30-نوفمبر-2020

الإمام عنتر عبد المالك (فيسبوك/الترا جزائر)

 

تناول الجزائريّون بالنّقد والسّخرية والاعتراض، في منشوراتهم الافتراضيّة، جميع الشّرائح من سياسيّين ومثقّفين وإعلاميّين ورياضيّين وتجّار وحتّى عسكريّين، لكنّهم قلّما تناولوا الأئمّة ورجال الدّين، بالنّظر إلى الاحترام والتّوقير اللّذين يحظون بهما، في المخيال الشّعبيّ العامّ. فمن ألقاب الإمام في الجزائر "سيدي الشّيخ".

هيمنت نبرة التّأنيب والتّقريع في رسالة الإمام إلى الأستاذ المضرب

غير أنّ تجلّيات هذا التّوقير اختفت تمامًا في منشورات قطاع واسع من روّاد مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وهم يتناقلون، بكثافة، فيديو ظهر فيه الإمام عنتر عبد المالك  يلقي خطبةً في مسجد الفرقان بمنطقة المنيعة ؛ الجمعة، وجّه فيها رسائل للأساتذة المضربين، بسبب عدم تطبيق البروتوكول الصّحيّ من طرف وزارة التّربية، بعد عودتهم إلى التّدريس، رغم موجة ثانية من وباء كورونا، حيث لم تعد أرقام الإصابات تنزل عن 1000 إصابة في اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: مثقّفون جزائريّون يؤبّنون مارادونا.. كان تشي غيفارا الكرة

وهيمنت نبرة التّأنيب والتّقريع في رسالة الإمام إلى الأستاذ المضرب، حيث قال له إنّك مكثت في البيت ثمانية شهور، من غير أن تقطع عنك الحكومة راتبك الشّهريّ، فكيف تطالبها اليوم بأن توفّر لك ما يقتضيه البروتوكول الصّحيّ؟ لماذا لا تشتري ذلك من جيبك الخاصّ؟

وشبّه أستاذ الفلسفة في الطّور الثّانويّ محمّد إسلام الملّالي خطاب الإمام إلى الأستاذ بضحك الشّاة المسلوخة على الشّاة المذبوحة، "حيث نسي الشّيخ أنّ غلق المدارس تزامن مع غلق المساجد، من غير أن تنقطع أجور الأئمّة أيضًا، وهذا من حقّ أيّ عامل لا يترك العمل من تلقاء نفسه، فهو إجراء يضمنه قانون العمل وليس صدقة من الحكومة".

وكان تدخّل الإمام، يقول محدّث "الترا جزائر"، سيبدو معقولًا ومهضومًا لو اعتمد صيغة النّصيحة، فمن طبيعة الجزائريّين أن يستمعوا إلى نصيحة الأئمّة، كأن يقول إنّه على الأساتذة الدّاعين إلى الإضراب أن يصبروا ويراهنوا على الحوار مع الجهة الوصيّة، إلى أن تستجيب لهم؛ أمّا أن يعتمد صيغة التّهجّم والتّقليل من روح الوطنيّة والمسؤوليّة، لدى الأستاذ الجزائريّ، فهذا ما يعدّ خروجًا عن الاختصاص، ووقوفًا مجّانيًّا مع طرف حكوميّ على حساب طرف شعبيّ لأغراض لا تليق برجل دين.

ويتساءل محمّد إسلام الملّالي: "كيف لم يُراعِ الإمام نبل المطلب الذّي رفعناه، وهو توفير البروتوكول الصّحّي، في زمن بات يؤدّي فيه عدم توفيره إلى الموت؟ ألا يعلم أنّ حفظ النّفس يأتي في مقدّمة مقاصد الشّريعة الإسلاميّة؟ يبدو أنّنا بصدد نخبة من رجال الدّين تقدّم مقاصد الحكومة على مقاصد الشّريعة".

وطرح الكاتب السّاخر مصطفى بونيف جملةً من الأسئلة، في سياق ردّه على خطاب الإمام: "هل لهذا الشّيخ سوابقُ في قول كلمة الحقّ؟ هل هاجم الوزراء؟ بالذّات وزيره الذّي استقبل وزير داخليّة فرنسا وكرّمه، رغم إهانات فرنسا للرّسول صلّى الله عليه و سلم؟". هل طالب هذا الإمام يومًا القضاة بالعدل؟ هل واجه الوزراء من العصابة، حين عاثوا في الجزائر فسادًا وإفسادًا؟".

ويقارن محدّث "الترا جزائر" بين أتعاب المعلّم وأتعاب الإمام بالقول: "كم يبلغ راتب المعلّم الذّي تريد أنت وأمثالك أن تقدّمه شهيدًا؟ إنّ الأستاذ الذّي يقدّم الدّرس لأربعين تلميذًا، ثلاثة أقسام على الأقلّ؛ فيعود منهك الأعصاب والقوى، ليس مثلك أنت من تصلّي بالنّاس، فتقبض ثمن صلاتك بهم، وتخطب فيهم مرّةً في الأسبوع".

وكتب الشاعر لخضر غمّور في تدوينة فيسبوكيّة له: "لو كنت بين المصلّين لنهضت وانتفضت لهذا العبث". بينما كتب النّاشط أبو إسلام منير: "الدِّين كما يفهمه ويدعو إليه ويتحدّث عنه مثل هذا، هو فعلًا أفيون للشّعوب المسلمة..من نعمة الله على المسلم أن يرزقه التّفريق بين الدّين المنزَّل والدّين المؤوَّل والدّين المبدَّل".

وطالب الإمام عبد الرّحمن مصطفاوي زميله بالتّوضيح أو الاعتذار؛ "الأساتذة والأئمّة وجهان لعملة واحدة، والطّعن في أيّ وجه يفسد العملة بأكملها. من حقّهم بل من واجبهم وواجبنا كأئمّة أن نحتجّ على غياب وسائل الاحتياطات الطّبّيّة. إذ كيف نرضى للأبناء أن يختلطوا بالمؤسّسات وينقلوا المرض لوالديهم؟".

في سياق الرّأي المختلف، كتب النّاشط حكيم فراطسة "ما قاله هذا الإمام فيه جانب كبير من الحقيقة، رغم تحفّظي على بعض ما قاله، فمن يشكّك في كلامه ما عليه إلّا أن يلتفت لما يحدث في المنظومة التّربوية التي دُمّرت تدميرًا شنيعًا، فأصبح فيها المعلّم يرى في تلامذته بضاعةً وجب حلبها وعصرها لتعطي دنانير إضافيّة في جيبه كلّ شهر".

يسأل: "كيف نفسِّر لجوءه الى الإضراب والسّنة قد بدأت متأخّرة بشهرين؟ والغريب أنّ إضراب الأساتذة مطالبةً بالبروتوكول الصّحّي لم يثنهم عن تكديس التّلاميذ والطّلبة في مستودعات الدّروس الإضافيّة مدفوعة الأجر، بعيدًا عن أيّ تباعد بينهم".

ويتساءل حكيم فراطسة: "لم أسمع ولو مرّة واحدة عن إضراب قام به المعلّمون من أجل تحسين البرامج التّعليميّة أو تخفيض وزن محفظة الطّفل الذّي احدودب ظهرُه جرّاء ثقلها".

يبدو أنّ الجزائريّين لم يعودوا يتقبّلون توريط المنظومة المسجديّة في تبرير السّياسات الحكوميّة أو تلميعها

يبدو أنّ الجزائريّين لم يعودوا يتقبّلون توريط المنظومة المسجديّة في تبرير السّياسات الحكوميّة أو تلميعها، بعد حراك شعبيّ لعب فيه قطاع واسع من الأئمّة دورًا واضحًا في الانحياز لخيار السّلطة، بما جعلهم في مهبّ تهكّم الشّارع وانتقاده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تفاعل الجزائريّون مع فوز جو بايدن؟

المثقّفون الجزائريّون وتطبيع أبو ظبي.. هذا هو قلب العروبة؟