فريق التحرير - الترا جزائر
في ظلّ تراجع القدرة الشرائية للمواطن البسيط، وارتفاع أسعار المواد الأساسية والخضروات واللحوم البيضاء والحمراء والبقوليات، يتساءل كثيرون عن تأثير هذه العوامل على الثقافة الاستهلاكية للمواطن الجزائري، وهل مائدة العائلات الجزائرية أصبحت تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية والسلمية، هل تغيّرت الأطباق التي كانت تستهلكها الأسر الجزائرية؟ جولة "التر جزائر" في الأسواق الشعبية والمحلّات التجارية، تحمل جملة من المعطيات التي تُجيب على هذه الأسئلة.
في ظلّ تراجع القدرة الشرائية للمواطن البسيط وارتفاع أسعار المواد الأساسية يتساءل كثيرون عن تأثير هذه العوامل على الثقافة الاستهلاكية للمواطن الجزائري
القفة أصبحت خاوية
في هذا السياق، يعترف الشاب الأربيعي حميدوش، بائع الخضروات في سوق باش جراح، أن محتويات القفة الجزائرية من الخضر والفواكه تراجعت بشكلٍ كبير، وأضاف محدث "التر جزائر" أنه بسبب ارتفاع الأسعار تغيرت سلوكيات ومقتنيات المستهلك مقابل السنوات السابقة.
اقرأ/ي أيضًا: تجريم المضاربة.. "مقاربة عقابية" لعلاج ندرة المواد الاستهلاكية
وأوضح حميدوش أن المواطن أصبح يقتني خضروات الموسمية والضرورية فقط، ورغم أن أسعار الخضروات الموسمية معقولة نسبيًا، إلا أن كميّات وحجم المشتريات الغذائية تراجعت بدورها، وفق ما يتناسب مع ميزانية العائلات المحدودة، التي أثقلتها الأسعار المرتفعة، على حدّ قوله.
هنا، يعلّق المتحدّث أن المواطن أصبح يشتري قوائم خضروات محدودة، كالبطاطا والطماطم والجزر والكوسا ويستغني عن الخضروات غير الموسمية لارتفاع أسعارها، مضيفًا أن الخضروات غير الموسمية تشكل قيمة غذائية عالية على غرار الفلفل الذي يتراوح سعره ما بين 150و180 دينارًا، والفصوليا الخضراء التي وصل سعرها مؤخرًا إلى 400 دينار، أما البرتقال فيبلغ سعره ما بين 120 و150 دينارًا.
أما من ناحية مؤشّرات المشتريات، أكد حميدوش انخفاضًا محسوسًا في المشتريات الغذائية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، موضحًا أن سعر البطاطا الحالي هو 75 دينارًا، و"سابقًا كان المستهلك يشتري في المتوسط خمسة كيبوغرامات، أما اليوم وفي ظل السعر الحالي أصبح الطلب يتواروح مابين كيلوغرامين إلى ثلاثة كيلوغرامات، واعتبر أنه "بسبب ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه تراجع تمويل السوق بكميات كبيرة، وأصبحوا يكتفون بما هو مطلوب فقط".
من جهتها، تعترف ملاك حديوش، المختصة في علم التغذية، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات تسبب قي مقاطعة أصحاب محدودي الدخل أو التقليل من استهلاكها، موضّحة في حديث إلى "الترا جزائر"، أنها خلال تقديم إرشادات حول تعزيز المناعة ضد جائحة كورونا، أن الكثير من التعليقات توحي أن القدرة الشرائية أصبحت حاجزًا أمام استهلاك المواد الغذائية الصحية.
وأشارت حديوش أن النقص في تناول الغذاء الصحي ينعكس سلبًا على الصحة الفردية والعمومية، ويترتب عن سوء التغذية مضاعفات صحية خطيرة كالأمراض المزمنة والعصبية والنفسانية والسمنة.
التأثير المضاعف لفيروس كورونا على اقتصاديات العالم مست الفقراء، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة تكلفة شحنها، ضاعف أيضًا فاتورة محدودي الدخل والفئات الهشة، تقول ملاك حديوش.
وعلى ضوء ذلك، تقترح المختصة في علم التغذية جملة من الحلول والمقترحات، على غرار وضع برنامج وطني للتغذية والصحّة، ترقية الإطعام المدرسي المتكامل، والتحسيس حول تحسين النمط الغذائي ومخاطر السمنة، والتوعية ونشر الثقافة الصحية الغذائية والرياضة، والبحث عن البدائل الغذائية الصحية في حال ارتفاع أسعار بعض المواد، إذ يمكن تعويض على سبيل المثل السمك بالبيض الذي يمد جسم الانسان بالفيتامين "د" أو تناول البروتينات النباتية لتعويض اللحوم الحمراء كالعدس والفاصوليا، على حدّ تعبيرها.
الجزائر والأمن الغذائي
ووفق منظمة الصحة العالمية، يَشمل النظام الغذائي الصحي تناول الفاكهة والخضروات والبقوليات (العدس والفاصوليا) والمكسرات والحبوب الكاملة (الذرة والدخن والشوفان والقمح والأرز البني)، أي 400 غرام على الأقل من الفاكهة والخضروات يوميًا، ويحتاج الفرد البالغ أقل من 10 بالمئة من إجمالي مدخول الطاقة من السكريات الحرة أي ما يعادل 50 غرامًا يومًيا مصدرها العسل والشراب وعصائر الفاكهة المركزة.
كما يحتاج جسم الانسان، بحسب المصدر نفسه، 30 بالمئة من إجمالي مدخول الطاقة من الدهون (1.2.3) الموجودة في الأسماك والأفوكادو والمكسرات.
وتدعوا منظمة العالمية للصحية إلى إدراج الخضروات بشكلٍ يومي في وجبات الطعام، وتناول الفاكهة الطازجة كوجبات خفيفة واستهلك مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات.
ويُعرف النظام الغذائي الصحي بأنه الاعتدال في تناول الأطعمة ذات الكثافة الغذائية العالية، الموجودة في المجموعات الغذائية الرئيسية، وتزود الحمية الغذائية المتوازنة للجسم بالفيتامينات والمعادن، والعديد من العناصر الأساسية التي يحتاجها جسم الانسان لأداء وظائفه المتنوعة.
وفق دراسة نشرها برنامج التغذية العالمي للأمم المتحدة صنفت الجزائر الأول أفريقيًا في مجال الأمن الغذائي، وأن نسبة الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية لا يقل عن 2.5 بالمائة من اجمالي السكان.
ويشكل الجوع في القرن الحالي واحد من أكبر التحديات التي يكافح المجتمع الدولي على القضاء عليه، وحسب برنامج التغذية العالمي فإن 690 مليون شخص يعانون من الجوع، أي ما يعادل 8.6 من اجمالي سكان العالم، في 55 دولة خلال سنة 2019، ما يشكل واحد من بين ثلاثة أشخاص يعاني من أشكال سوء التغذية، وتتوقع احصائيات أن يصل سوء التغذية إلى 840 مليون شخص سنة 2030، 25 في المائة في القارة الافريقية.
وتشكل الحروب والتغييرات المناخية والفساد من أهم عوامل التي تحد من توفر الأمن الغذائي، خاصة في الملاجئ، وبِؤر الصراعات الأهليةـ وعدم الاستقرار السياسي وغياب الحوكمة.
وتعمل الحكومات العالمية في ظل الأزمة الصحية وجائحة كورونا على مضاعفة الجهود ووضع استراتيجيات من أجل توفير تغذية مجتمعية ذات نوعية جيدة وصحية ومستدامة، وتتجه الحكومات إلى برامج توسيع الأرضي الفلاحية، وتنويع المنتجات وتسهيل الحصول عليها كما وكيفًا، وتنظيم مطاعم جماعية على مستوى المدارس، تقدم للتلاميذ وجبات إطعام صحية ووفق المعايير الدولية
ومن الناحية الثقافية، تعمل الدوائر الثقافية على ترقية الاطباق التقليدية والشعبية من التراث الشعبي، والتي تحمل خصوصيات كل المجتمعات وتعبر عن نمط الغذائي الصحي للمجتمع.
وتشكل ورادات المواد الغذائية في الجزائر أكثر من 30 في المائة من حجم الاستيراد، الوضعية التي تجعل الجزائر تعاني من التبعية الغذائية للخارج، في هذا الإطار، دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى جعل الأمن الغذائي من بين أولويات المخطط الحكومي، عبر توسيع مساحات الزراعية، وتمكين المناطق الجنوبية من أجل تجسيد الأمن الغذائي، وتقديم امتيازات جبائية وقروض مالية في مجال الصناعة الغدائية والتحويلية.
وتتبنى الجزائر سياسة الدعم الاجتماعي، وتدعيم المواد الأكثر والأوسع استهلاكًا ضمن برنامج من أجل تغذية سليمة ومتوازنة.
تشكل الأطباق الجزائرية كالكسكس والشخشوخة نظامًا صحيًا يعتمد على القمح الصلب والحبوب والخضراوات
من جهته، أشاد مختصون في مجال التعذية، بالنموذج التقليدي والأصلي للنظام الغذائي الجزائري، القائم على استهلاك الحبوب والبقوليات والأعشاب العطرية، وزيت الزيتون، والاستهلاك المعتدل لمنتجات الألبان والبيض المسلوق، فضلًا عن استهلاك المتوازن للحوم الحمراء. وتشكل الأطباق الجزائرية كالكسكس والشخشوخة نظامًا صحيًا يعتمد على القمح الصلب والحبوب، مرفوقة بالخضروات والفواكه، وهو نموذج صحي ووقائي تتميز به مجتمعات البحر الأبيض المتوسط.
اقرأ/ي أيضًا:
وزارة الفلاحة: استقرار أسعار اللحوم البيضاء بداية من أكتوبر الجاري
ارتفاع جنوني في الأسعار.. المواطن الجزائري يتساءل عن الأسباب