27-أكتوبر-2019

التوأم الحسن والحسين بوفروّج (فيسبوك/ الترا جزائر)

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لتوأمٍ كفيفٍ في إحدى مسيرات الحراك الشعبي بمدينة باتنة، وهما يردّدان شعارات سياسية. حقّقت تلك المقاطع مشاهدات عالية، وبثّتها بعض القنوات المحليّة والدولية. إذ يظهران في كثيرٍ من المشاهد التي تمزج بين الجد والطرافة.

الحسن والحسين عايشا ظروفًا قاسية ومعاملة سيّئة من طرف إحدى المعلّمات في بداياتهما الدراسية

لم يشتهر هذا التوأم في فترة الحراك فقط، بل إنّ قصّتهما، وقصّة حب أهل مدنية باتنة شرقي البلاد لهما، تعود لسنوات خلت، خاصّة بعد التحاقهما بمقاعد الجامعة، حيث أصبحا وجهين معروفين جدًا في المدينة، لكونهما يرويان قصّة واقعية عن تحدي العوائق وتجاوز المستحيل.

اقرأ/ي أيضًا: ذوو الاحتياجات الخاصة.. الأكثر اضطهادًا في الجزائر

مرارة البدايات

ولد الحسن والحسين يوم الفاتح جوان/يونيو 1991 بباتنة، ينتميان إلى عائلة بسيطة، سبعة من أبنائها مكفوفون، ويُرجع أقارب العائلة سبب ذلك لكون والد الحسن والحسين، السيّد محمد صالح فرّوج قد تزوّج ابنة عمّه.

حرصت عائلتهما على أن يلتحقا بالمدرسة على غرار كل أولادها، فالتحق التوأم بمدرسة صغار المكفوفين بباتنة؛ لكن بدايتهما في تلك المدرسة لم تكن مثالية حيث عايشا ظروفًا قاسية ومعاملة سيّئة من طرف إحدى المعلّمات، أعادت الحسن والحسين إلى السنة الأولى رغم أنهما درسا سنتين في تلك المؤسّسة.

بعد أن أنهيا الطور الابتدائي في باتنة، اضطرّا للانتقال إلى ولاية بسكرة المجاورة، كون مدينة باتنة لا تتوفّر على متوسطة للمكفوفين، فانتقل الحسن والحسين إلى مدرسة الشبّان المكفوفين ببسكرة، هناك وجد التوأم حاضنة لمواهبهما وطاقاتهما، فالمدرسة تتوفّر على أندية للمسرح والتمثيل والموسيقى، ما سمح لهما بتفجير مواهبهما في المسرح، كما أنهما انخرطا في نادي الرياضة بالمدرسة وشاركا في مسابقات وطنية، وأحرزا ألقابًا وتتويجات في شتى الرياضات. لقد لاحظ الجميع هناك سرعة بديهة التوأم وتفوّقهما الواضح على أقرانهما.

عاد الحسن والحسين مجدّدًا لمدينتهما، بعد أن تحصّلا على شهادة التعليم المتوسّط، وتمّ تسجيلهما في ثانوية عادية، وهي ثانوية الشهيد عبّاس لغرور. في تلك الثانوية بدأ التوأم يُلفت الأنظار بعد أن تحصلا على نتائج مبهرة، متفوّقين على أقرانهم ممن لا يعانون من إعاقة بصرية، وقد صار الحسن والحسين حديث العام والخاص في باتنة، وبعد ثلاثة سنوات نال الحسين شهادة البكالوريا، بينما نالها الحسن في الموسم الموالي بعد رسوبه في المرّة الأولى.

إرادة قهرت الظروف

لم يتبقَ من مشوار الحسن إلاّ موسم واحد لينال شهادة الماستر في علم المكتبات، ليلتحق بشقيقه الذي أنهى مساره الدراسي العام الماضي متوّجًا مسيرته الدراسية بشهادة ماستر في علم الاجتماع، ويُصرّ الشقيقان على مواصلة مشوارهما الدراسي والحصول على شهادة الدكتوراه.

حين تتصفّح صفحة التوأم الظاهرة على فيسبوك، تقف بنفسك أمام مثال حيّ على روح المبادرة والنشاط والتفاني، فالحسن والحسين يقومان بنشاطات قد يتهاون الأصحاء في القيام بها؛ يُشاركان جمعيات خيرية في نشاطاتها، يُحاضران في الجامعة، ينشدان في الحفلات، يُشاركان في ملتقيات وطنية، ينزلان ضيوفًا على قنوات تلفزيونية، ويصوّران فيديوهات تحفيزية على قناة يوتيوب.

سبق للحسن والحسين تمثيل الجزائر في مسابقة لليونيسيف مخصّصة للمكفوفين، شاركا فيها بفيلم قصير من إنتاجهما. يقومان بتصوير برنامج "دعني أراك سعيدًا" الذي ينشره التوأم على يوتيوب، يصوّرانه بهاتف نقّال بسيط داخل غرفتهما، ليبثّا الأمل والتحفيز في النفوس. ويبقى حُلمهما هو إطلاق مهرجان وطني يختصّ بإنجازات وإبداعات ذوي الاحتياجات الخاصّة.

ما لا يقوله لك الضوء

في اتصال هاتفي مع الحسن فرّوج، توقّفنا على درجة وعيٍ وذكاءٍ كبيرين يتميّز بهما، وهو ما يشاركه توأمه الحسين فيه، كما أنّهما يتمتّعان بحسّ دعابة يظهر جليًا في فيديوهاتهما المنشورة على يوتيوب، يقول الحسن لـ "الترا جزائر"، إنّه وشقيقه يمارسان المسرح منذ صغرهما، حتى أنّهما جعلا من بيتهما مسرحًا صغيرًا.

وعن النشاط الكبير الذي يُعرفان به في باتنة يقول الحسن: "قد يكون ذلك ما عوّضنا به الله فقدان البصر، يقول الناس إننا نشبه خليّة نحل، نحن لا نتعبُ ولا نملّ، وسنواصل على السبيل نفسه، هدفنا أن ننشّط برنامجًا في إحدى القنوات، نريد أن يرى الناس أن الإرادة تصنع أشياء عظيمة، كما نوّد أن نشتغل ونعيل عائلتنا، والدنا عانى كثيرًا من أجلنا، كان يشتغل طول حياته خيّاطا".

 وفي سؤال عن تحكمهما في تكنولوجيا التواصل، يقول الحسن: "شقيقنا عبد الملك كفيفٌ مثلنا، لكنه يمتلك شهادة في تطبيقات الهاتف وهو من يساعدنا، كما أنّنا نستفيد من تطبيقات خاصّة بفاقدي البصر، إضافة لبعض الأصدقاء الذين يمدّون لنا يدّ المساعدة، وبعضهم يتولّى تسيير صفحتنا على فيسبوك".

قاعدة الحسن والحسين السحرية، هي "يمكن بأشياء صغيرة أن تُنجز أعمالًا كبيرة"

لم تفارقنا قهقهات الحسن طيلة فترة محادثتنا معه، بل كان الإنصات إليه ممتعًا، كان يعيد في كل مرّة جملة نظنّها قاعدتهما السحرية وهي أنّه "يمكن بأشياء صغيرة أن تُنجز أعمالًا كبيرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضربة أخرى في مرمى شباب الجزائر

في الجزائر.. العمل دون عقد أو تأمين اجتماعي