29-يوليو-2021

(الصورة: Getty)

 

يشكّل تحقيق انتعاش الاقتصاد وتنويعه أبرز مهام الحكومة الجزائرية الجديدة، التي يقودها الوزير الأوّل أيمن بن عبد الرحمان، بالنظر إلى تراجع مداخيل النفط وقلة الاستثمار الخاص والأجنبي، وهو ما جعل خبراء يدعون الحكومة إلى القيام بتعديلات قانونية ترفع الاحتكار العمومي لبعض القطاعات الحيوية.

كاد قانون المحروقات السابق الذي أتى به وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل أن يتسبب في منح خيرات البلاد الباطنية بالدينار الرمزي للشركات متعددة الجنسيات

وبالنظر إلى تجارب الجزائر السيئة مع الاستثمار الخاص والخارجي، يتساءل البعض إن كان التوجّه نحو رفع الاحتكار العمومي عن بعض القطاعات الحيوي خطوة في الاتجاه الصحيح أم خطأ اقتصادي يجب تجنبه مهما كانت الظروف.

اقرأ/ي أيضًا: تداعيات انهيار أسعار النفط.. حكومة جراد لا تملك الكثير من الأوراق

دعوة للانفتاح

قبل أيّام، نظم المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو المؤسسة التي يعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية ندوة حول "صناعات الشبكات: الكهرباء والغاز والمياه والنقل والاتصالات"، حضرها عدد من خبراء الاقتصاد الجزائريين والأجانب، حيث أجمعوا على أن تحسين الخدمات في هذه القطاعات لن يكون إلا برفع الاحتكار العمومي، عن طريق تعزيز نظام الضبط من أجل تقديم خدمة ذات جودة مثلى للمواطنين.

ولا تزال الجزائر تحتكر الاستثمار والتسيير في قطاعات الطاقة والغاز والمياه والاتصالات لاعتبارات استراتيجية وأمنية واجتماعية، فقد فشلت كل محاولات فتح هذه القطاعات على مصراعيها للخواص، رغم منح بعض فروع نشاطها للخواص كالاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة أو وجود متعاملين أجانب في قطاع الهاتف النقال.

وخلال الندوة، قدم الخبير الفرنسي المتخصص في الخدمات العمومية بيير بوبي عرضًا حول تجربة بلاده في تطور صناعات الشبكات، مشيرًا إلى أنه بعد احتكارها لعدة قطاعات لسنوات على سبيل المثال في مجال إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، كان عليها أن تتكيّف فيما بعد مع العولمة، والانتقال من "موقع الاحتكار إلى نظام قائم على المنافسة، ومن نظام ممركز إلى لامركزية أنشطته، أو حتى من وضع مانح الخدمة العمومية إلى منطق معاملة الزبون حسب قدرته على التسديد."

لكن وزير الطاقة الجزائري السابق عبد المجيد عطار، يستبعد إمكانية إنهاء الاحتكار في الإنتاج والتوزيع في الجزائر، من خلال منح التسيير بالامتياز، مثلما هو الحال بالنسبة للمياه مع شركة المياه والتطهير للجزائر "سيال".

حذر متواصل

تصطدم هذه الدعوة لتحرير الاحتكار العمومي في القطاعات الحيوية، بسياسة اقتصادية حذرة من الجزائر بفتح الباب أمام مصراعيه للقطاع الخاص، حتى ولو كانت بعض القوانين لا تصب في مصلحة اقتصاد البلاد مثلما يقول خبراء.

وطيلة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي لم تقدم سياسته شيئًا للاقتصاد الوطني بحسب محللين، ظلت حكوماته المتعاقبة تتبجح بالالتزام بتطبيق قاعدة 51/49 التي تحكم الاستثمار الأجنبي لكن دون أن تقدم قيمة مضافة، بل إن الاستثمار الأجنبي أصبح في منحى تنازلي منذ 2009، وهي القاعدة التي وصفها خبراء الاقتصاد بالمنفرة لرأس المال الأجنبي.

وبسبب الانعكاسات السلبية لها، قرّرت الحكومة في قانون المالية 2020 إلغاء قاعدة 51/49، غير أنها أبقتها مطبقة على القطاعات التي وصفتها بـ"الإستراتيجية".

 وحدد القانون ذاته القطاعات الإستراتيجية في استغلال القطاع الوطني للمناجم وأي ثروة جوفية أو سطحية متعلقة بنشاط استخراج على السطح أو تحت الأرض، باستثناء محاجر المواد غير المعدنية ونشاطات المنبع لقطاع الطاقة وأي نشاط آخر يخضع لقانون المحروقات.

وتضمّنت النشاطات الإستراتيجية أيضًا استغلال شبكة توزيع ونقل الطاقة الكهربائية بواسطة الأسلاك والمحروقات الغازية أو السائلة بواسطة الأنابيب العلوية أو الجوفية، والصناعات التي بدأت، أو المتعلقة بالصناعات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني وخطوط السكك الحديدية والموانئ والمطارات والصناعات الصيدلانية، باستثناء الاستثمارات المرتبطة بتصنيع المنتجات الأساسية المبتكرة ذات القيمة المضافة العالية والتي تتطلب تكنولوجيا معقدة.

غير أن التأخّر المسجل في بعض هذه القطاعات كالنقل الجوي وخدمات الاتصالات، يجعل المدافعين عن رفع الاحتكار الحكومي متمسّكين بوجهة نظرهم بالنظر إلى أن التجربة أثبتت فشل إبقاء هذه المجالات في قبضة تسيير الحكومة، فخدمات الخطوط الجوية الجزائرية ومؤسّسة النقل بالسكك الحديدية تظل بنظر مواطنين سيئة ودون المستوى المطلوب.

أما الرئيس المدير العام لسونلغاز شاهر بولخراس، الذي تحتكر شركته إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز، فيرى أن الانفتاح على القطاع الخاص يكون بالشراكة معه، وهو ما تفعله مؤسّسته، لا برفع الاحتكار الذي تتمتع به مؤسسته.

وبدوره، يرى الخبير الطاقوي عبد المجيد عطار، أنه من الصعب إنهاء الاحتكار على بعض النشاطات التي تستدعي شبكات النقل لبعض المواد (الكهرباء، المياه، الغاز)، لأنه يقع في نطاق الخدمة العمومية لاعتبارات تتعلق بالتسعيرة المدروسة والمقدّمة، ما يجعل من "الصعب جدًا" إنهاء الاحتكار عليها على الأقل في الوقت الحالي.

خيبات سابقة

إذا كان إلغاء الاحتكار الحكومي للقطاعات الحيوية مقبولًا من الناحية النظرية، إلا أن تنفيذ ذلك يمر بعديد الصعاب، بالنظر لارتباط معظم نشاط القطاع الخاص في الجزائر بمساعدات الدولة، والحاجة للحصول على قروض عمومية، وهو ما سيكون له تبعات وخيمة على الخزينة العمومية إذا تعلق الأمر بقطاعات إستراتيجية وحيوية.

وعند الحديث عن رفع الاحتكار العمومي للقطاعات الحيوية، تعود إلى الأذهان قضية شركة الخليفة للطيران التي كبدت مع بنك الخليفة الدولة ملايير الدينارات، والتي لم تتم معالجة أضرارها الاقتصادية كليًا حتى الآن بالرغم من صدور حكم قضائي نهائي في الملف.

وفي قطاع المحروقات، كاد قانون المحروقات السابق الذي أتى به وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل أن يتسبب في منح خيرات البلاد الباطنية التي تمثل أساس الاقتصاد الجزائري بالدينار الرمزي للشركات متعددة الجنسيات، تحت غطاء اقتصاد السوق والتخلص من الاحتكار ومركزية القرار.

مهما اختلفت الآراء بشأن تحرير الاحتكار العمومي للقطاعات الحيوية فإنّ الأهم يبقى في اتخاذ قرارات من شأنها أن تقي البلاد تكرار تجارب فاشلة

ومهما اختلفت الآراء بشأن تحرير الاحتكار العمومي للقطاعات الحيوية سواءً بدعمه أو رفضه، فإنّ الأهم يبقى في اتخاذ قرارات من شأنها أن تقي البلاد تكرار تجارب فاشلة سابقة، وإيجاد الدفعة الحقيقية التي تمكن الاقتصاد الجزائري من التخلص من التبعية لتقلبات سعر برميل النفط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجع نمو الاقتصاد الجزائري خلال الثلاثي الأوّل لسنة 2020

الاقتصاد الجزائري.. نسبة التضخّم بلغت 2.1 % نهاية جوان