24-يونيو-2021

الأحزاب الإسلامية تشكل ثلث مقاعد البرلمان الجزائري تقريبًا (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

أثبتت الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر أن الأحزاب المنضوية تحت ما يسمى بـ"التيار الإسلامي"، أنها قوة سياسية متجذّرة في الجزائر، برغم الظروف والمصاعب التي مرّت بها في المرحلة السابقة، والانقسامات الحادة في المواقف بين تشكيلاتها الحزبية، وتشرذم بعضها وانشِطارها على أحزاب صغيرة، إذا بات الاسلاميون يحوزون ربع مقاعد المجلس الشعبي الوطني الجديد.

تفيد الأرقام حيازة الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي خلال الانتخابات التشريعية مجتمعة على 106 مقعد

ظاهريًًا، تفيد الأرقام حيازة الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي خلال الانتخابات التشريعية مجتمعة على 106 مقعد، منها: 64 مقعد لحركة مجتمع السلم، و40 مقعد لحركة البناء الوطني، فيما حصلت جبهة العدالة والتنمية على مقعدين فقط. 

اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب الإسلامية الجزائرية تهاجم بقوة الرئيس الفرنسي

وفي قراءة أولية لهذه الإحصائيات، تعدّ حركة مجتمع السلم قائدًا للتيار الإسلامي بحسب المتتبعين للشؤون السياسية في الجزائر، وذلك لأنها تعتبر أو " الأم الحاضنة" التي خرج من رحمها عدّة أحزاب بعد انقسامات شهدتها خلال فترة ما بعد وفاة الراحل المؤسّس محفوظ نحناح قبل 18 سنة، مثل حركة البناء الوطني التي يقودها حاليًا الوزير السابق عبد القادر بن قرينة، إذ تتقاسم الأخيرة نفس المرجعية مع حركة "حمس". 

إن الحديث عن تحالف يجمع هذه الأحزاب الثلاثة، سابق لأوانه، غير أن كل هذه المعطيات تظهر عدة ملاحظات وجب الالتفات إليها، خصوصًا وأن التيار الإسلامي، سبق له أن دخل تجربة تحالفات من أجل تقوية عوده في الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري، فينما عرف بـ "تكتّل الجزائر الخضراء" عقب انتخابات 2012. 

كملاحظة أولى، هذا التيّار حصل على رُبع المقاعِد أي 106 مقعد من مجموع 407 مقعد، وهو ما لا يؤهّلهم لأن تكون قطعة متكاملة وقوة ضاربة في المجلس الشعبي الوطني، إن سلمنا اختلاف وجهات النظر خاصة بين حرك مجتمع السلم وحركة البناء الوطني، إذ تمسّكت الأولى بمترشحين للتشريعيات من خزانها النضالي بينما فتحت الثانية أبوابها لمترشحين من خراج مناضليها بلغت نسبة 65 بالمائة بحسب تصريحات رئيسها بن قرينة. 

غير أنه حسب التصريحات خلال الحملة الانتخابية وقبلها حتّى، هذه الانتخابات لم تنصِف الاسلاميين بحيث أبقَت على هامِش مناورتهم السياسية محدودة الى حد ما، لعدم امتلاكهم للثلث المعطل أو كتلة أكبر تتيح لهم لعب دورٍ رئيس في تحديد الخيارات وحسم المشاريع والقوانين.

وبذلك فإن الملاحظة الثانية، تتعلّق بقيمة أحزاب "التيار الإسلامي"، التي تعتبر قوة ظاهرة من حيث العدد، ويجعلها قوة سياسية مهمّة في الساحة السياسية الجزائرية. 

قوّة اقتراح 

مع ذلك، هناك قراءة سياسية ثانية، لحالة هذه الأحزاب، إذ يرى الأستاذ نبيل عوابدية من كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة باتنة، شرق الجزائر، أن هذا التيار "لا يمكنه أن يفرض شروطه السياسية على رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، موضحًا بالقول:" بالرغم من أن الرئيس تبون أبدى مواقفه حيال التيار الإسلامي، بأنه لا مشكلة له مع هذا التيار"، وهي مواقف قالها الرئيس في العلن، توحي بتعامله مع الأحزاب الإسلامية بسلاسة وبأريحية. 

وفي هذا المناخ السياسي، توحي مختلف المؤشّرات حسب الأستاذة عوابدية في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الأحزاب مجتمعة لن تتمكن من فرض رؤيتها على الرئيس في تشكيل الحكومة المقبلة، وحتى مسألة الانخراط في جهة المعارضة لن يتأتّى لها بسبب مواقفها من الانتخابات والمشاركة في مشروع بناء المؤسّسات والانخراط في استراتيجية السلطة في مشروع بناء الجزائر الجديدة، على حدّ تعبيره. 

لتوضيح هذا الواقع الانتخابي، وبالعودة إلى مسار الانتخابات التشريعية عقب فتح المجال السياسي للتعددية الحزبية، نجد أن التيار الإسلامي، ظل مراوحا لعدد المقاعد تحت سقف المائة مقعد وذلك منذ 1997، ولذلك تفسيرات متعلق بالبيئة السياسية التي تعرفها الجزائر منذ تسعينيات القرن الماضي. 

وعطفًا على ذلك، ترى الحقوقية والباحثة في القانون الدستوري نبيلة حيمور أن انتخابات ما بعد دستور 1989، وصعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة بنتائج صادمة للنظام السياسي آنذاك، أسهم في تحولات جذرية في نظرة المنظومة السياسية لهذا التيار، ما يترك الانطباع حسبها أن الطبقة الحاكمة في البلاد تضع احترازات تجاه هذا الفاعل السياسي في الساحة من إسلاميين من مختلف مرجعياتهم، على حدّ تعبيرها.

تشتّت المرشّحين

والواقع أن هناك، حدّ ما يسمح للتيار الإسلامي في الجزائر أن يمارس السياسة، إذ استبعدت الأستاذة   حيمور في حديث إلى "الترا جزائر"، أن يكون هذا التيار شريكًا أساسيًا في الحكم على غرار دول مرت بهذه التجارب. 

لكن هناك ملاحظة ثالثة، حول الشأن الحزبي في الجزائر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، تتعلّق بتفتيت الساحة السياسية بين أحزاب كبرى تقليدية وأحزاب جديدة خرجت من رحم أحزاب أخرى، فضلًا عن القوائم المستقلة التي اكتسحت المشهد خلال الحملة الانتخابية.

هذا المعطى المهم، يترك انطباعًا أن الأحزاب الإسلامية تمكّنت رغم الوضع السياسي من إيجاد مكانة لها بين الأطياف السياسية والحساسيات الحزبية والفكرية التي دخلت المنافسة التشريعية. 

إذا ما نظرنا إلى التّصريحات التي أطلقها كل من رئيس حركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني قبيل إعلان النتائج غير النهائية للتشريعيات، نستشف أن كلاهما كان يتوقّع فوز ساحق لكتلتهما وتصدرهما الفوز الانتخابي، والمشهد البرلماني القادم.

وفي هذا الصدد، لفت الناشط السياسي فريد بلمهان، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن موقع حركة حمس بعيد عن توقعات الوعاء السياسي والانتخابي الخاص بها، رغم أن رئيسها عبد الرزق مقري أظر رضاه عن النتائج، غير أنها في مقابل ذلك، يضيف المتحدث "لا يمكنها بهذه النتائج أن تلعب دورا مركزيا في الحكومة المقبلة، وحتى في قبة البرلمان"، أي أن "دورها لن يكون رئيسي"، حسب قوله.

وبخصوص حركة البناء، أضاف قائلًا أنها ّنالت مقاعد أكثر من موقعها الطبيعي في الساحةّ"، لافتًا إلى أن حركة البناء مهادنة على طول الخطّ، ويعترف مناضلوها بأنهم يقدمون مشروعا سياسيا يتماهى مع المرحلة ومع توجهات السلطة الحاكمة. 

أما بخصوص جبهة العدالة والتنمية، التي يرأها الشيخ عبد الله جاب الله، فهي خسرت رهانات كبرى بحيازتها على مقعدين فقط، وهو ما يعني أن الحركة حسب المتابعين، تلقت ضرب قاصمة تحتاج منها إعادة حسابات وإعادة قراءة المشهد السياسي ومكانة منهجها في الساحة. 

التيّار الإسلامي لن يتمكّن من فرض اشتراطاته لقيادة الطاقم الحكومي

قراءة أخرى، للواجهة البرلمانية الجديدة، تفيد أن التيّار الإسلامي لن يتمكّن من فرض اشتراطاته لقيادة الطاقم الحكومي، حتى العودة إلى صف المعارضة يعتبر صعب جدًا، خاصة وأن الخريطة السياسية للبرلمان يمكن أن يحدث جدارًا سياسيًا قويًا مشكلًا من كل حزبي الموالاة: "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة المستقبل" وحتى الأحرار في تشكيل حكومة، وهو ما يعني أن التيار الإسلامي سيجد نفسه أمام مأزق المشاركة في الحكومة، في انتظار قرار الرئيس تبون في تشكيلته الحكومية المقبلة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأحزاب الإسلامية في الجزائر.. يدٌ مع الحراك وأخرى مع السلطة

موقف الأحزاب الإسلامية من تعديل الدستور.. ثلاثة ضدّ ثلاثة