24-يوليو-2015

أونوره دومیه (1808 - 1879)/ فرنسا

يصاب العارفون بقيمة ميغيل دي ثيربانتس، وقيمة روايته "دون كيشوت" التي كتبها مطلع القرن السابع عشر، بالصدمة حين يصلون إلى المغارة التي هرب إليها بعد أسره من طرف القراصنة الجزائريين عام 1575، وتحمل اليوم اسمه، إذ يُواجههم سياج حديدي وركام من الأوساخ التي لا تليق ببقعة عادية، ناهيك عن معلم حضاري احتضن يومًا مؤسس الرواية الغربيّة الحديثة.

 اللامبالاة باتت تميّز علاقة الجزائريين بمعالمهم التاريخية والثقافية

تقع المغارة في منطقة "الحامة" في العاصمة الجزائرية، ويحدّها مباشرة من الجنوب المبنى الجديد للمكتبة الوطنية الذي أنجز في 1994، و"حديقة التجارب" التي أنجزت في العهد الفرنسي في 1832، ومن الشمال نصب "مقام الشهيد" المنجز في 1982، ويترحم فيه زوار الدولة من السياسيين الكبار على أرواح شهداء ثورة التحرير، ويحدّها من الشرق "متحف الفن المعاصر" و"دار عبد اللطيف" التي كانت إقامة لنخبة من التشكيليين المستشرقين، ومن الغرب مقبرة وضريح الولي الصالح "سيدي امحمد" الذي تحمل البلدية اسمه.

هذا الموقع الحساس ثقافيًّا وجغرافيًّا لم يحمِ المغارة من الإهمال، ولم يجعل منها محجًّا للسياحة والنشاطات الفنية كما كانت في السابق، إذ حدث أن شهدت أمسياتٍ أدبية، مثل تلك التي كان يُنظمها "المقهى الأدبي" التابع للمكتبة الوطنية الجزائرية في عهد مديرها الروائي أمين الزاوي، قبل أن يُعزل من منصبه، نذكر منها مثلًا أمسية قرأ فيها شعراء من القارات الخمس شاركوا في "ملتقى أدب المهجر" العام 2007.

في هذا الإطار يقول الروائي حميد عبد القادر الذي تعد الجزائر العاصمة الفضاء المكاني الأثير في رواياته الثلاث، إن المغارة تمثل إحدى نقاط التقاطع بين الثقافتين الإسبانية والجزائرية، واللتين عادة ما تختزل العلاقة بينهما في القرصنة التي كانت تسود البحر الأبيض المتوسط في القرون الثلاثة التي سبقت احتلال الجزائر العام 1830.

صاحب رواية "توابل المدينة" ينسب الإهمال الذي يطال اليوم مغارة ثيربانتس إلى ثقافة اللامبالاة التي باتت تميز علاقة الجزائريين بمعالمهم التاريخية والثقافية. يقول "لا أرى أن هناك قصدية ما، بسبب عدم انتماء هذا المعلم إلى الامتداد الفرنسي في الجزائر، كما يذهب إليه البعض، فقصبة المدينة نفسها مهددة بالانهيار رغم تصنيفها من طرف اليونيسكو كجزء من التراث العالمي، والمدينة كلها تتعرّض إلى موجة من المسخ والتشويه".

من جهته يفسر الباحث في الأدب الإسباني، عبد الله حمادي، عدم دخول المغارة إلى المتن السردي الجزائري، وهي التي استضافت كاتب رواية "دون كيشوت" التي تعد في المشهد الإسباني بمثابة نصوص شكسبير في الأدب الإنجليزي، و"الكوميديا الإلهية" لدانتي في الأدب الإيطالي، إلى كونها بقيت مجهولة إلى غاية سبعينيات القرن العشرين.

يضاف إلى ذلك، بحسب صاحب ديوان "البرزخ والسكين"، الدور السلبي للاستعمار الفرنسي في عدم التقارب بين الجزائريين والثقافة الإسبانية، بالتقليل من شأنها لدى النخبة الجزائرية المفرنسة حتى لا ينهض ذاك الماضي من التواصل بين الضفتنين.

ثبت أن فكرة رواية "دون كيشوت" روادت ثيربانتس أثناء سجنه نهاية ثمانينيات القرن السادس عشر في إشبيلية بعد اكتشاف عجز في حساباته البنكية، وليس في مغارة الحامة كما يعتقد السكان المحليون، والتي ثبت مكوثه فيها شهورًا، إذ كانت يومها بعيدة عن قلب المدينة التي كان يحكمها العثمانيون، قبل أن تصل الفدية من والديه والآباء الثالوثيين ويعود إلى إسبانيا.