14-نوفمبر-2021

(الصورة: كلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر2)

يقضي الأستاذ كريم عوايدية (34 سنة) من ولاية تبسة من أقصى الشرق الجزائري أكثر من سبع ساعات للوصول إلى جامعة سطيف، فهو أستاذ جامعي برتبة أستاذ محاضر، أنهكه التنقّل بين الجامعات بسبب بعد المسافة أولًا، رغم أنه يقدّم دروسًا بمقدر ثلاثة أيام في الأسبوع، وضعف الأجرة التي يتقاضاها شهريًا أمام غلاء كراء منزل بالقرب من الجامعة.

تبدو أزمة السكن أكثر تعقيدًا عند الأستاذات الجامعيات، فأغلبهن يضطررن لحجز غرف في الأحياء الجامعية الطلّابية للإناث

يعترف الأستاذ عوايدية لـ "الترا جزائر"، أن الظروف تضطره في بعض الأوقات إلى استئجار غرفة في سكنٍ جماعي لليلة واحدة، في عددٍ من المدن الجزائرية من أجل أن يكون حاضرًا في الجامعة، مثلما حصل معه في ولاية المدية والوادي أيضًا، أو فنادق صغيرة بأرخص الأثمان.

اقرأ/ي أيضًا: في زمن كورونا.. تباعد اجتماعي وتقارب تكنولوجي

في هذا السياق، يروي بعض الأستاذة أنهم قضوا لياليَ في المساجد وحتى في محطّات النقل أو في متنقلين على مقاعد القطار ليلًا ليكملوا مسيرة التعليم في النهار، وهذا بسبب عدم قدرتهم على توفير مأوىً لهم في تنقلاتهم إلى عدّة جامعات لغايات أكاديمية، قد تتعلق في بعض الأحيان بالإشراف على الطلبة أو تحضير المناقشات والأيام الدراسية وحتى التعليم وإلقاء المحاضرات.

هذه الحالة التي يعيشها الأستاذ عوايدية، هي صورة من بين حالات كثيرة لأساتذة ومعلمين في أسلاك التربية والتعليم العالي بالجزائر، لكنّها في الجانب الآخر تظهر مدى معاناة الأساتذة مع إيجاد مكان للراحة قبل وبعد ساعات المحاضرات وتأدية واجباتهم التعليمية.

في مقابل ذلك،  تبدو أزمة السكن أكثر تعقيدًا عند الأستاذات الجامعيات، فأغلبهن يضطررن لحجز غرف في الأحياء الجامعية الطلّابية للإناث والرضوخ للأمر الواقع، إذ تشرح الأستاذة وافية شعباني من ولاية باتنة بمنطقة الأوراس شرق الجزائر، أنها عاشت هذا الوضع لسنتين كاملتين فور توظيفها بجامعة مستغانم غرب الجزائر، فكان الحلّ الوحيد أمامها أن تتقاسم غرفتها مع إحدى طالباتها، وهذا في حدّ ذاته يطرح علامة استفهام كبرى، على حدّ تعبيرها.

الوظيفة أم السكن ؟

عاشت أستاذة الحقوق شعباني فترة طويلة في العمل بنظام التدريس المؤقّت عبر مختلف الكليات والجامعات الجزائرية، وهو التدريس بالساعات لفترة تزيد عن خمس سنوات كاملة كأستاذ مساعد، حيث كشفت لـ "الترا جزائر"، أنها استمرت في هذا الحال إلى غاية أن فازت في مسابقة التّوظيف أخيرًا، وحصلت على منصب قارّ، وأجرة منتظمة كأستاذة محاضرة، غير أن فرحتها بالمنصب والاستقرار الوظيفي لم تدم طويلًا أمام المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، بداية من محاولاتها الحثيثة لاستئجار بيت رفقة زميلة لها.

بات واضحًا أن السّكن بالنّسبة للأستاذة شعباني وغيرها من الأستاذة هو العائق الأكبر أمام الحصول على وظيفة أستاذ جامعي، إذ لا توفر الوزارة للأساتذة أثناء التوظيف بعد إجراء المسابقات السكنات الوظيفية كما في السابق، وهي معضلة كبيرة خصوصًا أن السكنات الوظيفية باتت ملفًا شائكًا ويثير الكثير من التساؤلات في الجزائر، خصوصًا وأن ملف رفض بعض الأساتذة التخلي عن سكناتهم الوظيفية رغم انتقالهم إلى جامعات أخرى، بات أحد الملفات المطروحة على مكتب وزير التعليم العالي.

ولكن الأمر بالنسبة لأي أستاذ صعب المنال في وقت تكتفي بالحصول على الوظيفة وبدء رحلة البحث عن كراء شقة وتأدية مبالغ الفواتير الكهرباء والغاز، حتى وإن اقتسمها البعض فيما بينهم مع زملاء لهم في التعليم العالي، في المقابل يبدو أن الأمر عسير بالنسبة للأساتذة وعائلاتهم.

السكن والوظيفة

منذ سنوات طويلة، يشتكي أستاذة التعليم العالي من أزمة السكن، كغيرهم من الجزائريين لأسباب كثيرة، غير أن إيجاد مأوى قارّ في قطاع التعليم العالي للأساتذة، قد أخذ أبعادًا كثيرة، تحتاج من الوزارة إعداد برنامج ومخطط لإعادة هيكلتها، وتقديم حلول عاجلة في التوظيف، وتسهيلات للأستاذة في الحصول على سكنات، من مختلف الصيغ التي تطرحها الحكومة الجزائرية.

في هذا الموضوع، تحدث الباحث الأستاذ فريد هيشور عن العوامل المؤثّرة في آداء الأستاذ الجامعي فبالإضافة إلى الأجر فإنّ السكن هو المحيط الذي تتوافر فيه شروط الحياة عمومًا، إذ اعتبره من أهم المؤشّرات المرتبطة بالآداء الوظيفي للأستاذ، على حدّ قوله.

يقول الأستاذ هيشور في حديث إلى "الترا جزائر"، إن السكن عامل مهم جدًا في جودة المخرجات من التعليم للأستاذ، فهو "مصدر الاستقرار الذي يفتقده الكثير من الأستاذة الذين يعانون بسبب بعد مقر سكناهم عن الجامعة التي يشتغلون فيها".

وبحسب المتحدث، فإن "هناك أساتذة تبعد مقرّات عملهم مسافة 400 كيلومترًا، وهو ما يضطرهم إلى الاعتماد على العديد من الوسائل، بغية إيفاء واجباتهم المهنية، بينما هي في الحقيقة تؤثر كثيرًا على مردودهم المعرفي".

الاستقرار في ميزان المعرفة

هنا، لا بدّ من بيان أن دور الأستاذ ليس يوم الوصول إلى قاعة الدّرس بل أبعد بكثير من ذلك، إذ من مهامه التدريس -التي تقوم حسب الأستاذة شهرزاد لمجد - بتنمية القدرات الفكرية والمعرفية للطالب، وتحسين مستوى الفهم والاستيعاب لديهم، وزياد مهاراتهم في مواجهة التحديات اليومية في عديد المجالات.

بيدوغاجيًا أيضًا، من مهام الأستاذ الإشراف على المذكّرات ومناقشتها في مختلف المستويات الليسانس والماستر والدكتوراه، وعلاوة على ذلك وظيفة البحث العلمي، لتحقيق تنمية مهاراته كأستاذ وخبرته في مجال تخصصه، والمشاركة في التظاهرات والفعاليات العلمية، فضلًا عن الإنتاج العلمي من خلال نشر مقالات علمية وأبحاث، القيام بمشاريع البحث والانضمام إلى فرق بحث ليسهم في تنمية الجامعة ونشر المعرفة.

هنا، تتحدث الأستاذة شهرزاد لمجد في حديث إلى "الترا جزائر" عن العلاقة بين صحة الأستاذ الذهنية والجسدية والنفسية واستقراره في السكن، بآدائه الوظيفي وجودة التعليم أيضًا، لافتة إلى أنه لا يعقل أن يظل الأستاذ الجامعي يلهث وراء النقل والسكن في حين أن موقعه هو الجامعة كطرف فاعل في المعرفة، في وقت يعترف فيه الكثير من أستاذة الجامعات أن السكن يظلّ هاجسًا كبيرًا لديهم رغم أن إحصائية النقابة الوطنية.

وبخصوص هذا الأمر يرى المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي في الجزائر (نقابة تدافع عن حقوق الأساتذة)، أن توفير السكن للأساتذة هو ما يضمن لهم كرامتهم وتجعلهم يتفرّغون للعمل التام والمريح لمهامهم العلمية والبيداغوجية، إذ لفت المسؤول عن النقابة الأستاذ عبد الحفيظ ميلاط في إفادة  له أن المجلس تمكّن  مؤخرا من إثارة موضوع 78 أستاذًا بجامعة البليدة، لحلّ مشكلة الإيواء، إذ كشف المنسق الوطني للنقابة أن هؤلاء الأساتذة يقطنون في مناطق داخلية بعيدة جدًا عن محلّ اشتغالهم بالجامعة، إذ وعدت الوزارة بإسكانهم في إقامات لائقة ستخصّص للأساتذة في المستقبل القريب.

رغم هذه الخطوة الإيجابية إلا أن إشكالية الأساتذة غير منحصرة في جامعة واحدة بالجزائر

رغم هذه الخطوة الإيجابية إلا أن إشكالية الأساتذة غير منحصرة في جامعة واحدة بالجزائر، وهي ما تحتاج إلى إعادة النظر في منظومة التوظيف في الجامعات وجعل الإيواء متلازمًا مع التوظيف، حسب ما طرحه الأستاذ علي قادري من جامعة الجزائر للعلوم السياسية مشيرا لـ "الترا جزائر"، أن هذه المعضِلة تحتاج قرارًا سياديًا تزيح "حِملًا ثقيلًا عن عاتق الأستاذ الجزائري الذي أضحى يلهث وراء السكن والنقل في حين أن مهمته باتت في ذيل ترتيب أولوياته اليومية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل

شبح السنة البيضاء.. ما الذي قد يؤدي إليه إضراب طلبة الجامعات؟