار تبقى معقولة.

يستطرد المزارع: "رغم أنّه موسم فلاحي صعب بسبب تراجع الأمطار والأضرار الناتجة عن الحرائق التي مسّت المناطق المجاورة، غير أن المنطقة ذاتها لم تطلها النيران، كاشفًا أن الوقت لا زال مبكرًا لكي نقدم نسبة الإنتاج، لكن واضح من بداية هذا الموسم أن المرود سيكون مرتفعًا، أي في حدود 20 و25 لتر في القنطار الواحد".

في سياق متصل، وفي ولاية جيجل شرق الجزائر، تشير تقديرات مديرية الفلاحة بالولاية أن إنتاج زيت الزيتون لن يقل على 11.44 مليون لتر في هذا الموسم، أي ضعف الكمية المسجّلة السنة الماضية، حيث تصدرت ولاية جيجل مؤخرًا المراتب الأولى من حيث إنتاج محاصيل زيت الزيتون فالمساحة الاجمالية لبساتين الزيتون بالولاية تبلغ حوالي 21999 أي ما يعادل 2.697.744 شجرة زيتون، ومساحة الإنتاج 18.701 هكتار. ويوجد بالولاية 161 معصرة عصرية.

من جهته، أكد بلعسلة محمد، رئيس المجلس الوطني المهني المشترك لشعبة الزيتون، في حديث لـ  "التر جزائر" أن الشعبة ما تزال تعاني من عدة نقائص تحول دون عصرنة القطاع، مضيفًا أن القطاع بحاجة إلى تنظيم الجهود من طرف كل متداخلي شعبة الزيتون، من المزارعين إلى المحولين إلى غاية المستهلك. وفي هذا الصدد، أكد السيد بلعسلة أن الجزائر تملك إمكانيات هائلة في مجال شعبة الزيتون.

70 مليون شجرة

وحسب رئيس المجلس فإن المساحة الإجمالية لشعبة لزراعة الزيتون تقدر بـ 500 ألف هكتار، أي ما يعادل 70 مليون شجرة، ويبلغ معدل استهلك الفردي 2 لـ لكل مواطن سنويًا، حيث تتوزع زراعة الزيتون عبر 43 ولاية تتصدرها ولايات بجاية، البويرة وتيزي وزو، والجلفة، وجيجل، وتلمسان، سوق أهراس وقالمة وسكيكدة ومعسكر، مضيفًا أن السعر الحالي يتراوح ما بين 700 دج إلى 800 دج للتر الواحد.

أما بخصوص انعكاسات الحرائق الأخيرة على محاصيل إنتاج الزيتون أكّد المتحدث، أنه من المبكر تقديم أرقام دقيقة، مشيرًا أن عدة المناطق معروف عنها زراعة وإنتاج زيت الزيتون لم تطالها الحرائق بحمد الله.

وذكر  رئيس المجلس على سبيل الذكر، أنّ منطقة عزازقة، معاتقة، ذراع الميزان بها مساحات واسعة من أشجار الزيتون هي سليمة، وكشف المتحدّث أن زراعة الزيتون بدأت في التوسع عبر ولايات عديدة، وبالتالي حتى وإن تراجعت بعض الولايات عن الإنتاج بفعل الحرائق والظروف المناخية وتقلباتها فإن المحاصيل ستكون متوفرّة بشكلٍ كاف، حيث أن وزارة الفلاحة سطرت تنفيذ مبادرة جديدة لزراعة 400 ألف هكتار من أشجار الزيتون عبر كامل الوطن آفاق عام 2024، على حدّ قوله.

في سياق آخر، ذكر بلعسلة، أن حصة منتوج الزيت الزيتون الوطني في السوق الدولية جد ضعيفة، كونها تستهدف الجالية الجزائرية الموجودة عبر العالم فقط، وينبغي العمل على توسيع المنتوج أكثر واستهداف مستهلكين أخرين.

صادرات ضعيفة 

من جهتها، تحذر زينب مشيش، الناشطة الإيكولوجية من مخاطر التي تهدد الثروة الوطنية والطبيعية المتمثلة في أشجار الزيتون، بالخصوص الموجودة بمنطقة القبائل، التي تمثل 44 بالمئة من المساحة الإجمالية لزراعة الزيت الزيتون، وتتوقع الناشطة الإيكولوجية تراجع في الحصاد مقارنة بالمواسم المعتادة.

وتقول محدثة "التر جزائر" أن هذا التراجع وراءه التغيرات المناخية التي تمس كامل حوض مناطق البحر المتوسط، مشيرة أنه بسبب الجفاف وتراجع الأمطار جفت عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة في ولاية البويرة لوحدها، وقد تشهد المنطقة انخفاضًا في إنتاج زيت الزيتون.

وأفادت المتحدّثة "أنه حتى ولو تمكنت الأشجار من النجاة من الجفاف فإن التغيير المناخي سيؤثر على جودة ونوعية المنتوج، إذ يتم الحصول على زيت حمضي وحار في أوقات الجفاف"، موضّحة أن "التغييرات المناخية تضعف جهاز مناعة أشجار الزيتون رغم متانة وقوة الأشجار".

أشجار الزيتون، بحسب المتحدّثة، بحاجة إلى عناية حقيقية لكيلا تصبح فريسة سهلة للعديد من الطفيليات، فذباب الزيتون أثر بشكلٍ كبير على جودة ونوعية وإنتاج الزيت الزيتون مع احتمال رفع الحموضة بشكل أكثر، داعية في هذا السياق، إلى الاهتمام وصيانة هذا التراث الوطني الذي يعتبر معلم من معالم الثقافة الأمازيغية والوطنية.  

بعيدًا عن العائد الاقتصادي لهذه المادة، تعد أشجار الزيتون تراثًا ثقافيًا وهوياتيًا فلقد سعى الاستعمار الفرنسي إلى تعويض زراعة الزيت الزيتون بزراعة الكروم

بعيدًا عن العائد الاقتصادي لهذه المادة، تعد أشجار الزيتون تراثًا ثقافيًا وهوياتيًا، فلقد سعى الاستعمار الفرنسي إلى تعويض زراعة الزيت الزيتون بزراعة الكروم ضمن النظرة الكولونيالية التي تسعى إلى استئصال الإنسان من أرضه وهويته وتاريخه، ولكنها اليوم باتت تشكل حافزًا اقتصاديًا وجب الاستفادة من ثماره وعوائده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ظاهرة انتشار الثعابين في منطقة القبائل.. بين التأويلات والتحذيرات

موسم جني الزيتون في الجزائر.. الغابة بيتنا