كان يُنتظر أن تفرِض الأزمة الصحيّة التي مرت بها الجزائر أن تكون للأحزاب السياسية تصورات حيال تنشيط المؤسّسات الصحية الجوارية، كما أنها تفرض أيضًا أن يكون هذا القطاع الذي ظل لسنوات طويلة يعاني بسبب الكثير من النقائص، رقم واحد في البرامج التسويقية للمرشّحين والمنتخَبين الجدد، غير أن ما لوحظ طيلة هذه الفترة أن الأحزاب السياسية كانت غائبة عن المشهد تقريبًا، خاصّة في تركّزت حملتها الأخيرة للمحليّات على خطابات المؤامرات والأيادي الخارجية وأعدا الداخل ومعاقبة الفاسدين.
يصرّ متابعون للطبقة السياسية في الجزائر أنه لا يمكن تحميل الأحزاب السياسية فوق طاقتها في الممارسة الميدانية
وبعد إغلاق بوابة مأسسة المؤسسات بإنهاء حلقة الانتخابات المحليّة، يمكن أن يوسم الواقع السياسي في الجزائر بـ" السياسوي" على حدّ تعبير أستاذة القانون الدستوري البروفيسور فتيحة بن عبو، وتغليب النّظرة السياسية في التّسيير على التنمية في شتى القطاعات خاصة منها الاقتصادية.
اقرأ/ي أيضًا: المحليات في الجزائر.. "موعد مناسباتي" للأحزاب؟
ما بعد المنافسة الانتخابية
تظلّ الانتخابات الطّريق المستقيم للفِعل الديمقراطي والحرّ باختيار الشعب لممثليه في المؤسّسات، إذ هي السجلّ السياسي الذي يؤرّخ لتطوّر ديناميكية المجتمع، حسب رأي المتابع للشؤون الأحزاب الباحث في العلوم السياسية بجامعة الجزائر الياس زواغي، إذ باتت شكلًا من أشكال إعادة إنتاج سياسيات التسيير من طرف كيانات سياسية في شكل الأحزاب "فارغة" من حيث المضامين المتعلقة بصحة المواطن.
وفي المقابل أضاف الأستاذ زواغي أنّ البرامج الحقيقية التي يُراهن عليها المواطن تغيب خاصّة إن تعلّقت بالانتخابات المحلية الأقرب إلى السكان والأهم بالنسبة لهم في تسيير شؤونهم اليومية.
خلال جولة عبر مختلف المُداومات الانتخابية للأحزاب السياسية، وفي قراءة لتصريحات المرشّحين للانتخابات المحلية الأخيرة، لم تكن البرامج هي الهمّ الأكبر للمكوّنات السياسية، بمختلف أطيافها، وخاصة وأن التسويق السياسي لمشاريع تتكئ عليها الأحزاب لا يرقى لأن تكون برامج قابلة للتنفيذ في وسط مازال يئنّ من تداعيات الفساد الذي نخر المؤسّسات خلال فترة العقدين الأخيرين.
القفز على الصحّة
بالرغم من أن الأحزاب السياسية، وضعت المجال الصحّي من المجالات التي عرّجت عليها في مطويات البرامج السياسية الخاصة بالحملة الانتخابية، إلا أنها ظلّت حبيسة المشاريع السياسية غير المعلن عنها خلال التجمعات الشعبية.
وعليه فإن الملفت للانتباه، هو تهميش هذا العامل المهم في الحياة العادية للجزائريين، من قِبَل المرشّحين وحتّى رؤساء الأحزاب، إذ لم يسبق لأيّ واحد فيهم أن تناول الخطوط العريضة لبرنامج الحزب الصحّي والإفصاح عن خارطة طريق لتحسين الخدمة العمومية الصحية والآداء الخاص بالكوادر الطبية على مستوى مختلف المؤسسات الصحية الجوارية عبر مختلف الأحياء والبلديات.
هذا التفصيل المهم، مرّت عليه الأحزاب السياسية مرورًا خفيفًا لا يعدو أن يكون دعامة من دعامات البرنامج الحزبي للترشح في الانتخابات، غير أن الواقع فهو عكس ذلك، مثلما يرى كثيرون أن الصحة والخدمات العمومية هي أهمّ الخطوط العريضة في برامج السياسات الحزبية الغائبة عن ذهن المرشحين، رغم أنها أحد النّقاط التي يتطرّقون إليها خلال عرض برنامجهم الحزبي في مختلف الاستحقاقات التي عرفتها الجزائر منذ عهد التعددية الحزبية والتخلّي عن نظام الحزب الواحد في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
أسباب موضوعية
في نظرة شاملة، يصرّ متابعون للطبقة السياسية في الجزائر، أنه لا يمكن تحميل الأحزاب السياسية فوق طاقتها في الممارسة الميدانية، ففي نظر نور الدين داسة المنتمي لحزب "جبهة المستقبل" فإن عُمر التّجربة الديمقراطية في الجزائر لا زال قصيرًا ولا يسمح حسب تعبيره بـ "الدّخول في نقاش القضايا السياسية الكبرى والبرامج السياسية التي تؤسّس للفعل المجتمعي"، على حدّ قوله.
واعتبر داسة في حديث لـ "الترا جزائر" أن مناقشة البرامج يتطلّب وجود أطر تنظيمية، ونظام سياسي يسمح بتطبيقها في الميدان وقوانين تتحكم في تنفيذها علاوة على إقرار المحاسبة، لافتا إلى أن هذا الأمر غير متوفر في الجزائر بسبب طبيعة النظام المركزي".
وأضاف في هذا السياق أن الأحزاب الفائزة بالانتخابات ليست هي من تشكل الحكومة وتجدّد السياسات من خلال المؤسسة الحزبية.
من خلال هذه المعطيات، فإن المؤسّسة الحزبية في الجزائر في حدّ ذاتها "مازالت هشّة وبعيدة تمامًا عن المأسسة وإنتاج المحتوى السياسي والمضمون الاقتصادي والرؤى والبرامج، وهي أحزاب دون تعميم مازالت في طور تشكيل الخطاب".
وفي الجهة المقابلة هناك عامل آخر يرتبط بالنّاخب، مازال السّلوك الانتخابي للناخب الجزائري بعيد تمامًا عن الاحتكام إلى البرامج في التمييز بين الأحزاب والمرشّحين بقدر ما تحكم سلوكه عوامل الانتماء القبلي والوظيفي والقرب العائلي وغيرها، إذ لم تتشكّل بعد طبقة ناخبة صلبة.
شمّاعة الصلاحيات
ما لا يمكن نكرانه، أنّ الواقع السياسي في الجزائر يحتكِم إلى منطِق مركزية السّلطة، إذ تعتبر البلديات كمؤسّسات الدولة، والهياكل التي يتم من خلالها تسيير الجماعات المحلية والقريبة من المواطن، بعيدة كلّ البعد عن همومه، إذ تفتقِد كما أعلن جُلّ رؤساء الأحزاب وحتى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى إمكانية طرح المبادرات، ولا تمتلك في يدها عصا الصلاحيات التي تخولها بالتسيير المحلّي والإبداع في المشروعات وجلب الاستثمارات وشحن الخزينة العمومية وامتصاص البطالة.
وبالرّغم من تجلّي هذه الحقيقة المرّة، إلاّ أنّ الصلاحيات باتت "شمّاعة تعلّق عليها الأحزاب فشل المجالس البلدية والولائية السّابقة في التّسيير المحلّي وتحقيق برامجها السابقة وتنفيذ وعودها للمواطنين"، إذ شدّد البعض في المقابل، حسب عضو المجلس البلدي السابق عن بلدية الحراش بالعاصمة الجزائرية ياسين آيت حمودة على أنّ هناك مِساحات للمناورة الفعلية وتحقيق المنجزات في السّاحة وخصوصًا ما تعلق منها في تنفيذ المشاريع التنموية التي من شأنها تحسين المعيشة للسكّان.
والملاحظ في الميدان أنه ولحدّ انتهاء المنافسة الانتخابية، وإعلان النّتائج، إلّا أن الأحزاب السياسة لم تضع بعد برنامجًا حقيقيًا يضمّ المقترحات الخاصّة بتعديل قانون البلدية أو تقديم مشاريع وأطروحات لتحسين التّسيير الأداء السياسي في البلديات التي تعتبر أهم حلقة في مؤسّسات الدولة ومرآة عاكسة لمجريات التلاقي مع المواطن وتلبية مطالبه والاستماع لانشغالاته اليومية.
تعدو معظم الخرجات الميدانية التي تحدّث خلالها الفاعِلون السياسيون عن صلاحيات رؤساء البلديات
لا تعدو معظم الخرجات الميدانية التي تحدّث خلالها الفاعِلون السياسيون من بوابة الأحزاب النّاشطة في الساحة عن تلك الصلاحيات، ولكنها تظلّ لحدّ اللحظة فكرة لم ترق بعد إلى وضع آليات وإجراءات تمكّن المجالس الانتخابية الجديدة من العمل في السّاحة المحلية، والاستِجابة لمتطلبات الساكنة في البلديات.
اقرأ/ي أيضًا:
المحليّات.. عراقيل التنمية في البلديات رهينة "صلاحيات" المنتخبين
لعمامرة: تاريخ الـ27 نوفمبر يومٌ مهمٌ في حياتنا السياسية