27-نوفمبر-2015

امرأة من الطوارق تبيع منتجاتها التقليدية (فايز نورالدين/أ.ف.ب)

تنتظم في الجزائر العديد من معارض الصناعات التقليدية والحرف، على مدار السنة، وهي تشهد مشاركة معتبرة من قبل المرأة الجزائرية، التي تحترف صناعة الفخار، الملابس التقليدية، النسيج وغيرها، باعتبارها الفضاء الوحيد لتسويق منتجاتها. وذلك أمام غياب أسواق محلية ووطنية تحد من كابوس كساد المنتجات الذي يعانون منه.

إنتاج غزير وبيع قليل..

المشكل الأساسي الذي يواجه الحرفيين في الجزائر هو غياب التسويق 

بعض معارض الصناعات التقليدية والحرف مخصص للمرأة، كالمعرض الجهوي للحرفيات بـ"البويرة"، الذي يعرف مشاركة أكثر من خمسين حرفية، يتنافسن لعرض منتجاتهن من اللباس التقليدي، الزرابي، الأواني الفخارية، الحلي التقليدية وغيرها، إلى جانب "الصالون الوطني للمرأة الحرفية"، الذي ينتظم في "ديوان رياض الفتح"، وتشارك به أكثر من مائة وخمسين حرفية من مختلف محافظات الجزائر، بالإضافة إلى معرض المرأة المنتجة وغيرها.

يقول رئيس فيديرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر، رضا يايسي، لـ"الترا صوت"، "إن المشكل الأساسي الذي يواجه الحرفيين الجزائريين عمومًا والحرفيات خاصة يتمثل في غياب التسويق"، منتقدًا الاستراتيجية التي تعتمدها وزارة السياحة والصناعات التقليدية الجزائرية، ومؤكدًا: "الوزارة تنظم معارض بتكاليف باهظة، لا يبيع فيها الحرفي شيئًا، لأنها ببساطة توفر أيضًا منتجات أجنبية بأسعار منخفضة".

واحتضنت الجزائر الشهر الفارط، الصالون الدولي للصناعات التقليدية بمشاركة أكثر من سبعمائة عارض من بينهم تسعين حرفيًا أجنبيًا. وهو الصالون الذي كلف حسب رضا يايسي، أكثر من ستمائة ألف دولار، ورغم ذلك لم يتمكن الحرفيون الجزائريون من بيع منتجاتهم أمام منافسة السلع الأجنبية. يواجه الحرفيون أيضًا مشكلة ندرة المواد الأولية، وبالتالي تكون سلعهم غالية الثمن مقارنة بالمنتجات الأجنبية التي لا تملك نفس الجودة. 

تهيمن المرأة الجزائرية على مجال الصناعات التقليدية، لا سيما نساء القرى والمناطق الريفية لكن غالبيتهن لا يملكن بطاقة حرفي. وعن أسباب ذلك، يعلق يايسي: "الحرفيون في البداية، يسجلون في غرف الصناعات التقليدية والحرف الموجودة في كل محافظة في الجزائر وبعد الحصول على بطاقة الحرفي يقومون بإلغائها تفاديًا للضرائب، لأنهم في الحقيقة لا يبيعون ما يكفي احتياجاتهم الخاصة".

حلي تقليدية جزائرية(فايز نور الدين/أ.ف.ب)

التسويق المنزلي.. البديل الأفضل

غياب أسواق خاصة بالصناعات التقليدية وضعف تشجيع الدولة، لم يمنع المرأة الجزائرية من الإنتاج وممارسة حرفتها في مجال الطين والصوف والنحاس والجلود والحلويات والأغذية وغيرها من السلع التقليدية، معتمدة على ما يمكن تسميته التسويق المنزلي أساسًا. وتلجأ النساء عادة، إلى الوكالة الوطنية لدعم القرض المصغر، من أجل فتح مؤسسات مصغرة في البيت، للخياطة، وصناعة الحلويات والعجائن الغذائية كالكسكس.

ويحظى الحرفيون قانونيًا بحق المشاركة في مختلف النشاطات التي تنظمها غرف الصناعة التقليدية والحرف، كما يستفيدون من امتيازات في الضرائب والقروض البنكية والتموين، والتكوين ودعم الصندوق الوطني لترقية نشاطات الصناعات التقليدية فيما يتعلق بالتمويل الجزئي للتجهيزات والأدوات الصغيرة، إلا أن الحصول على هذه الحقوق يخضع للكثير من الإجراءات الإدارية المعقدة.

تؤكد فيزة، التي تمتهن صناعة الجلود، لـ"الترا صوت": "منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أعاني مع الإجراءات الإدارية من أجل الحصول على دعم لاقتناء تجهيزات خاصة بدباغة الجلود، لأني تعبت من العمل اليدوي."، في المقابل، كانت الوزيرة المنتدبة لدى وزير التهيئة العمرانية والسياحة والصناعات التقليدية المكلّفة بالصناعات التقليدية عائشة طاغابو، قد أكدت أن "الصندوق قدم ألفين وأربعمائة إعانة للحرفيين سنة 2014، وذلك بتكلفة قدرها ثمانمائة مليون دينار جزائري، بينما استفاد 193 حرفي من بينهم 168 حرفية بمحافظة "الجلفة"، خلال السنة الحالية من دعم الصندوق، حسب مدير السياحة للمحافظة، الذي أكد سابقًا، أن "أكثر من مائتي ملف قيد الدراسة من أجل الدعم".

حلويات تقليدية جزائرية(ميقال مادينا/أ.ف.ب)

الصناعات التقليدية للنساء فقط..

تهيمن المرأة الجزائرية على مجال الصناعات التقليدية لا سيما نساء القرى والمناطق الريفية 

بسبب الإشكالات في مجال التسويق والمواد الأولية، انحصر العمل في قطاع الصناعات التقليدية على النساء تقريبًا لقدرتهن على التسويق المنزلي، بينما يتوجه الرجال إلى الحرف المرتبطة بمجال الخدمات والبناء. يوضح رئيس فيدرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر، لـ"الترا صوت": "أطلقنا مشروعًا بالتعاون مع لجان الأحياء، يتمثل في إدماج الشباب الذين تركوا المدارس في مؤسسات التكوين المهني وتحويلهم إلى حرفيين، وقد لاحظنا التوجه القوي نحو الحرف في قطاع الخدمات". 

من جهتها، تقوم بعض الجمعيات التي تهتم بانشغالات الحرفيين، في مجال التموين والتسويق، بحملات تحسيسية من أجل جذب اهتمام الريفيات نحو العمل في مجال الحرف، وإقناع العائلات بإدماج البنات في الحرف اليدوية، التي تساعدهم على تحقيق ربح مادي. وذلك بالتعاون مع المؤسسات الناشطة في هذا المجال وعلى هذا الأساس يتم تسجيل الحرفي في سجل الصناعة التقليدية والحرف ويحصل على "شهادة" ليبدأ في ممارسة حرفته. 

أي إقبال للجزائريين على الصناعات التقليدية؟

رغم كل محاولات إحياء الحرف التقليدية، يتوجه الجزائري خاصة إلى اقتناء المنتجات الأجنبية المستوردة وخاصة الصينية التي اجتاحت السوق الجزائرية، دون مراعاة لمخاطرها الصحية، ويهمل بذلك المنتوجات المحلية. يفسر البعض ذلك بابتعاد المجتمع عن كل ما هو تراث، في حين يرجعها البعض الآخر إلى غلاء أسعار المنتجات المحلية مقارنة بالمستوى المعيشي للجزائريين.

لا ينطبق هذا الأمر على كل محافظات الجزائر. تعرف قرى "القبائل" باستخدامها للحلي التقليدي الذي تنتجه نساؤها وبارتباطها بالفضة. وفي المدن الداخلية، يقبل الناس بكثرة على شراء الأواني الفخارية التي تصنعها النساء من الطين الأحمر الأملس ويستخدمنها في الطبخ. وفي المناطق الرعوية، أين تتوفر الجلود كمادة أولية للصناعة، لا يزال الناس يستخدمون المنتجات الجلدية التي تصنعها العائلات، مثل الأحذية والنعال والأحزمة وبعض الأجهزة المنزلية، مثل ما يسمى بـ"القـــربة" لوضع الماء و"المــــزود"، الذي يستعمل في حفظ الدقيق بالرغم من اختفائها نهائيًا في المدن الأخرى.

وفي الصحراء، حيث تنتشر التحف والسلع المصنوعة من سعف النخيل، يستخدم سكانها هذه المنتجات ويقبلون على شرائها في شكل زرابي وأدوات متنوعة، كما يسكنون الخيم المصنوعة من الجلود، التي تحترف صناعتها النساء في منطقة "الطوارق" خاصة.

في الأثناء، تروج وزارة السياحة والصناعات التقليدية لمشروع إنجاز قرية الفنون والصناعة التقليدية، في مدينة قسنطينة بمناسبة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015، من أجل حل مشكلة عدم وفرة المحلات وتجديد معطيات قطاع الصناعة التقليدية، ووضع العلامات التجارية لهذه المنتجات بهدف فتح التنافس في الأسواق الخارجية. لكن معظم حرفيي الجزائر يؤكدون أنهم يبحثون عن دعم لاقتصادهم "المنزلي" وأسواق محلية، قبل الحديث عن تصدير منتجاتهم للخارج.

أواني فخارية من صنع حرفيي تزي وزو(Getty)

اقرأ/ي أيضًا:

المطلقات في الجزائر.. حقوق مهدورة وتحرش جنسي

"الفنون الجميلة" غير معترف بها في الجزائر؟