12-أبريل-2022
إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية (الصورة: Getty)

تَحتل الجزائر مكانة ذات أهمية كبيرة في الخطاب السياسي والإعلامي الفرنسي؛ ويعود ذلك لعدة أسباب تاريخية واقتصادية وثقافية، وتُشكل العلاقات الجزائرية-الفرنسية أولويات في الدعاية الانتخابية الفرنسية، إذ يجتهد أغلب المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية في عرض الرؤية الدبلوماسية لرسم وتحديد العلاقات الثنائية بين الجزائر وباريس.

زين العابدين غبولي: الجزائر تقف بشكل غير رسمي مع المترشح ماكرون لعهدة ثانية لاعتبارات دبلوماسية وبراغماتية

هذه المكانة تَعكسُ الثقل التاريخي الذي يجمع البلدين، وأهمية الجالية الجزائرية في المعادلة الانتخابية، حيث يحاول كل متنافس استقطاب فئات مجتمعية من المهاجرين الجزائريين لصالحه، ويحاول المرشح الأكثر حظًا الاقتراب من السلطات الجزائرية،  فالتيار اليميني المتطرف يغازل الريف الفرنسي ويٌسوق مخاطر المهاجرين على عالم الشغل وتدهور الوضع الأمني في الضواحي الفرنسية، ويُطور خطاب معاداة الإسلام، بينما يركز تيار اليسار الراديكالي على الدفاع على الهوية الفرنسية المتنوعة والمتعددة.

في هذا السياق، يلعب المرشح إيمانويل ماكرون على التوازنات المجتمعية والأهداف الدبلوماسية، ويُطبع على خطاباته الطابع البرغماتي، إذ يَمدُ يده اليسرى للجزائر في ما يخص مسألة الذاكرة والاعتراف ببعض الجرائم الاستعمارية، فيما يَمدٌ يده اليمنى إلى أنصار فرنسا التاريخية وتعظيم تاريخها الماضوي كدولة استعمارية،والاعتراف بحقوق الحركى وقدماء المحاربين الجزائريين الذين حاربوا ضدّ ثورة بلادهم.

الجزائر تتابع

في السياق، ونظرًا إلى القرب الجغرافي المتوسطي، وحضور القوي للجالية الجزائرية بفرنسا، إضافة إلى العلاقات الجيوسياسية والشراكة الاقتصادية، مع الإشارة إلى الارتباطات التاريخي المعقد والمعلقة بين الجزائر وفرنسا، عناصر تجعل الجزائر تتابع سير العملية الانتخابية وما تفرزه الاستحقاقات من نتائج ومخرجات، وقد تَرسُم الجزائر سيناريوهات قصد التعامل مع كل التطورات السياسية المحتملة على الساحة الفرنسية.

وعلى ضوء تصاعد خطاب الكراهية في فرنسا، أبدت الجالية الجزائرية بفرنسا مخاوف من بروز الخطاب المتطرف بشكلٍ أعنف، يمثله المرشح إريك زيمور، الذي يتضمّن برنامج راديكالي لمحاربة الهجرة وحظر الهوية العربية-الإسلامية، وتهديد النمط المعيشي للجالية الجزائرية والمهاجرة.

الجالية الجزائرية.. كتلة انتخابية

في سياق الموضوع، يُشكل الناخبون الفرنسيون من أصول جزائرية، كتلة انتخابية وازنة في الانتخابات الفرنسية، الأمر الذي يجعل من هذه الفئة محل استقطاب واهتمام واستفزاز في الوقت نفسه.

ويرى مراقبون أن صعود اليمين المتطرف جعل الجالية الجزائرية محل دائرة النقاش، وزاد من الزخم السياسي والدعائي، ولعب المرشح المتطرف أريك زيمور دورًا في بروز العداء تجاه الجالية الجزائرية، وعودة النقاش حول الهوية الفرنسية، وسياسة الاندماج، وأسباب الإخفاق النموذج الفرنسي في احتواء المهاجرين.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن العدد الإجمالي للجالية الجزائرية في فرنسا تقدر بستة ملايين نسمة، وهو العدد الذي يجعل الجالية كتلة انتخابية حاسمة في المعركة الانتخابية.

وفي السنوات السابقة، توالت زيارات المشرحين المحتملين للرئاسيات الفرنسية إلى الجزائر، على غرار ساركوزي، هولاند، آلان جوبي.

وزار ماكرون الجزائر في سنة2017 وصرح حينها أن الاستعمار الفرنسي كان جريمة ضدّ الإنسانية، وقد لقيت تصريح ماكرون غضبًا في فرنسا وترحيبا بالجزائر.

تجدر الإشارة أن السفير الجزائري لدى باري، عنتر دواد صرح في مؤتمر صحافي " أنه من غير المقبول ألا تتمكّن للجزائر التي تشكل أكبر جالية أجنبية بفرنسا ولديها 18 قنصلية من الأخذ بزمام الأمور من أجل التدخل ليس في السياسة الجزائرية فحسب، بل أيضًا على مستوى السياسة الفرنسية".

هذا التصريح الذي أزعج السلطات الفرنسية، التي قالت إنه تدخل في شؤونها الداخلية والسيادية، غير أن مراقبون أشاروا أن تصريحات السفير الجزائري جاءت في سياق التوتر الدبلوماسي الذي كان قائمًا بين الجزائر وباريس، وردا على تصريحات ماكرون الذي تسأل عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، ووصف السلطة الجزائرية بـ "النظام السياسي-العسكري الذي يستمد شرعيته من الذاكرة".

علاقات تاريخية لا يمكن تجازوها

في سياق متصل، يقول أحسن خلاص، المحلّل السياسي، أن استطلاعات الرأي العام تظهر المنافسة بين إمانويل ماكرون وماري لوبان وجان لوك ميلاشون.

وأشار محدث “التر جزائر" إلى أن تأثير الانتخابات الفرنسية على العلاقات مع الجزائر لن يكون جوهريًا في حال فوز أحد هؤلاء المرشحين الثلاثة.

معتبرًا  أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تاريخية، إذ لا يمكن  لأيّة حكومة أن تتجاهلها أو تتجاوزها، حيث "أن الاختلالات والاختلافات ستكون في كثافة التبادلات وطبيعة الشراكة ومستوى التشاور والتوافق السياسي".

وفي تقدير المحلل السياسي، أن مارين لوبان ستنتهج سياسية برغماتية تجاه الجزائر، وستحاول فصل البعد الاقتصادي عن الأبعاد المعنوية مثل التاريخ والذاكرة.

وزاد أن إيمانويل ماكرون أعاد العلاقات إلى مجراها بعد فترة من التوتر، والعمل متواصل في مجال الذاكرة، أما عن المرشح جون ميلانشو يرى أحسن خلاص أنه سيكون أكثر قربًا من الجزائر وقد نصل معه إلى اتفاق صداقة.

وبخصوص ميل الجزائر لاختيار وتفضيل أحد المترشحين، أكّد المتحدث أن الجزائر التزمت الصمت واتخذت مسافة واحدة من المترشحين، معتبرًا أن بلاده لا يمكن أن تساند ماكرون بعد تصريحاته الاستفزازية حول الأمة الجزائرية، كما لا يمكن مساندة ميلاشون كونه حلقة ضعيفة لا يمكن المراهنة عليه.

وختم المتحدّث أن ماكرون هو المرشح الأقل سوءًا بالنسبة إلى الجزائر، موضحًا أن الرئيس المرشح قدم مبادرات وصاحب رؤية، رغما كونه مضطرب المواقف، ولا يستقيم على تصور واحد وواضح.

الجزائر لا تتدخل بشكل مباشر 

من جانبه، أكد زين العابدين غبولي، المحلل السياسي المعنم بالشأن الدولي، أن الجزائر لا تتدخل بشكل مباشر في الانتخابات الفرنسية،و علق أن "الجزائر تقف بشكل غير رسمي مع المترشح ماكرون لعهدة ثانية لاعتبارات دبلوماسية وبراغماتية".

وأبرز محدث "التر جزائر" أن الهدوء النسبي في العلاقات الجزائرية- الفرنسية وعودة التعاون على مستوى القضايا الإقليمية والأمنية من بين ملامح هذا التقارب والتفاضل.

وأوضح أن فوز ماكرون يعني الاستمرار في الفصل في الملفات العالقة بما فيها قضايا الذاكرة، ومواصلة التنسيق المباشر بين ماكرون وعبد المجيد تبون حول المسائل المحورية.

وأشار المحلل السياسي، إلى  أن الجزائر لا ترغب في وصل التيار اليمين المتطرف إلى قصر الإليزيه، وأضاف أن صعود اليمين المتطرف إلى الحكم يعني تقويض كل التقدم الحاصلة بين الطرفين، وتصعيد بين الجانبين، ومن شأنه خلق صدمة بين الجزائر وباريس تمتد أثارها إلى المشهد الإقليمي.

يمكن للجزائر أن تلعب دورا سياسيًا متوازنًا على الساحة السياسية الفرنسية

وفي خضم التحولات والتدخلات الإقليمية يمكن للجزائر أن تلعب دورا سياسيًا متوازنًا على الساحة السياسية الفرنسية، واستخدام ورقة الجالية الجزائرية لخدمة مصالحها الاستراتيجية، وتشكيل لوبي يوافق ويدافع عن مواقفها الخارجية والسيادية.