21-يونيو-2022
(الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

أثار قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بخصوص البدء في تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية بداية من الموسم الدراسي المقبل الكثير من التساؤلات، إذ ربطها البعض بمحاولة لزحزحة اللغة الفرنسية، فيما علق البعض الآخر عن طريقة التدريس وتوفير الإمكانيات للمرور لهذه الخطوة المصيرية في مستقبل الأجيال.

سيد أحمد عليلات: القرار يدخل في خانة المشاريع التعليمية التي تتقاطع مع المشاريع الحضارية والهوياتية

وفي هذا الإطار، كشف بيان للرئاسة الجزائرية بأن مجلس الوزراء برئاسة الرئيس تبون قرر "اعتماد اللغة الإنكليزية، بدءًا من الطور الابتدائي، بعد دراسة عميقة، للخبراء والمختصّين"، ولم يكشف البيان ما إذا كان هذا القرار سيدخل حيّز التطبيق خلال الموسم الدراسي المقبل، أو سيتم عرضه على لجنة مختصة لإتمام إجراءات التّنفيذ.

غياب التّفاصيل

يصف كثيرون أيّ قرار متعلق بتدريس اللغات في المدارس الجزائرية بالعودية إلى "سجن اللّغة"، إلى هنا، توحي مخرجات بيان مجلس الوزراء الأخير برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، أنّ المدرسة الجزائري تحتاج فعلًا إلى إعادة نظر وقراءة من جديد، سواء تعلّق بالمناهج أو اللّغات أو الدروس التي تقدم للتلاميذ.

في انتظار إصدار مختلف التفاصيل المتعلقة بهذا القرار، لم يفسر المصدر الرّسمي حسب بيان المجلس، إن كان تدرس اللغة الإنجليزية يرمي إلى إلغاء دراسة اللّغة الفرنسية أو اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة رابعة تدرّس في المؤسسات التربوية بدءًا من مرحلة الابتدائي، إضافة إلى كل من العربية والأمازيغية والفرنسية، أم هي تجربة جديدة يراد منها إنهاء فترة تاريخية، بقرار سياسي؟

كلّها أسئلة، وكثير سواها تستحق أجوبة ورؤية متأنية، خصوصًا وإن علمنا أن الواقع شيء مختلف عن بيان رسمي، والقيام بدراسة منهجية لمخطط إدراج اللغة الإنجليزية في السنوات الدراسية الأولى، يحتاج إلى مراجعة وتقييم للتأكّد من تحقيق أهدافه بإيجابية.

وفي هذا المضمار، قال سيد أحمد عليلات، أستاذ اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالجزائر العاصمة، إن القرار يدخل في خانة المشاريع التعليمية التي تتقاطع مع المشاريع الحضارية والهوياتية، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر" أن القرار في قطاع التربية والتعليم، يعدّ بناء أصليًا لأي مجتمع متحضِّر ونتائجه تنعكس على مختلف القطاعات، بينما المشاريع الأخرى هي تحصيل حاصل.

وأضاف في هذا السياق، بأن تدريس اللّغات لا يمكن أن يكون مجرّد قرار فقط، لأن التّطبيق يحتاج إلى عدة إجراءات وآليات تسبق الموسم الدراسي، أهمها: تحضير الكتب المدرسية وطريقة التدريس، والكوادر المعنية بالتدريس فضلًا عن الشّروط النّاجعة لذلك.

تجربة ومخطّط

على خلاف هواجس كثيرين بخصوص تعليم اللغة الإنجليزية، ذهب البعض إلى " قراءة القرار" بأنه استخلاف لغة بأخرى، أي استخلاف الفرنسية بالإنجليزية، وهذا ما لم يذكره البيان أو لم يعلق عليه بعد وزير التربية الوطنية، فاعتماد لغة جديدة في حدّ ذاته مشروع وجب الاشتغال عليه كثيرًا، خاصة أمام تجذر الإدارة الفرنسية منذ عشريات من الزمن، وسيطرة الفرنسية على الساحة القطاعية، وفي مختلف المجالات يفترض أن الأمر من الصعب تغييره بجرّة قرار وقلم.

من خلال هذا الطرح، يرى مختصّون في التعليم أن هذا الأمر يمكن تلافيه، خاصة وأن "الفرنسية كلغة في التعاملات اليومية آيلة للزوال"، خاصة أن الفرنسية المستعملة في نظر البعض ليس تلك الفرنسية الرّفيعة، لهذا فتقييم اللغات ووضع مخططات لتدريسها يمرّ عبر تأسيس لمنهج دراسي كامل يبدأ في ممارسته مع الدخول المدرسي المقبل.

 البعض ينظر للغة الإنجليزية أنها لغة عالمية ولغة العلم، من واجب الجيل الجديد تعلمها، غير أن الإشكالية المطروحة حاليًا، تتعلق أساسًا بـما أطلقت عليه أستاذة اللغات بجامعة بوزريعة كريمة تامي " تأطير التدريس" في المدارس الابتدائية، فأين هو الكادر البشري لتعليمها؟ وأين هي الكتب التي ستعتمد فعليًا أيضًا لتلقينها في المدارس، خاصة إن علمنا أننا نتعامل مع طفل في عمر السادسة؟

اعتبرت أن أي قرار في هذا المسار "ارتجاليًا" يحتاج إلى الاستناد إلى خبراء وأهل الميدان من أساتذة التعليم الابتدائي من لهم خبرة في الميدان من لم علاقة وطيد بالتعليم، خصوصًا في المراحل الأولى من حياة الجيل الحالي، لافتة إلى الطفل في المرحلة التعليمية الأولى لا يملك قاعدة قرائية للغة العربية، فكيف يمكن أن تضاف له لغة أخرى؟

مرحلة "مريضة"

في هذا السياق، وصف بعض المتابعين للشأن التربوي بأن "القطاع مريض"، حتى إن حاولنا ترقيع بعض الاختلالات، فمشكلة اللغة ليست الوحيدة في هذا المجال، ولا المحفظة الثقيلة، بل الأمور تبتعد إلى أعمق المشكلات التي تتعلق أساس بالمناهج وطرق التدريس ونوعيته وتكوين الأساتذة وتحسين وضعهم المهني والاجتماعي.

بالإضافة إلى العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية المدنية والقراءة والحساب والفرنسية، تأتي الإنجليزية لتطرح أكبر سؤال متاح اليوم: هل الطفل بإمكانه استيعاب كلّ هذا؟ وهل الوزارة لا تملك استبيانات عن تقييم شامل للتعلّم؟ ولماذا لا تستغلّ الدراسات الجامعية التي تخوض في هذه الأسئلة، وتعطي بحوثًا ميدانية حول التربية والتعليم عمومًا؟

"هل الطفل بحاجة إلى اللّغة الإنجليزية أم هي ضرورة لتعلّمها لتكون له درعًا واقيًا مع لغة العلم والتكنولوجيا؟"، تساءل الأستاذ كريم بوماطة وهو أستاذ فلسفة قسم الباكالوريا بثانوية المقراني ببن عكنون، موضحًا أنه يثمن قرار تعلم الإنجليزية لدواعي علمية واقتصادية، ولكن وجب التحذير من أنه على مدار سنوات المدرسة الجزائرية أنتجت طلبة جامعات لا يحسنون أيّة لغة سواء العربية أو الفرنسية.

رفعت أصوات كثيرة قبل سنوات دعوات لزحزحة اللغة الفرنسية من المقررات الدراسية وتعويضها بالغة الإنجليزية

الملفِت للنظر أن عودة الحديث عن اللغة الإنجليزية، هذه المرّة أصبح قرارًا سياديًا، إذ رفعت أصوات كثيرة قبل سنوات دعوة لزحزحة اللغة الفرنسية من المقررات الدراسية وتعويضها بالغة الإنجليزية، وذلك لاعتبارات وظيفية، خاصة وأن اللغة الإنجليزية لغة تواصل عالمية ولغة العلوم والتكنولوجيا.