في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، وبعد فراغ العائلة من إفطارها، يخرج الصغار لفناء البيت، يحملقون في النجوم، وتشرد أبصارهم وهم ينتظرون أن تُفتح السماء، فقد انتقلت لهم عبر حكايات الجدّات وأساطيرهن أن باب السماء تفتح في هذه الليلة، المباركة وتنهال الهدايا والخيرات على الصائمين، فخلال الأيّام العشر الأخيرة من شهر الصيام تزيد وتيرة العبادات والإقبال على المساجد والاستغفار والإكثار من الدعاء وختم القرآن في حلقات الذكر وإقامة مسابقات دينية، كما تنتشر أيضًا عبر ربوع الجزائر الكثير من العادات والطقوس المرافقة لليلة القدر، بعضها قاوم الزمن فيما أضحت عادات أخرى مهدّدة بالزوال لاعتبارات كثيرة.
داومت الأسر والجمعيات الخيرية على استغلال ليلة القدر لتكون موعدا لختان الصغار
صيام الصغار وختان الأطفال
تحرص العائلات الجزائرية على تعويد الأبناء على الصيام منذ الصغر، فتجد الأمهات يشجعن أطفالهن على صيام نصف يوم في بداية الأمر، ثم يثابر الطفل حتى يتمكّن من صيام يوم كامل، وغالبًا ما يتزامن صيام الطفل لأوّل مرّة مع ليلة القدر، وهذا ما تصاحبه الكثير من العادات، فيرافق الفتى والده أو جده في ذلك اليوم إلى السوق ويختار ما يريده أن يكون على مائدة الإفطار.
اقرأ/ي أيضًا: الصيام الأول للطفل الجزائري.. كأنه ولادة!
و يترأس الطفل في ذلك اليوم مائدة إفطار العائلة، ويلبس لباسًا جديدَا، ويوضع خاتم من ذهب أو فضة داخل كأس ماء مع سكر وبعض ماء الزهر، وتحتفل العائلة بابنها الذي أصبح قادرًا على تحمل مصاعب الصوم، وتختلف طقوس الاحتفال بصوم الطفل للمرّة الأولى من منطقة إلى أخرى فهناك عائلات تحرص على أن يكون أوّل ما يتذوقه الطفل في هذا اليوم، هو سبع تمرات وكوب من الحليب البارد، فيما تحرص عائلات أخرى على أن يكون أول الفطور بيضة مسلوقة.
من جهة أخرى، داومت الأسر وكذا الجمعيات الخيرية على استغلال ليلة القدر لتكون موعدا لختان الصغار، وهي عادة لا تقتصر على الجزائر فقط، بل تتقاسمها مع دول شقيقة كتونس والمغرب، حيث تختار العائلات هذه الليلة المباركة لتختين الصغار وسط جو مفعم بالفرح والروحانية، فيما تقيم الجمعيات الخيرية حفلات ختان جماعي لفائدة أبناء العائلات المعوزة وهو ما لن يكون متاحَا هذه المرة، بعد أن طلبت وزارة الصحة تأجيل عمليات الختان تماشيا مع الإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا.
طقوس خاصة
في الشرق الجزائري، تحرص العائلات على أن يكون عشاء ليلة السابع والعشرين من رمضان مختلفَا، إذ تداوم النسوة على تحضير طبق الشخشوخة في كل من جيجل وعنابة وباتنة، فيما شاع في منطقة القبائل أن تتزين مائدة الإفطار بطبق كسكس بمرق الدجاج، رغم أن هذه العادة باتت شبه منعدمة في وقتنا الحالي إلا في بعض المناطق، إذ صار إفطار ليلة السابع والعشرين مشابها للأيّام الأخرى.
أمّا في قصور بني يزڨن بمدينة غرداية جنوبَا، فتنتشر عادة "لمعادة" وهي تشبه الوزيعة، حيث يتشارك الجيران أو أفراد العائلة الواحدة في شراء أضحية، يتشاركون ثمنها ويتقاسمون لحمها، وغالبَا ما ترتبط باليوم الخامس عشر من رمضان أو ما يسمى "النصفية"، أو ليلة القدر.
في غالبية الوطن يقدّم الخطيب إلى خطيبته هدية تعرف بالمهيبة في ليلة القدر
عادات قديمة
إلى وقت غير بعيد، كان الجزائريون يجعلون من ليلة القدر فرصة للتقارب بين العائلات، فنشهد في تلك الليلة مراسيم خطوبة، زيارات لعائلات المخطوبين، ففي منطقة جيجل تقوم العائلات باقتناء لوازم عشاء ليلة السابع والعشرون لعائلة خطيبة ابنهم، فيما تنتشر في غالبية مناطق الوطن تسلُم الفتيات المخطوبات لهدية تَعارفَ شعبيًا تسميتها بالمهيبة، أما في منطقة الشاوية شرق الجزائر، يُشترط على الأبناء المتزوجين التجمّع لتناول الإفطار جماعيَا في "الدار الكبيرة" عند والدهم، وهي العادة التي لازالت تحتفظ بها الكثير من العائلات، فيما انتشرت قديما في بعض المناطق كعين الدفلى عادة طلاء جدران البيت بالقطران، فقد كان الناس قديما يعتقدون أن أبواب الجنة ستفتح في ليلة القدر، وكذلك الحال لأبواب جهنم، فكانوا يحمون بيوتهم من الجن والشياطين التي كانت مصفّدة في سائر أيام رمضان.
اقرأ/ي أيضًا:
"أماڨار نتفسوث".. تراتيل الربيع في منطقة القبائل
"ثيمشرط".. أيقونة التكافل الاجتماعي في منطقة القبائل