01-أغسطس-2017

تكثف الجزائر جهودها لعدم الاقتصار على الاقتصاد الريعي وتطويره (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

عمدت الجزائر خلال الفترة الأخيرة إلى نشر ربورتاج إشهاري مدفوع على صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، تُعدِّدُ فيه الفرص المشجعة للاستثمار في البلد، أملاً في استقطاب المستثمرين الأمريكيين، وهو نهج غير مألوف على السياسة الاقتصادية في الجزائر، التي كان آخر شيء يمكن أن تقلق بشأنه هو هاجس الاستثمارات، إلا أن صدمة هبوط أسعار النفط جعلت الحكومة الجزائرية تعيد حساباتها من جديد في هيكلة اقتصادها.

تتجه الجزائر نحو السعي لاستقطاب المستثمرين الأجانب وإعادة هيكلة اقتصادها في محاولة للخروج من اقتصاد النفط

تداعيات محرقة أسعار البترول

يبلغ احتياطي الجزائر المؤكد من النفط حوالي 12.2 مليار برميل، أي ثالث أعظم احتياطي في القارة الأفريقية بعد نيجيريا وليبيا، وتصنف في المرتبة العاشرة في احتياطي الغاز، بحجم 4.5 تريليون متر مكعب، ناهيك عن فرشات الغاز الصخري المكتشف حديثًا والمقدر بـ 20 تريليون متر مكعب.

وبفضل هذه الوفرة النفطية اعتمدت الجزائر على البترول كركيزة وحيدة لاقتصادها، حيث أن %98 من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة تتأتى من صادراتها الهيدروكربونية، مهملة باقي القطاعات الاقتصادية، إذ تستورد ما يفوق 70% من احتياجات مواطنيها، وهو ما جعلها عرضة للصدمة الاقتصادية بعد تهاوي أسعار البترول خلال السنوات الأخيرة.

فعلى إثر هبوط أسعار المحروقات فقدت الجزائر 5.6 مليارات دولار من عائداتها البترولية بين سنتي 2015 و 2016، بنسبة انخفاض بلغت %17.12، ومن أجل تعويض هذا الانخفاض لجأت الحكومة إلى احتياطاتها النقدية الأجنبية، التي انخفضت بشكل مهول من 192 مليار دولار سنة 2014 إلى 108 مليار دولار حالياً، علاوة على صعود أثمان المواد الاستهلاكية في الأسواق وزيادة تسعيرة الماء والكهرباء.

الشكل1

وبغرض احتواء محرقة أسعار النفط، ارتأت الحكومة الجزائرية سن تدابير في موازنتها لعام 2016، منها رفع أسعار البنزين بنسبة %36 وزيادة الضرائب على الكهرباء وملكية السيارات، مع خفض الإنفاق العمومي بنسبة %9، وعلى الرغم من هذه الإجراءات التقشفية فقد حققت الجزائر، حسب تقرير البنك الدولي، خلال النصف الأول من عام 2016 نسبة نمو %3,9، وذلك نتيجة زيادة إنتاج المواد الهيدروكربونية بنسبة %3,2.

لكن تداعيات نزول الأسعار استمرت على مستوى التضخم، إذ ارتفع إلى %5,9 عام 2016، وارتفع معدل البطالة إلى ما فوق %10، بحيث تغطي %29,9 من الشباب و %16,6 من النساء، وفق إحصائيات البنك الدولي.

اقرأ/ي أيضًا:  الحكومة الجزائرية ومنطق الخالة فرّوجة

الوجهة نحو جذب الاستثمارات

أخذت الجزائر درسًا من أزمة هبوط أسعار النفط، فقد أدركت أن اقتصادها هش بدون مناعة أمام تقلبات السوق

أخذت الجزائر درسًا من أزمة هبوط أسعار النفط، فقد أدركت أن اقتصادها هش بدون مناعة أمام تقلبات السوق، ولولا أن منظمة أوبك (الدول المصدرة للبترول) توصلت إلى اتفاق لخفض الإنتاج العام الماضي، لتواصل هبوط أسعار البترول وتكبدت الميزانية الجزائرية خسائر فادحة، ومن ثمّة بدت ضرورة تنويع الاقتصاد عبر جذب الاستثمارات، بدل الارتكاز على عائدات البترول.

وفي هذا السياق، أقرت الجزائر العام الماضي مشروع قانون جديد للاستثمار يهدف لجذب المستثمرين الأجانب، فتمَّ إعفاء الضريبة عن أرباح الشركات والنشاط المهني لمدة ثلاث سنوات، كما أزيلت الضرائب الجمركية عن إدخال المعدات، بالإضافة إلى امتيازات أخرى للمستثمرين الأجانب، ويُذكر أن الجزائر متأخرة في مؤشر جاذبية الاستثمار، حيث تحتل المرتبة 7 على الصعيد الإفريقي وراء المغرب ومصر، بحسب تصنيف "كانتوم غلوبال" لسنة 2016.

الشكل2

ويقول في هذا الصدد، جون فرانسوا دوفان، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي المعنية بالجزائر، إن "هبوط أسعار النفط يمثل فرصة لإعادة تشكيل نموذج النمو الجزائري بحيث يوفر فرص عمل على أساس أكثر استمرارية"، معتبرًا أن الجزائر نجت هذه المرة من الكارثة بفضل مخزونها الوافر من العملة الصعبة ومديونيتها الشديدة الانخفاض، داعيًا إياها إلى القيام بإصلاحات توفر مناخًا ملائمًا للاستثمار.

وتتوفر الجزائر على قطاعات واعدة الاستثمار، من شأنها تنويع الاقتصاد الجزائري، منها الأراضي الفلاحية الشاسعة التي يمكن استغلالها لتحقيق الأمن الغذائي، وكذا مجال الطاقة الشمسية الممكن  توليدها في صحاري الجزائر، بالإضافة إلى قطاع السياحة المتخلفة فيه الجزائر عن جيرانها المغرب وتونس.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات الجزائر.. العيش الكريم أولًا ودائمًا

صعوبات أمام الاستثمار في الجزائر

أرغمت أزمة تراجع عائدات البترول الحكومة الجزائرية على التفكير في بدائل اقتصادية مرتكزة على الاستثمارات الأجنبية، التي كانت تتوجس منها لاعتبارات سياسية، لكن مع ذلك لاتزال أمام الجزائر صعوبات مرتبطة ببيئة الاستثمار قد تعيق توافد المستثمرين الأجانب.

ولعل أبرز هذه العوائق هو قانون المساهمات الذي يلزم المستثمرين الأجانب بإشراك طرف جزائري يحوز على %51 من الاستثمار، بينما يستحوذ الأجنبي على %49، إضافة إلى المساطر الإدارية المعقدة التي تنتظر الراغبين في الاستثمار من الأجانب.

بجانب ذلك، تحتاج الجزائر إلى ملاءمة نظامها التعليمي مع سوق العمل ليجد المستثمرون اليد العاملة المؤهلة، وأيضًا تحتاج إلى تعزيز الحوكمة والمنافسة والشفافية، إذ أن تفشي الفساد يتسبب في خلق بيئة طاردة للاستثمارات، وبخاصة وأن الجزائر تحتل الرتبة 108 عالميًا في مؤشر الفساد، كما يؤكد ذلك تقرير منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي) الصادر حديثًا.

يضاف إلى ما سبق المخاطر السياسية والاجتماعية المحدقة بالجزائر، والتي لا تطمئن المستثمرين الأجانب بالمغامرة بجلب أموالهم ، في ظل غموض مرحلة ما بعد بوتفليقة الذي أقعده المرض، وتزايد الاحتقان الشعبي بعد أزمة أسعار البترول، دون إغفال الحدود الجغرافية الساخنة المحيطة بالجزائر، مما يشكل تهديدًا لاستقرار الجزائر، ولاسيما مع انهيار الوضع في ليبيا ومالي واستمرار "الإرهاب" في تنفيذ عملياته بين الفينة والأخرى.

كل ذلك يطرح أمام الحكومة الجزائرية تحديات إضافية في قدرتها على إقناع المستثمرين الأجانب بالقدوم، وبالتالي فإن تنويع الاقتصاد الجزائري لن تكون مهمة سهلة، حتى سارت الحكومة في هذا الاتجاه.

اقرأ/ي أيضًا:

"أسواق البطالين" في الجزائر.. عبقرية الحاجة

"ورقلة" الجزائرية.. قبلة العاطلين عن العمل