28-يونيو-2020

الجزائر تسجّل أعلى حصيلة إصابات منذ انتشار الوباء (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

في الجزائر، بات فيروس "كوفيد - 19" عبارة عن سؤال مفتوح، ينحصر بين وجوده من عدمه، وتماطلت السلطات في الأيام الأولى من بدء تطبيق تدابير الحجر الجزئي، على تنفيذ هذه الإجراءات بشكل صارم، خصوصًا بين شهري شباط/مارس و نيسان/أفريل، حيث اعتقد الكثيرون أن الأزمة الحالية ما هي إلا مرحلة وتنتهي، وظلّ الخطاب الذي يسوّق له الإعلام التقليدي والوسائط الحديثة، يترنّح بين التعاطي مع الأرقام التي تعلن عنها يوميًا لجنة متابعة ورصد الفيروس، ويقدّم لها تفسيرات استعجالية، وبين حملات تحثّ على الالتزام بإجراءات الحجر البقاء في البيوت، غير أن تخفيف هذه الإجراءات تدريجيًا، وارتفاع حصيلة الإصابات، جعل كثيرًا من الجزائريين يطرحون أكثر الأسئلة القلقة اليوم، هل الجزائر مقبلة على أزمة وبائية جديدة وبلا نهاية؟. 

الدكتور أحمد سماتي: لا أحد يصدق أننا في عزّ الأزمة نشتغل لأزيد من 18 ساعة يوميًا دون راحة

أزمة ثابتة وأرقام متحرّكة

سجلّت الجزائر أعلى الإصابات بفيروس كورونا الأسبوع الأخير من شهر حزيران/جوان الجاري، في مقابل ارتفاع حالات التشافي بفضل البروتوكول العلاجي، الذي انتهجته السلطات على مستوى المؤسّسات الطبية والصحيّة، ورغم النداءات التي تصدرها مديريات الصحّة، وحالة التشبع التي تعرفها بعض المستشفيات، مقابل وضعية الإنهاك التي وصلت إليها الطواقم الطبية بمختلف تخصّصاتها، فكلّها مؤشّرات تنذر بتطوّر الحالة الوبائية في الجزائر نحو الأسوأ، طبيًا وصحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، مثلما يشير إليه أخصّائيون.

اقرأ/ي أيضًا: 283 إصابة جديدة.. رقم قياسيٌ لليوم الثاني على التوالي في الجزائر

الملفت أن الصورة الطاغية على المشهد الصحي في الجزائر، تزامنًا مع ارتفاع عدد الإصابات نتيجة ارتفاع عدد التحاليل عبر مختلف المناطق الجزائرية، هي "صورة عدم التحكم في الوضع، رغم خطاب التفائل القائل بأن الوضع تحت السيطرة" يقول البروفيسور عبد الله جنادي في حديث إلى "الترا جزائر"، معترفًا أن الحالة الوبائية لا يعني أنّها "خطيرة"، ولكن في السياق الذي مرّت به الجزائر في مكافحة الفيروس، واجتناب انتشاره في بؤر معينة، وتطويقه أيضًا، يفضح حقيقة واقعية، "بكل بساطة، لقد فقدنا العلاقة الناظمة بين الاستجابة الشعبية لدعوات البقاء في البيوت والالتزام بالحجر الصحي والمنزلي، وبين استسهال الأمر إلى حدّ الاستهزاء"، موضحًا أنه بصفته طبيبًا، تحتّم عليه مهنته التحفّظ على الكثير من الحقائق المرتبطة بالجانب الطبّي "لأننا في أزمة حقيقية، وجب مواجهتها بالموجود"، متسائلًا في الوقت نفسه: "هل يعقل أن يبقى آلاف الأطباء والممرضين، ومختف مستخدمي الصحة في أماكن عملهم بعيدين عن أهاليهم، إن كان هذا الفيروس مجرّد كذبة في نظر الكثيرين؟

بصفتي مواطنًا جزائري، لديه خبرة في مهنة الطب، يقول البروفيسور جنادي: "أفلتنا خيط الإحاطة بالأزمة الوبائية منذ بداية شهر رمضان الماضي، ودخل الناس في حالة توجّس من الحالة الوبائية ومن الفيروس، رغم توجّههم العادي للأسواق، وعدم التزامهم بأساليب الوقاية خير من العلاج".

بين الفتح والغلق

في بداية الأزمة، تُشير بعض الكفاءات الجزائرية إلى أن" تسيير أزمة وبائية يمرّ عبر عدة قنوات، تتخذ مسارًا واضحًا بعدة مخططات حسب الوضع وتطوّره، يعتمد على المراهنة على كل ما هو طبّي للحفاظ على قدرة استيعاب حالات الإصابات والتحاليل وتوعية المرضى، وعائلاتهم، والتحكم في تمكين العلاج من جهة، والمراهنة في مستوى ثاني على توعية المواطن عبر تسويق صحّي عبر الإشهار في الشوارع في جميع المدن والمرافق العامة وفي الأحياء، و تمكين الإعلام من معالجة مرنة للحالة الوبائية"، تقول أستاذة الاتصال نورة بن جلول لـ "الترا جزائر"، مشدّدة على أن تسيير الأزمة لا يعني معالجتها بالمرحلية، ففي المستوى الثالث، هو الاتصال الشخصي، والاقتراب من المواطنين في الأحياء في برامج توعية وتحسيس وهنا يأتي دور الجمعيات والمنظمات.

وأثنت الأستاذة بن جلول، على التعامل الإنساني بين الجزائريين، وتضامنهم الاجتماعي مع الوضع على مدى أزيد من شهرين ونصف،  لكنها في نفس الوقت تتأسّف من معطى آخر أن المواطن غفل أنه يعيش مع فيروس قد يودي بحياته وحياة أحبابه، وتبقى آثاره المستقبلية رهيبة.

كما عرّجت المتحدّثة، إلى أن ذكر الأرقام وحدها غير كفيل بالتوعية، خصوصًا أن المواطن الجزائري مازال يعتقد أن "الفيروس ما هو إلا قضية وهمية أو أنها سياسية".

تعترف الأكاديمية بن جلول، بأنه حتى وإن وضعنا عديد الافتراضات المتعلقة بالوباء، إلا أننا أمام ملايين الجزائريين، ممن دخلوا فيما يسمى حالة "الهلع والتوجس في بداية اكتشاف الإصابات، ثم حالة الضغط النفسي، والتجاوب مع مخاطر الفيروس، والاعتماد على ما تظهره وسائل الإعلام والمنصّات الاجتماعية في الإنترنت، ثم إلى مرحلة الإشاعة التي سيطرت على عقول كثيرين، وهو ما دفعهم إل التعامل مع الوضع وكأنه لعبة".

ببساطة كانت الأزمة تسير من أعلى إلى أسفل بطريقة غير مدروسة، خاصّة وأن العامل الاقتصادي والاجتماعي، رفع من حدّة الخوف، خصوصًا بالنسبة لآلاف العائلات التي تعتمد في عيشها  على العمل اليومي، وفقدت مدخولها بسبب الأزمة، تصيف المتحدثة.

من جهته، يعتقد الدكتور أحمد سماتي، من مستشفى لخضر بن طوبال بولاية ميلة، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّه بالرغم من الحلول التي قدّمتها الحكومة، لمعالجة مشكلة القوت اليومي للعائلات المعوزّة، وتوزيع المنحة المالية، المقدرة بـ 10 آلاف دينار لهذه العائلات، "هناك عاملٌ مهم في الأزمة الوبائية في الجزائر، وهو عدم التحكّم في المخرجات الطبية، باعتراف كثير من المسؤولين، حيث أننا اكتشفنا منظومتنا الصحية المتهالكة"، مشددًا على أنه لا أحد يصدق أننا في عزّ الأزمة نشتغل لأزيد من 18 ساعة يوميًا ودون راحة، ودون رؤية ذوينا لأسابيع، متسائلًا: "هل نحن نملك مستشفيات ولا نملك نظامًا صحيًّا؟".

 الحجر الدائم ليس حلًا

على الأرض، كشف الناطق الرسمي باسم اللجنة العلمية لرصد ومتابعة كورونا، جمال فورار، في تصريحات صحافية أن "البقاء في الحجر الصحي الدائم صعب"، وذلك بسبب أن السلطات الطبية في الجزائر تجهل متى ينتهي هذا الكابوس، مع وباء مجهول في انتظار الإفراج عن اكتشاف العلاج،  ويشدّد فورار  في الوقت نفسه، على دور المواطن في تقليص حجم الخطر من انتشار الفيروس بالتزامه بالوقاية والابتعاد الاجتماعي.

هل تعكس الأرقام الواقع؟، سؤال بات يطرح يوميًا في المجالس الصحافية والطبية أيضًا، ففي وقت تشير لجنة متابعة الوباء في الجزائر إلى أن نسبة الاستشفاء على مستوى المستشفيات، بلغت 65 في المائة من الأسّرة العامة، و35.5 في المائة من أسرة الإنعاش، في حين بلغت  بعض المستشفيات مرحلة التشبّع لكن الوضع لا زال تحت السيطرة كما تدعّي السلطات الصحّية، وبحسب المعطيات الرسمية، "فإن هناك إمكانية لزيادة عدد الأسرّة سواءً العامة أو الخاصة بالإنعاش في حال الضرورة"

في ظلّ عدم احترام الوقاية خاصة الأقنعة الواقية، تبريرات اللجنة حول "الارتفاع في عدد الإصابات في الأيام الأخيرة لا يخصّ الجزائر، فقط بل شمل العديد من دول العالم، وذلك تزامنًا مع بداية رفع الحجر الصحي، وإعادة فتح المتاجر والمحلّات الكبرى ووسائل النقل العمومي، وفتح المجال الجوي والبرّي، كلها عوامل تسببت في رفع عدد الإصابات".

أقل كلفة وربحًا للوقت

غياب المنهجية العلمية في إدارة الأزمة الوبائية، في مستوى وضع تصور للحد من انتشار الفيروس، ووضع التدابير اللازمة، ثم توفير الحاجيات الضرورية للمواطنين، دفع بطرح عدة أسئلة، أهمها: أين الحل؟ هل نعود إلى نقطة الصفر أم نساير مكافحة الأزمة يومًا بيوم؟ أم نسكِت المطالب الشعبية المتعلقة بقوت الملايين؟ هل نتخذ قرارات أكثر جرأة موازاة مع إعلان فشلنا في تسيير الأزمة والعودة إلى تحليلها من جديد، واتخاذ إجراءات استعجالية أهمّها تلافي انتشار أوسع للوباء في خضم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة؟ والتعامل مع الأزمة أنها حالة متحرّكة في الزمن ولكنها غير مستمرّة؟

 يسعى البعض إلى تقليل مخاطر تداعيات الأزمة الوبائية، بمبرر الخروج منها بأقل التكاليف والأضرار

هي أسئلة كثيرة قد تجيب عليها القرارات السياسية والسيادية والطبيّة في الجزائر، خصوصًا وأن توقف الإنتاج ومعه عجلة الاقتصاد، بحسب الخبراء يمكن تعويضها بمخططات أخرى، واعتبار الأزمة تجربة صعبة في تسيير الدولة، عانت منها جميع الدول، فيما يسعى البعض إلى تقليل مخاطر تداعياتها، بمبرر الخروج منها بأقل التكاليف والأضرار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رقم قياسيٌّ في عدد إصابات كورونا منذ انتشار الجائحة

مدير معهد باستور: الأعراس هي سبب ارتفاع إصابات كورونا