30-أغسطس-2019

الحراك الشعبي يرفض مشاركة الأحزاب في المسيرات (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

خروج الملايين إلى الشارع خلال الأشهر الستّة الأخيرة من الحراك الشعبي في الجزائر، دون تأطير أو تنظيم حزبي، كشف عن افتقار المؤسّسة الحزبية للقواعد الشعبية التي كانت تتبجّح بها في الندوات الصحافية، والأرقام التي كانت تعلنها في المواعيد الانتخابية عن نسبة مشاركة المواطنين، بل ووصل الأمر إلى طرد بعض ممثلي الأحزاب في المسيرات، رغم مغازلتهم للحراك الشعبي.

عمدت السلطة  إلى تقزيم الأحزاب والشخصيات السياسية، واستغلالها صوريًا للواجهة الديمقراطية

هذا الوضع الذي تعيشه البلاد اليوم، فرضته جملة من العوامل؛ تتّصل بعضها بتركيبة الحزب السياسي وكوادره، وطرق عمله في الجزائر التي لم تتطوّر مع الوقت، أو تنسجم مع الحراك الشعبي، وتتعلّق عوامل أخرى بطبيعة البيئة السياسية التي فرضها النظام السابق منذ التعدّدية السياسية عام 1989، والتي عمدت إلى تقزيم الأحزاب والشخصيات السياسية، واستغلالها صوريًا للواجهة الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: أحزاب الجزائر تبحث عن شبابها

بين الشكل والمضمون

تطرح الأحزاب السياسية في الجزائر في الظرف الحالي، عدّة تساؤلات وتفرض عدّة قراءات، إذ يراها البعض بأن وجودها صار "شكليًا فقط، نظرًا إلى استغلالها في المناسبات الانتخابية، وهو ما يطرحه المواطن البسيط في الشارع، هنا، يعتبر حسين جرار، الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بأن الظرف الذي تعيشه الجزائر اليوم دفع بحالة اللاثقة  في المنظومة السياسية التي تتشكّل منها الواجهات الحزبية.

يوضّح المتحدّث في تصريح لـ" الترا جزائر"، أن المواطن الذي خرج للشارع بات اليوم يصمّ الآذان عن طروحات الأحزاب وتحليلاتها للوضع، وهو ما ترك الباب مفتوحًا أمام حالتين فرضهما الواقع والثورة الشعبية منذ الـ 22 فيفري/ شبّاط الماضي؛ أولاهما: حالة التيه بالنسبة للأحزاب السياسية التي ظلّت لسنوات تشتغل في الساحة وتخرج ممثليها في المناسبات الانتخابية وتقدم وعودًا للمواطن، وثانيها: حالة اللاقرار بخصوص التمثيل الشعبي للحراك، على حدّ تعبيره.

في هذا السياق، لم يتمكن الحراك رغم زخمه منذ البدايات أن "يكشف عن ممثلين عنه" ضاربًا عرض الحائط مختلف الكيانات السياسية التي تشتغل في العلن، وانحسر معه دور الأحزاب السياسية التي كانت في صفّ المعارضة، رغم إبدائها مساندتها للحراك الشعبي، في مقابل ذلك تراجع دور الأحزاب السياسية المحسوبة على الموالاة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي كانت تسيطر على المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، وخاصّة منها الممثلة في البرلمان وفي المجالس المحليّة.

الشارع هو الحكم

منذ بداية المسيرات الشعبية، أظهر المتظاهرون موقفًا مناوئًا للأحزاب والرموز السياسية، واعتبرها جزءًا من المنظومة السابقة في فترة حكم بوتفليقة، وحمّلها مسؤولية استمرار النظام السابق أو التواطؤ معه. وأخذت هذه المواقف مظاهر عديدة؛ من بينها طرد قادة الأحزاب السياسية من المظاهرات بما فيها قادة أحزاب المعارضة ورفع شعارات تنتقدها.

هنا، يذهب ناصر حمدادوش، القيادي في حركة مجتمع السلم "حمس"، أن الوضع الحالي يفرض على الأحزاب السياسية الاشتغال على ذاتها في التجديد والتطوير وجودة الأداء، مشدّدًا على في تصريح لـ" الترا جزائر"، على أنه يستوجب عليها اليوم، "التطوير على مستوى الأفكار والمشاريع أو على مستوى تناغم ذلك مع الشكل الهندسي التنظيمي الحامل لها، أو على مستوى التأهيل والتدريب والتكوين للكوادر البشرية المسيِّرة لها".

في هذا السياق، يرى المتحدّث، أنّ أيّة مجموعة بشرية مثل الأحزاب السياسية تخضع لقاعدة، "إما أن تتجدّد أو تتعدّد أو تتبدّد"، رافضًا في الوقت نفسه ما أسماه بـظاهرة الشيطنة والتخوين والعدمية اتجاه العمل الحزبي في الجزائر، على حدّ قوله.

وقال النائب في البرلمان الجزائري إن إقصاء الأحزاب السياسية، "ظاهرة مرضية وغير مسؤولة، خاصّة ما يصدر من تعميم وأحكام قيمية مطلقة بشأنها"، مضيفًا أنّه لا يمكن ممارسة العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام وتحقيق التنمية عبر التنافس دون وجود أحزاب سياسية، ويعتبر أن التعددية الحزبية هي من مؤشّرات الديمقراطية، التي تعالج بدورها حالة الفرز في الساحة السياسية بين الأحزاب، عن طريق حكم الشعب عليها بطريقة قابلة للقياس، وهي الانتخابات، يضيف حمدادوش.

ممارسة سياسية غائبة

من جهة أخرى، تتعالى أصوات كثيرة تدعو إلى تجديد الطبقة السياسية، بعدما أثبتت الفعاليات السياسية في الساحة عدم جدواها، إذ يعتقد الناشط السياسي فيصل عثمان، أحد مؤسّسي حركة "عزم" في منتصف مارس/ آذار الماضي، بأنّ الشارع الجزائري فقد الثقة في الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، معلّلًا في تصريح لـ" الترا جزائر" بأن الحزب السياسي –نظريًا-هو الإطار التنظيمي والقانوني الوحيد لممارسة السياسة، أما عمليًا وبالنظر إلى رواسب تجربة التعددية في الجزائر، والنفور الشعبي من الأحزاب القديمة، أصبحت الممارسة السياسية أبعد ما تكون عن تلك الأحزاب، على حدّ قوله.

يستطرد المتحدّث قائلًا "يستدعي الوضع الراهن، تجديد الطبقة السياسية واقتحام العنصر الشبابي في المجال، من خلال تأسيس تنظيمات سياسية حديثة تقطع الحبل السري مع تقاليد الماضي وخيباته، ويجب على النزهاء ممارسة الفعل السياسي، حتى لا يبقى المشهد حِكرًا على الفاسدين وتجّار السياسة كما كان الحال في السابق".

يأمل كثير من الناشطين في الحراك الشعبي، تجدّد الطبقة السياسية وإقدام العنصر الشبابي على المشاركة الحزبية

مع متغيرات الوضع الجديد في الجزائر، يأمل كثير من الناشطين في الحراك الشعبي، تجدّد الطبقة السياسية وإقدام العنصر الشبابي على المشاركة الحزبية، وإقحامه في ورشات صنع القرار، غير أن متتبّعين للمشهد السياسي في الجزائر، يقرّون بمدى صعوبة ذلك في الوقت الحالي، أمام غلق فضاءات حريّة التعبير، و منع التجمّعات الشعبية لعدد من الجمعيات، إذ أصبح ظهور كيانات سياسية جديدة، بمستوى الوعي الشعبي أولًا وبجرأة الشباب وإقدامهم على تأسيس تنظيمات جديدة ثانيًا حُلمًا بعيد المنال في الفترة الحالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القوائم الانتخابية في الجزائر.. لمن يدفع أكثر

الجزائر..الانتخابات البرلمانية تبدأ من الفيسبوك