سبق لـ"ألترا صوت" أن تناول ظاهرة الأفارقة المتسوّلون في الفضاء الجزائري، وكيف تحوّلوا إلى حقيقة اجتماعية تفاوت التّعاطي الشّعبيّ معها بين متسامح ومتفهم للظروف السّياسية والاقتصادية والأمنية، التي دفعت بهم إلى الهجرة، ورافض لوجودهم بحجّة أنّه يهدّد الأمن الصحيّ والقوميّ للبلاد.
أثار مقطع فيديو لرجل جزائري يعتدي بالضرب على طفل أفريقي، حالة استياء كبيرة سواءً في الأوساط الشعبية أو الحكومية
ويعتمد الأفارقة القادمون أساسًا من دولتي مالي والنّيجر المجاورتين للحدود الجنوبية للجزائر، التي تقدّر سلطاتها عددهم بحوالي 50 ألف لاجئ، بعد عمليات إجلاء عديدة؛ على الأطفال الصّغار في طلب المعونات من الجزائريين. فقد تمرّسوا على الأمر، وباتوا يفرضون وجودهم في الفضاءات العامّة ووسائل النّقل، ولهم في طلب المال طرق خاصّة تثير المرح عند البعض والاشمئزاز عند آخرين.
اقرأ/ي أيضًا: ترويع طفل لاجئ أفريقي يثير غضب الجزائريين
ظلّت معاملة بعض الجزائريين غير اللّائقة للطفل الأفريقيّ اللّاجئ محدودة الانتشار، رغم إشارات النّاشطين الحقوقيين إليها، إلى أن تداول نشطاء مواقع التّواصل الاجتماعي هذه الأيّام مقطع فيديو ظهر فيه طفل أفريقي في محطّة للنّقل في مدينة عنّابة، الواقعة على بعد 600 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، وهو يتلقّى الصّفع المفضي إلى السّقوط، من طرف مواطن جزائري. وهو السّلوك الذي حرّك الأوساط الشعبية التي دفعت بضغوط السوشيال ميديا إلى تحرك الحكومة أيضًا.
إذ في سابقة من نوعها، أصدرت ولاية عنّابة بيانًا قالت إنّه بلغ مصالحها فيديو يظهر فيه اعتداء على طفل من دول السّاحل من طرف شخص بالغ، "في هذا الصّدد قامت ولاية عنّابة بتحريك الدّعوى العمومية ضدّ مجهول لدى السّلطات القضائية قصد متابعة مرتكب هذه الأفعال المدانة وغير المقبولة".
وأضاف البيان الذي استحسنه قطاع واسع من الجزائريين: "على هذا الأساس، فإنّ السّلطات العمومية تعلم الرّأي العامّ بأنّ كلّ مساس بالسّلامة الجسمية والنّفسية لأيّ شخص، بغضّ النّظر عن عرقه أو جنسيته، سيكون محلّ متابعة جزائية صارمة وفق قوانين الجمهورية".
كتب الإعلامي سيد أحمد بِلّونة في تدوينة على فيسبوك، في إشارة منه إلى أن الروح العدائية ضدّ المهاجرين الأفارقة ليست حكرًا على هذا الشّخص المعتدي أنّ "الكلّ مسؤول، ولو قاموا بتحريك دعوى قضائية سيتبيّن لهم أنّ 80% من أفراد مجتمعنا المريض كانوا سيفعلون نفس الشيء".
من جهته، نشر النّاشط حسام لعريط، صورة له مع طفلة أفريقيّة وكتب: "العنصرية ليست من شيمنا ولا من أخلاقنا. هكذا علّمنا ديننا". في السّياق، يشير عمر بارة لـ"ألترا صوت" إلى مفارقة في الذّهنية الجزائرية، هي أن "الجزائريّ يهاجر إلى أوروبّا بحثًا منه عن مناخات أفضل للعيش، ويستغلّ الحقوق والقوانين المكرّسة هناك في الحصول على ذلك، لكنه يرفض أن تكون بلاده محلّ هجرة الآخرين إليها".
وفي ظلّ أنباء عن إلقاء القبض على الجاني، يقرأ رئيس "منتدى المواطنة" كمال قرور هذا السلوك بصفته ثمرة للاحتكاك غير المدروس بين المواطنين والمهاجرين. يقول: "يجب التكفل بالمهاجرين الأفارقة، سواء من طرف السّلطات أو بالتّعاون مع المواطنين وتوفير الظروف الصحية والغذائية الملائمة، ومنعهم من التسوّل في الشوارع. لأنّ هذا التسوّل سيؤدّي إلى كوارث لاحقًا".
"الجزائري يهاجر إلى أوروبا بحثًا عن مناخ أفضل للعيش ويستغل الحقوق والقوانين هناك، لكنه يرفض أن تكون بلاده محل هجرة الآخرين لها"
وأضاف: "يجب حماية المهاجرين الأفارقة من أنفسهم ومن بعض الجزائريين، بتجميعهم في أحياء ولو من الخيام فيها كرامة ولا تحطّ من إنسانيتهم. وحماية إنسانية الجزائريين من أشكال العنف والتمييز والعنصرية واحتقار الآخر وما شابه ذلك".
اقرأ/ي أيضًا: