"وكل شيء ممكن"، الحصة التي كان يعدها الراحل رياض بوفجي زمن كان الجزائريون لا يمتلكون إلا خيارًا واحدًا ووحيدًا، وهو مشاهدة القناة الحكومية، حيث كانت هذه الحصة المشهورة الفضاء الوحيد لعائلات قادمة من الجزائر العميقة لعرض مشاكلها وهواجسها أو البحث عن فرد مفقود من العائلة. وبعد الانفتاح الإعلامي، قبل حوالي خمس سنوات، صارت عشرات القنوات تشكل المشهد الإعلامي الجزائري الجديد، والتي دخلت في منافسة وسعي لجذب المشاهدين بكل الطرق، فكانت البرامج الاجتماعية الملجأ لشد الأبصار، كانت قصص وحكايا الناس مادة دسمة لبرامج يطغى عليها اللونان الأسود والأحمر، في انعكاس للأسى والإثارة.
لجذب المشاهدين، كانت البرامج الاجتماعية ملجأ القنوات الجزائرية، كانت قصص وحكايا الناس مادة دسمة لبرامج يطغى عليها الأسى والإثارة
أحيانا يجنح الجزائريون لبعض البرامج الاجتماعية من أجل حل مشاكلهم خاصة البرامج التي كانت تبثها الإذاعة الوطنية ليلاً حيث تتوفر لهم هناك طمأنينة عدم ظهورهم والكشف عن هويتهم فدخلت عدة حصص وبرامج بيوت الجزائريين وشكلت لهم فسحة وفضاء لتشارك همومهم مع مستمعين آخرين. لكن بعد ظهور الحصص الاجتماعية التلفزيونية تغير الأمر، تبدلت المواضيع وطريقة طرحها، فمن حيث الفكرة يرى الكثيرون أن البرامج الاجتماعية في الجزائر مجرد استنساخ لبرامج فرنسية أو بعض الحصص التي كانت تبث على قنوات عربية ومغاربية، استنساخ حتى في التسمية والديكور وطريقة العرض دون مراعاة واقع الفضاء الجزائري المتميز بكونه فضاءً محافظاً يبقى فيه طرح بعض القضايا محل أخذ ورد.
اقرأ/ي أيضًا: "الثقافة في الفضائيات الجزائرية.. "وجبة بايتة
يعتبر جزء من الشارع الجزائري أن مواضيع بعض هذه البرامج صار "غير عائلي بالمرة" إن صح التعبير، بل وصادمًا في أحيان كثيرة. فموضوع الخيانة الزوجية مثلًا صار موضة لدى معدي هذه البرامج وصار مشهدًا متكررًا كثيرًا إلى درجة الملل في غالبية البرامج، فقط يختلف الضيوف وطريقة الخيانة، إضافة إلى تكرار الحلقات عن جرائم الشرف وزنا المحارم وكذا تلك المشاكل العائلية المتعلقة بالسحر والشعوذة.
صارت البلاتوهات فضاءً لنشر غسيل العائلات وأسرارها مما جعل بعض المتابعين يعلقون أن تلك البرامج "ابتعدت كثيرًا عن الهدف الأسمى للبرامج الاجتماعية" وهو، بحسبهم، محاولة عرض الظواهر وإيجاد الحلول الناجعة، المجتمع الجزائري اليوم بحاجة لبرامج اجتماعية تربوية توعوية، حسب هؤلاء، أكثر من حاجته لبرامج إثارة، فمشاكل المجتمع الجزائري أعمق من تلك المرتبطة بقضية الجنس مباشرة، ولو أن غاية القنوات من التوجه لمثل هذه المواضيع هو الجري وراء نسب المشاهدة وفقط وليس معالجتها. لكن، في كل الأحوال، لا تزال هذه البرامج تلقى متابعة عالية من الجمهور.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة ثقة بين الجزائري وإعلامه
في الأثناء، لا يخلو المشهد الإعلامي الجزائري من محاولات تجديد على مستوى البرامج الاجتماعية ومنها برنامج "ناس وحكايات"، وهو مولود جديد ينضم لعائلة هذه البرامج، أطلقته قناة "الجزائرية وان"، وبعد عرض العدد الأول منه تداولت عنه بعض الأصداء الحسنة. يقول معد البرنامج هشام بوقوفة لـ"ألترا صوت" إنه بالنسبة للمشاهد الجزائري "ارتبط مفهوم البرنامج الاجتماعي بالحزن والأسى والنهايات التراجيدية، لكن البرنامج الجديد سيحاول تغيير هذا المفهوم، بكونه برنامجًا يتوجه لزرع الأمل"، ويضيف: "عوض سب المجتمع طيلة البرنامج، نحاول أن نمد المشاهد بجرعات من الأمل".
وعن محتوى البرامج الاجتماعية في الجزائر وتوجهها الجلي مؤخرًا نحو مواضيع ما وراء الخطوط الحمراء، فيرى هشام بوقوفة أنه "في العمل الصحفي الحقيقي لا وجود لموضوع من التابوهات فكل المواضيع والظواهر قابلة للمعالجة لكن السؤال الذي يطرح: لماذا هذا الموضوع ؟ كيف سنتناوله؟ ما الهدف الذي نريد الوصول إليه؟ فإن كان تناول الموضوع هادفًا وقد يغير سلوكًا سيئًا في المجتمع فما علينا إلا أن نتناوله بشكل محترف مع احترام الخصوصية الجزائرية".
ويرى الصحفي حمزة عتبي أن "تناول مثل هذه "التابوهات" لا يتنافى مع طبيعة العمل الصحافي كون أن هذه الظواهر موجودة في المجتمع الجزائري، بيد أن معالجتها بطريقة مبتذلة جعلها تحيد عن هدف الرسالة الإعلامية". ويضيف عتبي "ما يمكن قوله في هذا الصدد أن انفتاح الجزائر على المجال السمعي البصري حديث الولادة، ومن الضروري أن يسقط في أخطاء، لكن مع مرور الزمن قد تتغير هذه الممارسات لأن المرور من الأسود الى الأبيض يفرض علينا المرور عبر الرمادي".
ورغم كل ما يقال عن مضمون البرامج الاجتماعية التي تبثها القنوات الجزائرية، وتوجهها الواضح نحو مواضيع الإثارة إلا أنها تبقى مرآة في النهاية، تبرز ظواهر ومشاكل من عمق المجتمع، فحتى تلك المواضيع الحساسة والتي يعتبرها البعض خادشة بـ"الخصوصية الجزائرية"، هي نابعة من أحداث تناقلتها الألسن وحدثت داخل بيوت وأحياء جزائرية، لكن هي ربما فطرة الجزائري الذي تعوّد على "الستر" وعلى إنهاء المشاكل من دون ضوضاء، ودون جعلها مادة تتناقلها القنوات، فلسان الحال في ذلك "خلي البير بغطاه".
اقرأ/ي أيضًا:
الترخيص.. سيف مسلط على قطاع السمعي البصري الجزائري