08-مارس-2022

تنامي جرائم القتل في الجزائر تحكمه عدّة عوامل اجتماعية واقتصادية (الصورة: الهداف)

كثيرًا ما تتصدّر أخبار الجرائم والاعتداءات بالأسلحة البيضاء في الجزائر وسرقة المركبات والمحلات التجارية، عناوين الصحف والتقارير التلفزيونية وترندات مواقع التواصل الاجتماعي، وهي آفات صارت تشهدها عدة مدن وقرى بالبلاد ولا تقتصد على المدن الكبيرة ولا الأحياء الشعبية كما كان شائعًا في السابق.

يعيد هذا الوضع الذي يعيشه المجتمع الجزائري التساؤل من جديد حول أسباب هذا التصاعد اللافت للجريمة

ويعيد هذا الوضع الذي يعيشه المجتمع الجزائري التساؤل من جديد حول أسباب هذا التصاعد اللافت للجريمة، رغم سن جملة من القوانين التي تحارب هذه الظاهرة، وكانت آخرها التعديلات التي مست قانون العقوبات للحد من تسلط عصابات الأحياء على المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تستحدث جهازًا أمنيًا لمكافحة الجريمة المنظمة وطنيًا ودوليًا

https://www.youtube.com/watch?v=S00iP_xRgHI

تقرير

أظهر تقرير للشرطة الجزائرية نشر مؤخرًا أن معدل الإجرام في الجزائر قد شهد ارتفاعًا العام الماضي بنسبة تعدت 14 بالمائة، بعد أن تم تسجيل 296148 قضية إجرام، تمت معالجة 205570 منها، أي ما يعادل 69.41 بالمائة من العدد الكلي.

وقال المفتش العام للمصالح المراقب العام للشرطة بالمديرية العامة للأمن الوطني أرزقي حاج سعيد، إن المؤشرات الأساسية للجريمة في الجزائر لسنة 2021 تنم عن ارتفاع في الجرائم خلال 2021 مقارنة بسنة 2020 ، والتي ذهب ضحيتها 201105 شخص، وتورط فيها 271961 مجرمًا.

وتشير الحصيلة السنوية للشرطة أن هذه الجرائم توزعت بين 87169 قضية تتعلق بجرائم المساس بالأشخاص التي ارتفعت بـ10.98 بالمائة، و98332 قضية تتعلق بالمساس بالممتلكات، و58124 قضية تخص بجرائم مخالفة تشريع المخدرات التي قفزت بنسبة 26.23 بالمائة.

وسجلت الشرطة 4400 قضية تخص الجرائم السيبرانية، و13285 قضية تتعلق بالجرائم الاقتصادية والمالية، إضافة إلى تسجيل 132 قضية خاصة بتهريب المهاجرين.

كما أحصت مصالح الأمن 6930 جريمة تتعلق بممارسة العنف ضد المرأة بزيادة 2.18 بالمائة مقارنة بعام 2020، و165 قضية تخص مكافحة عصابات الأحياء بالوسط الحضري تورط فيها 722 شخصًا.

ورغم أن التغطية الأمنية تقارب نسبة 95 بالمائة في الأحياء بالوسط الحضري في الجزائر، إلا أن معدل الجريمة يبقى مرتفعًا، حسب هذه الإحصاءات التي لا تأخذ في عين الحسبان باقي القضايا التي سجلتها مختلف المصالح الأمنية الأخرى من درك وجيش وجمارك.

ويوضح أستاذ علم اجتماع الانحراف والجريمة بجامعة طاهري محمد ببشار كمال عمتوت لـ "الترا جزائر" أنه "بعد انفتاح المجتمعات على بعضها البعض، وتقدم تكنولوجيات الاتصالات، و بروز نمط جديد من الاقتصاد هو اقتصاد الخدمات المغري، وبالنظر كذلك إلى التحولات الكبيرة التي عاشتها  الجزائر على مدى العشريتين الأخيرتين، ظهرت أنماط جديدة من الجرائم والانحرافات، مثل تعاطي المخدرات والاتجار بها على نطاق واسع غير مسبوق، وتزوير العملات، وتجارة الجنس، والجريمة المنظمة، والجرائم الإلكترونية، والإرهاب المحلي و الدولي، جرائم البيئة، وغيرها".

الأطفال والجريمة 

تزامن ارتفاع الجريمة في الجزائر بشكل مباشر مع تراجع مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية في الجزائر عن أداء دورها ممثلة في الأسرة والمدرسة كما كان في السابق.

وحسب الأستاذ كمال عمتوتن فإن "البيئة الأسرية المضطربة أو المختلة بنائيًا أو وظيفيًا كثيرًا ما تكون سببًا في الانحراف والجنوح، ذلك أن هذا الأخير يمكن اعتباره سلوكًا هروبيًا من بيئة الأسرة المضطربة وما تحدثه من صراع نفسي في أفرادها، فيبحثون -و لاسيما الأطفال- عـن الرضا الوجداني والإشـباع العاطفي والراحـة النفـسية، لدى أشخاص آخرين".

من جهته، يعتقد سمير عيمر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن" تنامي ظاهرة الإجرام في وسط الأطفال مرتبط بالتحوّلات الكثيرة التي يشهدها المجتمع الجزائري، وما نجم عنها من تغييرات واضحة في سلوكيات أفراده وقيمهم الاجتماعية".

ويؤكد عيمر أن العائلة التي تأتي على رأس المتهمين في انحراف الأبناء واختيارهم الطريق الخطأ، بالنظر إلى أن "المشاكل الأسرية والعنف اللفظي والجسدي وطلاق الوالدين كلها عوامل محفزة جدًا للارتباط والتعود على سلوكيات تدفع حتمًا باتجاه تسهيل إجرام الأطفال إذا لم يتم تعديل هذا السلوك قبل فوات الأوان".

تحيين دوري

رغم سن جملة من القوانين التي تكافح الجريمة إلا أن هذه التشريعات لم تتمكن من  تقليص مختلف الجرائم التي يشهدها المجتمع الجزائري، لذلك يدعو أستاذ علم اجتماع الانحراف والجريمة كمال عمتوت إلى مراجعة شاملة  للقوانين من حيث إلغاء بعض منها، أو تعديلها بتكييفها دوريا لتتماشى مع المتغيرات المعاصرة، ناهيك عن تشديد أقصى العقوبات ضد مختلف الجرائم الواقعة في المجتمع".

ويرى عمتوت أنه "في  هذا الإطار، أصبح من الضروري تأسيس مرصد وطني لمكافحة الإجرام والانحراف، يتابع ظواهر الإجرام والانحراف ويقدم الإحصائيات الشاملة والمفصلة بخصوصها، لحل مشكلة الإحصائيات الجنائية العويصة في الجزائر، مع ضرورة إجرائه لدراسات علمية حول حجم الإجرام واتجاهاته وأساليـبه وفــئاته، وكذا انعكاساته على استقرار المجتمع وتكلفته المالية".

وبما أن مكافحة الإجرام في المجتمع قضية تهم كافة المواطنين والهيئات، يطالب عمتوت في حديثه مع "الترا جزائر" بـ "ضرورة إشراك الجميع (الأفراد، والأسر، و الجمعيات المدنية، و المدارس، و الهيئات ذات العلاقة) في كل إستراتيجية للوقاية من الإجرام و الانحراف، وتجنب اللامبالاة تجاه كل الأفعال الإجرامية والمنحرفة، والتصدي لها بما يناسب كل حالة، حتى يبين المجتمع بوضوح الحدود التي تـفصل الأفعال المقبولة عن الأفعال غير المقبولة".

بالنسبة للمختصين، فإن التقليص من عدد الجرائم يتطلب انــتـهاج إستراتيجية تأخذ  بما وصلت إليه أحدث نظريات علوم الاجتماع والنفس والإجرام

وبالنسبة للمختصين، فإن التقليص من عدد الجرائم يتطلب انــتـهاج إستراتيجية تأخذ  بما وصلت إليه أحدث نظريات علوم الاجتماع والنفس والإجرام، دون إهمال الإطلاع على الخبرات الدولية والاستفادة منها، لأن الفعالية في مواجهة السلوك الإجرامي والمنحرف لا يمكن أن تعتمد فقط على أسلوب الوعظ والإرشاد و النصح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جهاز المخابرات يستعيد صلاحياته في مكافحة الفساد.. مخاوف من عودة صراع العصب

تعيين مسؤول في المخابرات بصلاحيات واسعة