06-يوليو-2016

(الترا صوت )واجهة المكتبة

الزائر لمدينة الجزائر، والمار من أمام البريد المركزي، يلاحظ أمام الحديقة المقابلة له عددًا معتبرًا من الطاولات التي تعرض للبيع كتبًا قديمة ومستعملة. ديكور جميل، ومكتبة في الهواء الطلق، مبادرة استحسنها الكثيرون.

ما يستحيل التهرب من وجه الاعتراف بحقيقته المرة أن واقع الكتاب في الجزائر بئيس، فئة قليلة من تقرأ وتنتج

تلك الطاولات كثيرًا ما تكون ملكية أشخاص متقاعدين وجدوا في الكتاب أنيسًا لهم، يعرضون فيه كتبًا قيّمة ونادرة وبأسعار معقولة جدًا، لكبار المفكرين والمؤرخين والأدباء، كما يقومون أيضًا باقتناء كتب ممن يعرضون بيعها عليهم، وتشهد الساحة إقبالًا كبيرًا من مختلف شرائح المجتمع، لوحة جميلة قد تعيد الجزائري لعلاقته الحميمية بالكتاب، ولتشجيع "مكتبات الرصيف"، قام المسؤولون على بلدية الجزائر الوسطى بمنح هؤلاء مستودعًا يحفظون فيه كتبهم، ويعفيهم من مشكل حملها معهم مع نهاية كل يوم، في ذلك المكان، تلتقي الثقافة مع البناءات العتيقة للعاصمة، وزرقة البحر من الجهة الأخرى، صورة جمالية تستحق الثناء.

من المتعارف عليه عند الجزائريين، أن يكون بائع الكتب القديمة شخصًا متقدمًا في السن، يتخذ من بيع الكتب متنفسًا ومكسب رزق، لكن في مدينة سطيف، شرقي الجزائر العاصمة، تأتينا نقطة مضيئة وباعثة أمل، بعد أن وجد شاب يبلغ من العمر 22 سنة موطأ قدم له في هذا المجال، إنه نوفل بوقصّة، صاحب مبادرة و"مكتبة المفكّرين الأحرار"، الفتى الذي كان مغني راب، صنع الاستثناء وولج عالما لم يسبقه إليه أحد من شباب الجزائر، مكتبة جميلة روحًا وشكلًا، ستكون بادرة لمشروع أكبر.

اقرأ/ي أيضًا: سينما السبكي التجارية.. احتكار موسم العيد

في حديث لـ"الترا صوت"، يؤكد نوفل أنه ترعرع وسط بيت كان فيه الكتاب فردًا من العائلة، يقول نوفل "والدي يمتلك أيضًا مكتبة للكتب القديمة، فمكتبته لا تبعد إلا خمس دقائق سير على الأقدام من مكتبتي، وهو أقدم مني بكثير في هذا الميدان قام بفتح مكتبته بكتب كانت يقرأها هو في الأصل".

يروي نوفل هذه القصة الجميلة، ورحلته من مغني الراب "نوفل ناينتين" إلى أول شاب جزائري يستثمر في مشروع مماثل، ويضيف "لا أعلم حقًا إن كنت أنا أول شاب يبادر إلى هاته الفكرة أم أن هناك شباب آخرين بادروا إليها ولم يصل صدى مكتباتهم إلى الإعلام، أنا لم أنتقل من "نوفل ناينتين" ما زلت نفس الشخص فقط وفرت له بيئة خصبة لإثراء رصيده الثقافي والمعرفي يستطيع أن يزاوج فيها بين الفكر والصنعة الفنية".

حول تسمية المكتبة يقول نوفل "الاسم في الحقيقة، كان لمجموعة نشطاء ومدونين على موقع فيسبوك، كنت أتفاعل معهم، وقد نهلت منهم عديد الأفكار، وحين أطلقت مشروع مكتبتي، قررت أن يكون اسمها كذلك، عرفانًا لكل أصدقائي في تلك المجموعة، وشكرًا لهم على ما يبذلونه في سبيل نشر العلم والمعرفة".

يرى الجميع في نوفل ومكتبته أكثر من مجرد فضاء تجاري لبيع الكتب، وإنما ومضة تفاؤل ثقافية خاصة

افتتح نوفل بوقصّة صفحة لمكتبته على موقع فيسبوك، ومن السهل أن تلاحظ ذلك الترحيب الكبير من الجميع بفكرة مكتبته، والكم الهائل من المديح من خلال قراءة المنشورات والتعليقات، عن هذا يقول نوفل "الأصدقاء جميعهم آمنوا بي وكانوا بمثابة السند المعنوي لي، ورحبوا بالفكرة كثيرًا وشجعوني، سكان المدينة ممن وصلهم خبر افتتاح المكتبة إما عن طريق الإنترنت أو عبر رؤيتها في الطريق فقد رحبوا بالفكرة كثيرًا، ووصلتني العديد من الاتصالات والرسائل من مختلف الأطياف تهنئني تشجعني وتعدني بالزيارة في أقرب وقت".

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "الندم".. ولكن ما سبب "الأزمة"؟

يرى الجميع في نوفل وفي مكتبته أكثر من مجرد فضاء تجاري لبيع الكتب، وإنما ومضة تفاؤل خاصة مع عزوف فئة الشباب عن المشهد الثقافي. خصص نوفل جميع مدخراته التي تحصل عليها من قيامه بأعمال حرة، كما أنه يثني أيضًا على الدعم المادي والمعنوي الذي تلقّاه من والده، ليخلق فضاء له ولمن يبحث عن كتب معرفية وعلمية وأدبية نادرة، خاصة تلك التي لا تصدر عنها إصدارات جديدة، كما ستكون المكتبة أيضًا مورد رزق قار له. شاب يمقت القيود ويسعى لنشر أفكار التحرر الفكري، وقد بدأ بثبات أول خطواته نحو ذلك، كما يريد نوفل أن يجعل من مكتبته ملتقى لكل المبدعين بجميع تخصصاتهم: "صراحة أتمنى ذلك كثيرًا وهو بمثابة حلم لي لكن الآن لا أفكر في ذلك لأن فكرة الفضاء الثقافي تحتاج إلى رخصة قانونية، وتحتاج إلى دعم مادي معتبر، لذا سأكتفي بالعمل قانونيًا في بيع الكتب إلى إشعار آخر، وتلك اللوحات على جدران المكتبة من رسم صديق الطفولة الفنان نسيم بيري الذي طرح فكرة عرضها في مكتبتي للزينة وكمساهمة وهدية منه إلي".

يحرص نوفل بوقصّة على توفير عناوين تختص بالفكر، والكتب العلمية، وكذا عناوين فلسفية عريقة، وروايات كلها باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، تلك الكتب التي من شأنها أن تحقق حركة تنويرية، وأن تكون حصنًا في وجه موجات التطرف، ومحاولات زرع الأفكار الظلامية في المجتمع الجزائري، خاصة في عقول الشباب. 

ما يستحيل التهرب من وجه الاعتراف بحقيقته المرة أن واقع الكتاب في الجزائر بئيس، فئة قليلة من تقرأ وتنتج، مثل هذه المبادرات ستساهم في إخراجه من هذه الأزمة، الجميع يريد السير نحو الأمام، وسيتحقق بتكافل الجميع شيء مفيد لهذا الوطن.

اقرأ/ي أيضًا:

عباس كياروستامي وأبو اسكندر أيضًا

"مسرح القوس" في الجزائر.. الأسرة البديلة