سياسة

الجنوب الجزائري.. تحوّلات اجتماعية وسياسية صامتة

16 يونيو 2020
GettyImages-465264560 (1).jpg
ارتبطت الاحتجاجات المطلبية بالتحوّلات السياسية في البلاد (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموشإعلامية وباحثة من الجزائر

شهدت عدة مناطق في الجنوب الجزائري، مسيرات سلمية ومظاهرات تُطالب بتحسين البنية التحتية للمعيشة والخدمات الصحيّة ومطالب الشغل، بعد أقلّ من 48 ساعة من تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، والذي طالب فيه الجزائريين، بمنح الحكومة الحالية الوقت الكافي لتنفيذ إصلاحات اجتماعية.

لا تأخذ هذه المظاهرات أهميّتها، من كونها تأتي في ظرف تحظر فيه السلطات المسيرات بسبب تفشي وباء "كوفيد - 19"

لا تأخذ هذه المظاهرات أهميّتها، من كونها تأتي في ظرف تحظر فيه السلطات التجمّعات والمسيرات بسبب تفشي وباء "كوفيد - 19"، أو عودة الطابع الاجتماعي للمظاهرات بعد أكثر من سنة كاملة من الاحتجاجات السياسية منذ شهر شبّاط/فيفري العام الماضي، لكنها تبدو مثيرة للانتباه في علاقة بالجغرافيا لتموقعها في منطقة الجنوب، الذي يُعرف أنه الأكثر هدوءًا من مناطق الشمال.

اقرأ/ي أيضًا: حبس أبرز وجوه الحراك في الجنوب الجزائري

مؤشرات استمرار الحراك الشعبي 

منذ تاريخ الاعتصام الشهير ضدّ استغلال الغاز الصخري، في منطقة عين صالح بأقصى جنوب البلاد سنة 2015، بدا أن هناك تحوّلًا في خارطة الاحتجاجات الاجتماعية من الشمال إلى الجنوب، وأظهر ذلك أن منطقة الجنوب التي ظلّت في حالة تصالح مع السلطة، و تماهٍ مع كل السياسات الحكومية، وقبولٍ بالأوضاع المعيشية والقطاعات الخدمية، في النقل والصحّة والتشغيل في الوظيف العمومي، تعيش مرحلة تحولّات سوسيولوجية ذات علاقة بالتركيبة البشرية، وبارتفاع مستويات الوعي والتنظّيم المدني، واقترن ذلك بطفرة منصات التواصل الاجتماعي، وانهيار سلطة الأعيان والمؤسّسات الاجتماعية العرفية، التي كانت تمثل سكان المناطق وتخاطب السلطة باسمهم، وتتعاطى معها في مطالبهم الاجتماعية.  

ظاهريًا، وفي قراءة للأوضاع في الجنوب الجزائري، يُثير الكثيرون مسألة مهمّة، تتعلق بكون الجنوب هو الخزّان النفطي والغازي، وبذلك يعتبر مصدر تمويل خزينة الدولة من عوائد الموارد الطبيعية، بينما في المقابل من ذلك، يئنّ هذا الجنوب من مشاكل مرتبطة بمعيشته اليومية، تقول الباحثة في علم الاجتماع ياسمينة لعلاوي، لـ "الترا جزائر"، معترفة أن هذه المفارقة الصارخة، يصوّرها الجنوب الغنّي والمواطن الفقير، وتترجمها الظروف الاجتماعية التي يعتبرها ساكنة الجنوب "إجحافًا في حقهم"، وبخاصة تلك المرتبطة بوضعية شبابها البطال، خاصة من حملة الشهادات العليا، علاوة على مشكلة ضعف الخدمات الصحية في مناطق شاسعة في ولايات الجنوب المترامي الأطراف، كما قالت المتحدّثة.

اللافت أن الحركة الاحتجاجية التي شهدتها الساحة الجزائرية تشبه "كرة الثلج"، إذ كلّما تدحرجت جمعت معها المزيد وازداد حجمها وسرعتها. هكذا تشتغل التراكمات المسكوت عنها في الجنوب، إذ يرى الباحث في العلوم السياسية نور الدين ندور، أن التراكمات الاجتماعية لا يمكن قياسها بالعين المجرّدة وليس بعمليات العدّ والتصنيف، فتظلّ مجرّد أرقام حول عدد الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر، والجنوب خصوصًا وذلك في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

يوضّح ندور، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن "الاحتجاج الذي يبدو في ظاهره ذو مطلبية اجتماعية، هو في المحصّلة سياسي بعمق المشكلات التي يعيشها المواطن في كل ربوع البلاد، حتى وإن أحرق عجلات السيارات لأجل أن تلتفت البلدية لانجاز ممهل يقي التلاميذ من حوادث السير، ففي النتيجة هناك فوران وغليان في مجموعة ما، في قرية ما في بلدية ما، في ولاية ما، يوحي أن المنجز الحقيقي لسياسة الدولة التي يمثلها الوالي فشلت في احتواء الأوضاع، في المقابل، ينبئ أن هناك عجزًا في تحقيق مطالب مشروعة ذات بعد اقتصادي اجتماعي. حلولها في يد السياسي وهو الذي يملك السلطة في تهدئة الوضع".

الاحتجاج السياسي والاجتماعي

 عكس بعض الأطروحات التي ذهبت إلى توصيف احتجاجات ورقلة  والمسيلة، على أنها اجتماعية صرفة بل "ثورة جياع"، يتحدّث نشطاء على أن أي حركة احتجاجية، تحمل في باطنها بعدًا سياسيًا، بل "كل حركة احتجاجية هي مضمونها سياسي حتى وإن حملت طابعًا اجتماعيًا"، يقول الناشط السياسي جلال هناد لـ "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن "الجنوب الصامت لسنوات طويلة، هو اليوم يحمل: قوّة وعيٍّ بين شبابه الجامعي، وتطوّر في مستوى الخطاب ومستوى التنظيم أيضًا"، إذ تعد الأخيرة وسيلة للضغط دومًا، وليست احتجاجات عابرة يمكن إخمادها في المهد بوعود فقط، خاصّة وإن بقيت الأوضاع كما هي، كما قال.

مختلف الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر، في فترة الربيع العربي العام 2011، دفعت بالسلطة القائمة خلال تلك الفترة، إلى اتخاذ تدابير "نابعة من كون أي احتجاج ما هو إلا نافذة مفتوحة على إخراج كل المشاكل المتراكمة إلى النور" يضيف المتحدث.

هكذا إذن، وبمنظور النشطاء في الميدان، ينمو ويتّسع الفعل الاحتجاجي، ويتمّ توصيفه على  أنه سياسي أو اجتماعي، إذ لا يمكن أن يكون ذو طابع واحد، يضيف هناد، معتبرًا أن هناك عدة أنظمة سقطت بسبب ظلم وبسبب مشكلة اجتماعية، كانت هي عود الثقاب الذي أشعل فتيل الثورات، بدليل أن العنصرية تسببت في احتجاجات نارية في أميركا، وقبلها صفعة الشرطية للشاب محمد البوعزيزي، دفعت "الرئيس بن علي للهرب"، وغيرها من الأمثلة في الواقع ما هي إلا شرارة أشعلت نيران التغيير في الكثير من البلدان. 

عوامل غيّرت سلطة العرف

لا يمكن إغفال عدّة معطيات واقعية في الواقع الاجتماعي في الجنوب الجزائري، إذ برزت عدة قيادات محلية واعية، أدارت عدّة احتجاجات أهمّها اعتصام ضدّ استغلال الغاز الصخري، يقول يقول الناشط في الميدان والباحث في الإعلام أصيل منطقة تيميمون عبد الله أوفة لـ "الترا جزائر"، فضلًا عن نشاط كبير للتنظيمات الطلابية في الجامعات، في المقابل انخراط الأحزاب في القاعدة في عدّة ولايات جنوبية.

يوضّح المتحدّث، أن بروز قيادات شباّنية محلية في المناطق الجنوبية للبلاد، قابله انحسار سلطة الأعيان والمؤسّسات الاجتماعية العرفية، التي كانت تمثل سكان المناطق وتخاطب السلطة باسمهم، و تتعاطى معها في مطالبهم الاجتماعية.  

إضافة إلى ما سبق، أسهمت منصّات التواصل الاجتماعي، والصفحات في موقع فيسبوك، وبروزها كبديل للإعلام المحلّي، وتغطية الأحداث هناك، فضلًا عن تعرية الواقع ومدى التهميش في المناطق الجنوب إسهامات كبرى، موضحًا أن الإعلام البديل عبر مواقع الشبكات الاجتماعية على مستوى الإنترنيت، وفّر معلومات دون الحديث عن صديقتها، فضلًا عن تمكين المواطن في الولايات الجنوبية، من الحشد والكشف عن الفضائح، وأردف عبد الله أوفة، أنها لعبت من جهة  دورًا مضاداً للإعلام الرسمي من جهة، وتجاهلت الإعلام المحسوب على القطاع الخاص، من جهة أخرى. 

عرفت مئات الاحتجاجات المطلبية، والتي بدورها ضغطت على السلطة السياسية خلال العشرية الأخيرة

المطالب متعددة .. الهم واحد

أثبتت التجارب الاحتجاجية، أنه لا شيء ثابت في الأحداث التي تحصل في الشارع، خصوصًا وأن الجزائر عرفت مئات الاحتجاجات المطلبية، والتي بدورها ضغطت على السلطة السياسية خلال العشرية الأخيرة، فبعملية حسابية بسيطة، كانت المنظومة السابقة تتعامل بعقلية "طالب لتأخذ"، كما يشير محللون للظاهرة الاحتجاجية في الجزائر وارتباطها بكل ما هو سياسي، في حين انجرّ عنها انهيار تامٌ لقيم الأحزاب السياسية، وارتفاع منسوب الوعي أخرج الآلاف للشوارع للمطالبة برحيل منظومة بوتفليقة ورفض العهدة الخامسة، بعيدًا عن مطالب أخرى، كانت في وقت قريب هي المحرّك الأساسي للضغط الشعبي في الشارع رغم اختلاف أيديولجيات المتظاهرين وتعدد أسباب الاحتجاجات. إذ لا يمكن اليوم، فصل حراك الـ 22 شباط/فبراير 2019، عن مختلف التحوّلات الحاصلة اليوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

الجنوب الجزائري والبكالوريا.. لماذا المراتب الأخيرة؟

 

 

الكلمات المفتاحية

إريك سيوتي

البرلمان الفرنسي يناقش قريبا مقترح نائب متطرف يطالب بإلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر

قدّم النائب الفرنسي اليميني المتطرف إيريك سيوتي، مقترحًا برلمانيا ينتظر أن يناقش في جلسة 26 حزيران/جوان الجاري، يطالب السلطات الفرنسية بالتخلي عن اتفاقيتي 27 كانون الأول/ديسمبر 1968 و16 كانون الأول/ديسمبر 2013 المبرمتين مع الجزائر، واللتين تنصان على نظام ميسر لدخول وإقامة الجزائريين في فرنسا.


العلاقات الجزائرية الإيرانية

العلاقات الجزائرية الإيرانية .. شراكة في مرآة الجغرافيا والسياسة

مرّت العلاقات الجزائرية الإيرانية بمحطات متباينة، شملت فترات من التقارب والتعاون، وأخرى اتسمت بالتوتر والفُتور، وصلت أحيانًا إلى حدّ القطيعة.


المجلس الشعبي الوطني

البرلمان الجزائري سلطة تشريعية بمِطرقة المُصادقة.. أين الرقابة؟

مدّد البرلمان دورته العادية لمدّة أسبوع إضافي، في خُطوة تهدف إلى استكمال التصديق على حزمة من مشاريع القوانين المهمة.


الجزائر العاصمة

كتاب "زمن العسكر... القلاع والبوصلة".. قراءة في التحولات السياسية في الجزائر

تُعتبر العلاقة بين المؤسسة العسكرية والفضاء السياسي في الجزائر من أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية، إذ غالبًا ما يتمّ التعاطي مع هذا الموضوع ضمن أطر تحليلية تقليدية.

باخرة غراندي نافي فيلوتشي
أخبار

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟

دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

السيدة
أخبار

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر

عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.


بوعلام صنصال (الصورة:فيسبوك)
أخبار

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه

يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

حجز ذخيرة
مجتمع

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

وفاة مناصر وإصابة 11 آخرين.. حادثٌ مأساوي يُلغي مراسم تتويج مولودية الجزائر في ملعب 5 جويلية


2
رياضة

مولودية الجزائر بطلًا للبطولة الوطنية و"الجياسكا" تعود لرابطة الأبطال


3
أخبار

عطاف: لا أمن ولا سلام في الشرق الأوسط دون حل عادل للقضية الفلسطينية


4
أخبار

تواصل جهود إخماد حرائق الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية بعدة ولايات


5
راصد

الاحتراف الرياضي في كرة القدم الجزائرية.. مشروع لم يكتمِل