12-أكتوبر-2024
إدمان الشاشات خطر

إدمان الشاشات خطار ( صورة: فيسبوك)

تعدّ مشكلة إدمان الشاشات عند الأطفال، تحديًا كبيرًا يُواجه الأسر الجزائرية، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية وألعاب الفيديو وسهولة الاتصال بشبكة الإنترنت، فباتت تلك الأجساد الصغيرة تقضي وقتًا أطول أمام الأجهزة الذكية، مما يهدّد صحتهم النّفسية والجسدية في علاقة بنموهم وعملية اندماجهم مع المجتمع.

كيف يصبح الطفل مدمن للشاشة؟

يرى البعض بأنّ الإدمان الإلكتروني، أحياناً ما يكون نتيجة انشغال الأولياء في تلبية حاجيات الأسرة، ومنهمكون في مواكبة ظروف الحياة اليومية وتسارعها، وهو ما يغفلون عليه، عند ترك الأطفال مع الهاتف النقال، بل يعتبر بالنسبة لهم وسيلة إلهاء، فيما هم منشغلون في مقابل ذلك بما هو أهم اجتماعيا والقيام بمهامهم أو الحصول على قسط من الراحة، أو الذهاب إلى العمل.

اللاّفت أنّ الأطفال يتعرضون بشكل مفرط للشاشات بأنواعها، وهذا التعرض المتكرّر يتحول مع الوقت إلى إدمان وتبعية قهرية، كما تصفه المختصة في علم النفس، نوال براهيمي، لـ" الترا جزائر"، موضحة بأنّ ذلك "يحصل أيضا بسبب الأولياء الذين لا يدركون أصلا حجم الخطر الذي تمثله الشاشة على الطفل ويعتبرونها مجرد وسيلة للتسلية والإلهاء".

إدمان الشاشات 1

تأخر النمو 

يؤثّر إدمان الشاشات سلباً على النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال، تقول الدكتورة براهيمي، لأنّه يؤدي إلى ضعف مهاراتهم في التواصل والتفاعل مع الآخرين.

وفي هذا الإطار؛ أكدت براهيمي على أنّ الانغماس في العالم الافتراضي يُبعدهم عن الواقع، ويقلّل من فرصهم في بناء علاقات اجتماعية صحية، إذ شرحت بقولها إنّ هذه الأجهزة الإلكترونية قد تدفع بالطفل إلى "حدّ العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، وصعوبة في الانسجام مع المجموعات". بالإضافة إلى ذلك، قد يرتفع منسوب الغضب بالنسبة لهؤلاء الأطفال بل و"يظهرون سلوكيات عدوانية أو اندفاعية نتيجة التعرض المستمر لمحتوى غير لائق يحرض على العنف".

علمياً؛ يؤثّر الإدمان على قدرتهم على التركيز والانتباه، ويظهر هذا خلال السنوات الأولى في المدرسة، ويأخذ شكل صعوبة في التعلم والفهم والحفظ بسبب تشتت التركيز، ممّا يؤدّي إلى انخفاض في تحصيلهم الدراسي والرسوب.

بالنّسبة للمختصين فإنّ التصفّح لفترة زمنية طويلة يوميا لمواقع التواصل الاجتماعي يؤثّر على مستوى تقدير الذات لدى الأطفال، إذ تشعرهم المقارنة المستمرة بينهم وبين الصور المثالية على الشّبكة العنكبوتية، بالنقص وعدم الكفاءة، كما أنّ كل ذلك يؤثر بشكل كبير على تطورهم النفسي وعلى علاقاتهم مع أسرهم ومحيطهم الاجتماعي.

إدمان الشاشات 3

خطر الضوء الأزرق

التعرّض للشاشات سواء الهاتف المحمول أو اللوحات الإلكترونية، بحسب المختصين هو ظاهرة عالمية ومحلية أيضا، إذ كشف المختص في طب الأطفال، الدكتور نور الدين سالمي، بأنّ إدمان استخدام الشاشات لدى الأطفال هو " استعمال مفرط وقهري لوسيلة إلكترونية"، موضحاً في إفادة لـ "الترا جزائر"، بأنّ ذلك يؤدي الإفراط في إلى مجموعة واسعة من المشكلات الصحية الجسدية، فالساعات الطويلة التي يقضونها جالسين في وضعية ثابتة أمام الشاشات تزيد من خطر الإصابة بالسمنة، نظراً لقلة النشاط البدني وزيادة استهلاك الأطعمة غير الصحية المصاحبة لمشاهدة التلفزيون أو اللّعب على الأجهزة الإلكترونية.

كما تؤثّر قلة الحركة سلبًا على نمو العظام والعضلات، وتزيد من خطر الإصابة بمشاكل في الهيكل العظمي مثل انحناء العمود الفقري وآلام الظهر والرقبة.

وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ الضّوء الأزرق المنبعث من شاشات الأجهزة الإلكترونية يؤثّر سلبًا على صحة العين، مما يؤدي إلى جفاف العين، وإجهادها، وزيادة خطر الإصابة بقصر النظر، وحتى الصداع النصفي لدى بعض الأطفال.

من ناحية أخرى؛ للإدمان على الشاشات آثار جانبية سلبية على نمو الدماغ لدى الأطفال، وخاصة بالنسبة للمناطق المسؤولة عن التعلّم والذاكرة، ومن تداعياتها المباشرة: صعوبات في التركيز والانتباه، وتأخّر في المهارات المعرفية، فضلا عن اضطرابات النّوم نتيجة للتعرض للضوء الأزرق قبل النوم.

طيف التوحد المكتسب

أظهرت دراسة ميدانية أجريت في قسم الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة، تحت عنوان:" القنوات التلفزيونية الموجهة للأطفال واضطراب طيف التوحد المكتسب"، نتائج مثيرة للقلق حول العلاقة بين مشاهدة الأطفال للقنوات التلفزيونية وتطور اضطراب طيف التوحد. وكشفت الدراسة لفريق من الباحثين أنّ "التعرض الطويل والمستمر لمحتوى تلفزيوني موجّه للأطفال، حتى وإن كان يُعتبر مفيدًا، يمثّل عامل خطر متزايد للإصابة باضطراب طيف التوحد المكتسب". ويرجع ذلك إلى أنّ الدماغ النامي للأطفال، وخاصة في السنوات الأولى من حياتهم، يكون شديد الحساسية للأنماط المتكرّرة والمحفّزات البصرية السمعية التي تقدمها الشاشات.

كما أشارت نتائج الدراسة إلى أنّ هذا التعرض المتكرّر والمحدود لمجموعة ضيقة من المحفزات قد يؤدي إلى عرقلة التطور الطبيعي للدماغ وتقليل قدرته على التعامل مع التنوع والمرونة التي تتطلبها التفاعلات الاجتماعية المعقدة.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنّ المحتوى التلفزيوني الذي يفتقر إلى التفاعل المباشر والمرئي قد يحدّ من فرص الطفل في تطوير مهارات التواصل الاجتماعي واللغوي، وهي من السمات الأساسية التي تتأثر بها حالات طيف التوحد.

وتوصّل الباحثون في نتائج الدراسة إلى أنّ تأخر التشخيص والعلاج لدى الأطفال الذين يعانون من أعراض طيف التوحد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الحالة وتأثيرها على جودة الحياة على المدى الطويل.

ومن هذا المنطلق؛ حذّرت الدراسة الآباء والأمهات بشأن الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الشاشات وأن يقدّموا لهم بدائل متنوعة من الأنشطة التي تعزز التطور الاجتماعي والعاطفي والتعليمي.

علاج الإدمان الإلكتروني .. ما الحل؟

قدمت لجنة الخبراء الفرنسية المكلفة بصياغة تقرير حول استخدام الشاشات بين الأطفال تقريرا إلى رئيس البلاد في 30 نيسان/ أبريل 2024، ويضمّ مجموعة من التدابير التي تنقص من هذه الظاهرة ومنها المنع التام لتعرض الأطفال دون سنّ 3 سنوات للشاشات بجميع أنواعها،  وعدم اقتناء الهاتف المحمول للأطفال أقل من 11 عاماً، وثم إعطائهم جهاز من دون إنترنت حتى سنّ الـ 13، والسماح لهم بالوصول إلى الشبكات الاجتماعية الأخلاقية اعتبارًا من سن 15 عامًا.

كما طالبت بضرورة توعية وتثقيف الأولياء والأطفال بشأن القضايا الصحية المتعلقة بالشّاشات (النوم، ونمط الحياة الخامل، والبصر)، والحرص على مكافحة المحتوى العنيف والبغيض والإباحي وتنظيم استخدام الشاشات خلال اليوم واسغلالها في التعليم والتطور المعرفي.