يُمثل الإنعاش الاقتصادي أولوية مخطط حكومة أيمن عبد الرحمان، ويقتضي تحقيق الهدف العمل على تعزيز حضور الجزائر اقتصاديًا وتجاريًا على المستوى القاري والمتوسطي والدولي، فقد أولت الحكومة أهمية كبيرة لإعادة تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق أهداف ذات ابعاد اقتصادية وتجارية.
دعا مصطفى راجعي إلى تجنيد كافة الطاقات الوطنية من أجل الترويج لصورة بلد مستقر سياسيًا وقادر على توفير مناخ أعمال مربح وجذاب
وتلعب الدبلوماسية الاقتصادية دورًا هامًا في نمو الاقتصادي والنفوذ الإقليمي، ويتمثل الدور الدبلوماسي اقتصاديًا في استقطاب رؤوس الأموال الدولية وجلب استثمارات أجنبية، والتي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى ذلك تستعى الديبلوماسية الاقتصادية إلى دعم وجود المنتجات والخدمات الوطنية في الأسواق الخارجية والبحث عن أسواق استهلاكية ضخمة.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تخطط لتزويد موانئها التجارية بالغاز الطبيعي المميع
وتولي الجزائر اهتمامًا بالغًا بالأسواق العربية والأفريقية والبلدان المتوسطية، وقصد تجسيد الميداني والفعلي للدبلوماسية الاقتصادية، ذكرت مصادر إعلامية أن عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية قرر تعيين من عبد الكريم حرشاوي مكلفا بالدبلوماسية الاقتصادية، يجدر التذكير أن عبد الكريم حرشاوي تولى منصب وزير المالية، ثم وزير التجارة، ويتمتع السيد حرشاوي بخبرة في إدارة الملفات الاقتصادية والمالية على مستوى الهيئات الدولية.
الخطاب السياسي
في سياق الموضوع، يؤكّد مصطفى راجعي، مدير "معهد هايك للتفكير الاقتصادي" في حديث لـ "التر جزائر"، أن الجزائر جغرافيًا بلد كبير بحاجة إلى استثمارات دولية كبيرة، موضّحًا أن الاستثمارات المحلية والوطنية ومهما بلغت لن تصل إلى امتصاص اليد العاملة المتزايدة سنويًا.
وشدّد محدثنا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الاقتصادية في جذب المؤسّسات العالمية، مفيدًا أن الرهان والتحديات صعبة وليست سهلة، في ظل وجود تكتلات وتنافس دولي في مجال جلب الاستثمارات الأجنبية أو دعم التواجد في الأسواق الدولية.
وقال راجعي، إنّ مهام الدبلوماسية الاقتصادية لا يقتصر على شخصية دبلوماسية أو مالية؛ بقدر ما هي مرتبطة بأدوات أكثر فعالية وتأثير، ودعا إلى تجنيد كافة الطاقات الوطنية من أجل ترويج لصورة بلد مستقر سياسيًا وقادر على توفير مناخ أعمال مربح وجذاب.
وأشار مدير معهد "هايك"، إلى أن جوهر الدبلوماسية الاقتصادية تعمل على تسويق مناخ الأعمال للمتعاملين الاقتصاديين الدوليين، من خلال تحفيزات النظام الجبائي والبنية التحتية وتوفير أفضل بيئة قانونية وتشريعية الاستثمارات وتسهيل الاستثمارات الخارجية، معلّقًا "أن الدبلوماسية الاقتصادية بحاجة إلى موارد مالية معتبرة".
هنا، يدعو راجعي إلى ربط شبكات علاقات مع كبرى الشركات العالمية، والترويج بشكل مستمر في كبرى الصحف الاقتصادية العالمية، وتنظيم ندوات اقتصادية في الخليج العربي والدول الأوروبية والولايات المتحدة، ويُشدّد المحدّث على ضرورة الابتعاد عن الخطاب السياسي السائد، والذي يوحي بحسب أقواله إلى وجود مؤمّرة خارجية تستهدف الوطن، والحديث عن أيادي خارجية تهدد أمن واستقرار البلد. مضيفًا أن نوعية الخطاب التصعيدي يرسل رسائل غير مطمئنة تجاه المتعاملين الاقتصاديين الدوليين، ليخلص أن تحقيق الانتعاش الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية بحاجة إلى مناخ سياسي آمن، ومنظومة قانونية مستقرة وحمائية.
التكامل بين الدور السياسي والاقتصادي
من جانبه، قال إسحاق خرشي، المحلل الاقتصادي في اتصال مع "التر جزائر"، إنه لابد من وجود تكامل بين الدور السياسي والاقتصادي لدى السفارات والبعثات الدبلوماسية الجزائرية. داعيًا إلى تفعيل دور المكاتب الاقتصادية الموجودة على مستوى السفارات الجزائرية بالخارج.
يشدّد المتحدث، على دورها في تقديم تقارير بشكلٍ مستمرٍ، "توفر معلومات ومعطيات عن حاجيات الأسواق الخارجية، وكيفية التعامل والوصول إلى متعاملين أجانب، والبحث عن الأسواق الاستهلاكية"، هنا، يوجّه المحلل الاقتصادي دعوته إلى السفراء لعقد لقاءات مع وكالات ترويج الاستثمارات، وربط علاقات بالأوساط المالية والجهات الاقتصادية الفعالة لضمان تحقيق نتائج إيجابية من خلال الدبلوماسية الاقتصادية.
كما يقترح خرشي استحداث منصب وزير منتدب لدى وزير الخارجية مكلف بالدبلوماسية الاقتصادية والتعاون الأفريقي، وليس مبعوث دبلوماسي للشؤون الاقتصادية فحسب، معللًا أن "منصب وزير منتدب يتمتع بقوة سياسية ودبلوماسية تمكنه من أداء مهامه على وجه أكمل".
الوزير المنتدب للشؤون الاقتصادية، بحسب المتحدث، يمكن بحكم الإطار التنظيمي والقانوني والمالي من أداء أدوار تواصلية مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين بالداخل والخارج، ورفع تقارير إلى وزير الخارجية والرئاسة الجمهورية، ويشكّل المنصب حلقة وصل بين مختلف المبادرات والقطاعات المالية والصناعية والتجارية، وقوة اقتراح فعالة، على حدّ تعبيره.
ساهمت التغييرات التي عرفها النظام الدولي ونهائية الثنائية القطبية إلى وجود قوى دولية أنهت الصراع الأيديولوجي إلى الاهتمام بما هو اقتصادي، وظفت كل أدواتها السياسية والعسكرية والاقتصادية في جلب رؤوس الأموال، واقتحام الأسواق العالمية والبحث عن مصادر الطاقة والزراعة.
على الجزائر أن تعزّز علاقاتها الاقتصادية بمحيطها المغاربي والمتوسطي والعربي والأفريقي
ووسط هذه المنافسة الشرسة، على الجزائر أن تعزّز علاقاتها الاقتصادية بمحيطها المغاربي والمتوسطي والعربي والأفريقي، وفتح قنوات اتصال تعزز من نفودها الأقليمي عبر تطوير الصلات التي تعد من بين أدوات الدبلوماسية الاقتصادية الفعالة، سواءً عبر الروابط الدينية في تنشيط التجارة الصحرواية التي تمتد من صحراء الجزائر إلى غاية السنغال، أو دور الجالية الجزائرية بالخارج لترويج المنتجات وفتح مجال الاستثمار، والاعتماد على الدور السياسي والمحوري في عمليات المصالحة وإرساء السلم والامن في عواصم أفريقية التي تقودها الجزائر والبحث عن سبل المشاركة في الإعمار.
اقرأ/ي أيضًا:
دول "أوبك" تمدّد اتفاق خفض الإنتاج جرّاء "كورونا"
فيروس كورونا يجبر "أوبك" على خفضٍ جديدٍ للإنتاج