25-يونيو-2022
قاعة تدريس بأحد مدارس العاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

قاعة تدريس بأحد مدارس العاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 19 حزيران/ جوان 2022، باعتماد تدريس اللغة الإنجليزية لتلاميذ المدارس بدءًا من الطور الابتدائي، وهذا "بعد دراسة عميقة للخبراء والمختصين"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية. 

أعاد هذا القرار طرح إشكالية تمدد اللغة الإنجليزية على حساب الفرنسية في المدارس والجامعات والإدارات والهيئات الرسمية

وأعاد هذا القرار طرح إشكالية تمدد اللغة الإنجليزية على حساب الفرنسية في المدارس والجامعات والإدارات والهيئات الرسمية، وفتح النقاش مجددًا حول من يدعم استمرار التيار الفرانكوفوني في الجزائر بعد 60 سنة من الاستقلال.

وفي حين تثمن الطبقة السياسية ومعظم نقابات التربية هذا القرار، وتصفه بـ"الخطوة الشجاعة" لوضع حدّ لتغول "الفرونكوفونيين"، تحذر بعض التيارات من الصراعات الإيديولوجية والسياسوية التي سبق وأن أثرت سلبًا على المدرسة الجزائرية طيلة عقود من الزمن.

ويطالب أصحاب هذا التوجه بإبعاد المدرسة والتلاميذ عن الصراعات، داعيين إلى الانشغال بتطوير المقررات والمناهج الدراسية، بدل التركيز على استبدال الفرنسية بالإنجليزية أو أيّة لغة حية أخرى.

سباق بين الإنجليزية والفرنسية 

وتشهد مقترحات تطوير البرامج التعليمية في الجزائر صراعًا حادًا بين المطالبين باعتماد الإنجليزية وتعميمها في كافة الأطوار الدراسية، وأولئك المدافعين عن بقاء الفرنسية كلغة أجنبية حية أولى.

ويقول مفتش التربية الوطنية السابق مسعود عمراوي في تصريح لـ"الترا جزائر": "حتى الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية بدأت التخلي عنها، لعدم مواكبتها للتطور العلمي والتكنولوجي، بل وحتى فرنسا نفسها فرضت تدريس اللغة الإنجليزية في مدارسها بدءا من السنة الثانية ابتدائي ومنذ سنوات".

وذهب المتحدث أبعد من ذلك مصرحًا: "نشريات معهد باستور السيادية تصدر باللغة الإنجليزية، الجزائر فقط من تتشبت باللغة الفرنسية وكأننا فرنسيون أكثر من فرنسا".

ويعتقد عمراوي أن اللغة الفرنسية عاجزة عن منافسة الإنجليزية، لذلك "تسعى فرنسا ووكلاؤها حسبه، لإبقاء هذه الأخيرة مستعملة كلغة أجنبية أولى في الجزائر ودول المغرب العربي، أي مستعمراتها السابقة".

ويستوجب ذلك وفق المفتش السابق، البدء سريعًا في عمليات التحضير لاستبدال الفرنسية بالإنجليزية في المدارس الجزائرية، من خلال فتح ورشات عمل لأهل الاختصاص وتكوين الأساتذة المتخرجين من الجامعات وتحضير برنامج للأقسام النموذجية التي يرتقب إطلاقها في الدخول المدرسي المقبل، إلى حين تعميم العملية خلال السنة الدراسية 2023/2024 مع ضرورة إيلاء المشروع اهتمامًا بالغًا. 

ورغم مزايا القرار، يفترض وفق عارفين، الابتعاد عن الارتجال والتسرع، لتفادي تكرار التجارب السابقة التي عرفت فشلًا ذريعًا، والعمل بسرية وفي غرف مظلمة هذه المرة لإنجاح الخطوة، وإسناد الأمر لأهله، مع تحديد أجندة زمنية لتجسيد المشروع في الميدان، والعمل الحثيث مع المختصين لإعداد البرامج والكتب المدرسية التي يجب أن تراعي النمو العقلي لتلميذ هذه المرحلة.

من يدعم تمدد الفرنسية؟

ويختلف مراقبون حول تحديد من يدعم بقاء الفرنسية كلغة أجنبية أولى في الجزائر، بعد ستة عقود كاملة من الاستقلال. 

ويؤكد المحلل السياسي عبد الرحمن بن شريط في تصريح لـ"الترا جزائر" إن إدراج الإنجليزية في المدارس الابتدائية على حساب الفرنسية، قد يحدث حساسيات كبرى، لاسيما وأن بعض الأطراف تربط هذه الخطوة بنهاية اكتساح الفرنسية، حيث سبق هذا القرار اتجاه بعض الوزارات إلى إسقاط الفرنسية من تعاملاتها في البيانات والمراسلات والفواتير.

واعترف المتحدث بوجود لوبي في الجزائر، يعمل على فرض الفرنسية في كل المعاملات والإدارات وليس فقط في المدرسة.

ووفق بن شريط، فقرار إدارج اللغة الانجليزية على حساب الفرنسية هو أحد مطالب الحراك الشعبي الذي نادى إلى استبعاد الفرنسية وإنهاء هيمنتها وهو ما استجاب له الرئيس تبون. 

ويعتقد المتحدث أن تجسيد هذا القرار الصعب سيكون على مراحل بالنظر للعلاقات التاريخية والثقافية التي تربط الجزائر بفرنسا،  كما يؤكد أن إقرار اللغة الإنجليزية في المدراس سيكون بمثابة صفعة لباريس، ومن شأن هذه الخطوة توتير العلاقات بين الدولتين، يضيف المتحدث.

وهنا يؤكد مفتش التربية السابق مسعود عمراوي: "تخوفي من وكلاء فرنسا لا يزال قائمًا، هؤلاء مكلفون بمهمة ويجتهدون لحماية اللغة الفرنسية في الجزائر".

وحسب المتحدث، فالتجارب السابقة المجهضة للمشروع تثير الريبة اليوم، حيث كانت البداية بتولي الدكتور علي بن محمد وزارة التربية الوطنية سنة 1990 وأحدث وقتها نقلة نوعية في القطاع، واتُّخذ في مجلس الوزراء قرارا يقضي بإدخال اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم الابتدائي إلى جانب اللغة الفرنسية، فتصدى بشدة لهذا المشروع التيار الفرونكوفوني في الجزائر، وتم وأده في المهد بعد تجربة ناجحة على الأقسام النموذجية آنذاك، والأكثر من ذلك _ يقول عمراوي _ خرج الوزير من الباب الضيق، بعد مؤامرة تسريب أسئلة شهادة البكالوريا على نطاق واسع سنة 1992.

وبعد عام من تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمور البلاد، وتحديدا بتاريخ 13 أيار/ ماي 2000 وبناء على المرسوم الرئاسي رقم 101/2000 المؤرخ في : 05 صفر 1412 الموافق لـ : 09 ماي 2000 المتضمن إحداث اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية نصبت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي ترأسها رئيس جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا الدكتور علي بن زاغو.

 وبالرغم من أن أهم توصياتها كانت إدراج اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي، إلا أن المشروع أجهض ولم يجسد على أرضية الميدان وطوي الملف نهائيًا.

مقترحات لإنجاح المشروع

ويقترح المكلف بالإعلام لدى المجلس المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار "الكناباست" مسعود بوديبة، جملة من الحلول لإنجاح التحول من الفرنسية إلى الإنجليزية بالمدارس الجزائرية، أولها هيكلة جديدة للتعليم الابتدائي وإصلاحات جذرية تكون عبر إدراج ما يعرف بمنظومة تعليم اللغات.

ويرى المتحدث أنه من الصعب إدارج اللغة الانجليزية في المدارس الجزائرية دون ذلك، ويقول بوديبة لـ "الترا جزائر": "الموضوع يفرض دراسة دقيقة وإمكانيات مادية وبشرية وتجنيد أستاذة مختصين وإخضاعهم لتكوين  معمق خاصة في الابتدائي".

كما يقترح المتحدث قبل إدراج الإنجليزية، معالجة مشاكل كثافة الدروس والحجم الساعي وثقل المحفظة، التي ترهق التلاميذ.

يبقى تعليم اللغات في الجزائر يثير الكثير من التساؤلات سواء تعلق الأمر بالفرنسية أو الإنجليزية

وفي الأخير ، يبقى تعليم اللغات في الجزائر يثير الكثير من التساؤلات سواء تعلق الأمر بالفرنسية أو الإنجليزية، حيث يدرس التلميذ الفرنسية لـ10 سنوات ولا يحسنها والإنجليزية لسبع سنوات ولا يتقنها، فما سبب عدم تحكم خريج المدرسة الجزائرية في اللغات الأجنبية؟!