02-سبتمبر-2023

ملازم فرنسي في مهمّة برخان (الصورة: أ.ف.ب)

زاد الانقلاب العسكري في النيجر من أزمة البلاد تعقيدًا، وامتدت ارتداداتها  من غرب القارة الأفريقية إلى أجزاء من العالم، وباتت كل الاحتمالات والسيناريوهات مفتوحة في ظل عدم إيجاد مخرجا من أزمة النيجر.

الجزائر تحرّكت على الصعيدين الديبلوماسي والإقليمي مُقترحة جملة من الخيارات الدبلوماسية

وأمام الخيار العسكري الذي تَلُوح به المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، إضافة إلى تشديد العقوبات الدولية والإقليمية على نيامي، تحرّكت الجزائر على الصعيد الديبلوماسي والإقليمي مُقترحة جملة من الخيارات الدبلوماسية، والتي تهدف إلى استبعاد الحل العسكري وخيار استخدام العنف والقوة.

ضرورة الخيار السلمي

وفي ظلّ تصاعد أصوات الداعمة للتدخل العسكري دون تقدير العواقب، أوفدت الجزائر وزير الخارجية أحمد عطاف إلى كل من نيجيريا وبنين وغانا، في محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة وفق الطرق الدبلوماسية والحل السلمي وابعاد وعزل أنصار التدخل العسكري.

وبالموازاة مع جولة أحمد عطاف، حل الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقران، بعاصمة نيامي وهو أول مسؤول رفيع المستوى يصل إلى النيجر منذ الانقلاب على الرئيس محمد بازوم بتاريخ 26 تموز/جويلية الماضي.

الدعم الايطالي

أوروبيًا، دعمت إيطاليا مبادرة الجزائر بإيفاد مبعوثين إلى النيجر ودول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيًا قصد العمل على تغليب الحل السياسي للأزمة في النيجر.

إلى هنا، يرى خبراء أن الدعم الدبلوماسي من روما يأتي تقديرًا للمخاطر التي ستترتب عن أي تدخل عسكري في النيجر، وما ينجر عنه من هجرة سرية من أفريقيا نحو السواحل الإيطالية، وعدم القدرة على التحكم في أعداد المهاجريين هروبًا من دمار الحرب، ويقدر خبراء أن حوالي 100 ألف مهاجر سرّي سيحاولون العبور إلى أقرب نقطة من أوروبا والمتمثلة في السواحل الإيطالية سواءً عبر الشواطئ الليبية أو التونسية نحو الجزر الإيطالية.

التدخل العسكري

وفي السياق ذاته، يرى خبراء في الشأن العسكري أن فكرة التدخل العسكري لا تبدو واقعية وغير مدروسة العواقب، وأبرز العقبات هي عدم قوات "إيكواس" على قيادة حرب كلاسيكية في مساحة جغرافيا كبيرة، حيث تمتد النيجر على مسافة 1200 كلم من الشمال إلى الجنوب و1460 من الشرق إلى الغرب، وتقع ثلثا أراضيها الشمالية في صحراء استوائية جافة. هذه التضاريس الصعبة تستلزم عتادًا عسكريًا متطورًا وعصريًا، يصعب فيه تمويل الحرب وإسناد الفرق العسكرية بالمأمونة والعتاد واللوجستيك الحربي.

وفي ظل هشاشة القدرات العسكرية لـ “إيكواس"، والتي لم تتمكن من تطويق قدرات الجماعات المسلحة على غرار جماعة بوكو حرام، يُقدر خبراء أن التدخل العسكري سيكون كارثيًا، ويعيد السيناريو الليبي بشكلٍ أسواءٍ، وينعكس عنه لا محالة انهيار كامل للمؤسسات الدولة.

وفي ظل احتمال التدخل العسكري الفرنسي واستخدام الطائرات العسكرية، فإن نتائج هذا التدخل ستكون مُكلف ماليًا ولوجيستكيًا، خصوصًا في ظل معارضة دول الجوار كـ الجزائر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، علاوة على الرفض الشعبي لأي تدخل فرنسي في الشأن النيجري.  

توقيت زيارة مدروس

وفي سياق متصل، يرى المحلل السياسي، رشيد علوش، أن التحرك الدبلوماسي الجزائري جاء في التوقيت الحسن، واستجابة إلى الرهانات والتطورات التي تعرفها أزمة النيجر، مضيفًا أن تابعت تصعيد خيار التدخل العسكري من قوى خارجية وضغوط على مجموعة "إيكواس" ودفعها كغطاء للتدخل العسكري، دفع الدبلوماسية الجزائرية بالتحرك باتجاه أعضاء الفاعلين في مجموعة "إيكواس".

وقال محدث "التر جزائر" أن مبادرة الجزائر ترتكز على عدة محاور أساسية تجاه الأزمة في النيجر، وعلى رأسها رفض أي تغيير غير دستوري للحكم، و رفض أي تدخل خارجي في المنطقة، واصفًا المبادرة الجزائرية على أنها الأكثر توازنًا واعتدالًا.

وبخصوص الوسائل والأدوات الدبلوماسية التي تمتلها الجزائر في تأخير وتثبيط أي التدخل العسكري، أشار المحلل السياسي أن المبادرة الجزائرية مسنودة من طرف العواصم العالمية الكبرى على غرار الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.

وأفاد المتحدث، أن هناك تطابق في الرؤى بين الفاعليين الدوليين والجزائر على ضرورة البحث عن آليات الحل السياسي والدبلوماسي، متوقعًا أن تعمل الوساطة الجزائرية على تقليص المرحلة الانتقالية إلى أقل فترة زمانية.

مصداقية الدبلوماسية الجزائر

من جهته، يرى رشيد علوش، أن الرهان على رصيد الدبلوماسية الجزائرية وإرثها التاريخي من بين الأدوات التي تحظى بالمصداقية لدى الشركاء الأفارقة، فقد تدخلت الجزائر في نزاعات بعض الدول الأفريقية سابقًا، وتمكنت من تحقيق أرضية للمصالحة والوفاق الوطني، وزاد أن الموازنة والاعتدال في الموقف الدبلوماسي الجزائري تجاه الأزمة في النيجر يؤهلها إلى أداء أدوار وساطة ناجعة وناجحة، على حدّ تعبيره.

وفي تقدير رشيد علوش فإن منع الجزائر من استخدام مجالها الجوي من تنفيذ أيّة عملية عسكرية في النيجر، عزز من إيجاد حلول سياسية في المنطقة، وهذا رغم نفي الطرف الفرنسي.

وقال محدث "الترا جزائر"، أن البلاد تمتلك علاقات ثنائية واستراتيجية مع بعض الدول "إيكواس" على غرار نيجيريا، وعلاقات ثنائية أمنية وعسكرية مع دولة النيجر، وهي من أدوات القوة الناعمة.

الدبلوماسية الدينية

ومن الوسائل الدبلوماسية التي تراهن عليها الجزائر هي الدبلوماسية الدينية باعتمادها على شيوخ الطرائق الدينية وأتباعها في البلدين، حيث باتت تلعب دورًا أساسيًا في المشهد السياسي الأفريقي، حيث يشار هنا إلى تشكيل وفود من علماء من منطقة الساحل وإبلاغ قادة الانقلاب العسكري بضرورة الحل عبر الطرق الدبلوماسية وليس العسكرية.

من الوسائل الدبلوماسية التي تراهن عليها الجزائر هي الدبلوماسية الدينية، التي باتت تلعب دورًا أساسيًا في المشهد السياسي الأفريقي

ختامً، تظل الجزائر متمسكة بالخيار الدبلوماسي والحل السلمي في النيجر، وبذل المزيد من المجهودات لإبعاد دمار الحرب عن المنطقة، والتي ما تزال تعاني من ارتدادات التدخلات العسكرية الخارجية الكارثية. في سنوات سابقة.