حمل مشروع قانون مالية 2020، أنباءً غير سارة للجزائريين، بعد أن توقّع انخفاض سعر الدينار مقابل الدولار الأميركي بنحو 15 في المائة في السنوات الثلاث المقبلة، الأمر الذي يفتح مزيدًا من التوجسّات بشأن القدرة الشرائية للمواطن التي هي اليوم في حالة متدنّية، كما يطرح أسئلة حول جدوى خطة الإنعاش الاقتصادي التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون ووعد بأن تحمل جديدا مفرحًا لاقتصاد البلاد.
يتخوّف المواطنون من أن ينعكس هذا التخفيض على قدرتهم الشرائية
وتنعكس عملية خفض قيمة الدينار على الميزان التجاري للبلاد، الذي يسجّل عجزًا في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى أن مقتنيات البلاد أغلبها بالعملة الصعبة، وبالخصوص باليورو الذي سترتفع قيمته هو الآخر مقابل العملة الجزائرية.
اقرأ/ي أيضًا: لأوّل مرّة منذ بداية الحراك.. أسعار الأورو تنتعش في سوق "السكوار"
مؤشرات سلبية
وحسب مشروع قانون المالية 2021، فإن حكومة الوزير الأوّل عبد العزيز جراد تتوقع "انخفاض سعر صرف الدينار الجزائري مقابل الدولار الأميركي، حيث سيبلغ في المتوسط السنوي 142.20 في 2021، و149.31 دينارجزائري/دولار أميركي في سنة 2022 و156.78 دينار جزائري في 2023".
ويفترض التاطير الاقتصادي الكلي لمشروع القانون تسجيل انخفاض في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي بنحو 5 بالمائة سنويًا.
وبهذه الأرقام، تواصل العملة الجزائرية تهاويها أمام العملات الأجنبية، ففي عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة انهار الدينار الجزائري من أقل من 70 دينارًا للدولار الواحد في ولايته الرئاسية الأولى، إلى 120 دينارًا مقابل دولار واحد في 2019 قبل استقالته، وذلك حسب تداولات التعاملات الرسمية.
وبلغ متوسط سعر الدولار الأميركي أمام الدينار الجزائري خلال تعاملات الأربعاء، وفق بيانات رسمية إلى 127.08 دينارًا، وهو الذي كانت تتراوح قيمته نهاية العام الماضي وبداية السنة الجارية عند 120 دينار أو اقل للدولار الواحد.
نتيجة منتظرة
لا يبدي الخبير الاقتصادي محمد محفوظ كاوبي، أي تفاجئ بالقرار الذي اتخذته السلطات بشأن قيمة الدينار، بل اعتبره في حديثه مع "الترا جزائر" قرارًا منطقيًا ومنتظرًا بالنسبة لوضعية لاقتصاد الجزائري الذي يعاني صعوبات بسبب جائحة كورونا، وبالخصوص لارتباطه بعائدات البترول.
وأوضح كاوبي أن سعر برميل النفط عرف انخفاضًا واضحًا في 2020، وقد يستمر في السنوات المقبلة والذي سيبلغ كمعدل متوسط 45 دولارًا حسب تقديرات الحكومة، ما يعني تقلصًا في العائدات النفطية بسبب هذه الأسعار، وكذا بسبب تراجع الكميات المصدرة نتيجة قرارات "أوبك" وشركائها المتعلقة بخفض الإنتاج لاحتواء تخمة العرض في السوق العالمية.
وبيّن كاوبي، أن تقليص قيمة الدينار ستقلل الفارق بين السعر الحقيقي للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، والذي يقارب قيمته في السوق الموازية، مبينًا أنه "من غير الممكن أن تواصل الدولة دعم سعر العملة الوطنية، في حين أن الاقتصاد يعاني من تضخم متواصل".
انعكاسات اجتماعية
في بلد لا يزال يوفّر العديد من حاجياته الغذائية والخدماتية وغيرها من السلع الاستهلاكية عبر بوابة الاستيراد، يتخوّف المواطنون من أن ينعكس هذا التخفيض على قدرتهم الشرائية التي انهارت بالأساس في السنوات الأخيرة، وجعلت الطبقة الوسطى في البلاد مهدّدة بالزوال.
في هذا السياق، قال الرئيس عبد المجيد تبون في حوار مع التلفزيون الحكومي، شهر كانون الأول/ديسمبر 2019 خلال حملته الاإن " الطبقة الوسطى هي الفئة الشعبية الأكثر تضررًا من كل الأزمات التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم، وضمان استقرار البلاد يكون بضمان كرامة هذه الطبقة".
وأعاد الرئيس تبون بعد وصوله إلى سدة الحكم التأكيد على اهتمامه بهذه الفئة، فقد قال "إن شغلي الشاغل هو الشعب وبالأخص الطبقة المتوسطة والكادحة".
ومع خفض قيمة الدينار وتقليص الغلاف المالي الموجه لدعم مادتي السكر والزيت، ستكون وعود الرئيس تبون أمام امتحان صعب، للتأكيد على اهتمامه بهذه الطبقة والفئات الشابة التي تكون أول المتأثرين بارتفاع الأسعار.
ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد محفوظ كاوبي لـ "الترا جزائر"، أن خفض قيمة الدينار ستكون له انعكاسات سلبية تتمثل في ارتفاع الأسعار ورفع الرسوم الضريبية على المواد المستوردة، الأمر الذي يحتم على الحكومة اتخاذ إجراءات ميدانية لضمان عدم تأثر الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل الضعيف من تبعات هذا الانخفاض في قيمة العملة الوطنية.
وسيضع ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، وبالخصوص ذات الاستهلاك الواسع خطة الإنعاش الاقتصادي التي أطلقها الرئيس تبون على المحكّ، بالنظر إلى أن أي مساس بالقدرة الشرائية نتيجة انخفاض قيمة الدينار سيبعث الشك في نفوس الجزائريين ويهز ثقتهم في قدرة هذه الخطة على تحقيق الإنعاش الاقتصادي المنشود.
غير أن محفوظ كاوبي يشير إلى أن هذا الخفض الإجباري في قيمة الدينار، قد يكون فرصة سانحة للحكومة لتنفيذ خطة الإنعاش الاقتصادي، بالنظر إلى أن تهاوي قيمة العملة الوطنية سترفع أسعار المواد المستوردة، ما يفتح المجال للإقبال على المنتوج المحلّي إذا ما تم تشجيعه والعمل على تطويره كما تعد حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد.
يمة العملة الوطنية كثيرًا ما عكست وزن الدول بين باقي الأمم في عالم صار لا يعترف بالضعفاء
وإذا كان خفض قيمة الدينار يشكل بالنسبة للمواطن البسيط مسألة تجارية تتعلق بارتفاع الأسعار والخدمات، فإنه يجب أن يأخذه المسؤولون على أنه خطر يهدد رموز البلاد وسيادتها وأمنها الاقتصادي، لأن قيمة العملة الوطنية كثيرًا ما عكست وزن الدول بين باقي الأمم في عالم صار لا يعترف بالضعفاء.
اقرأ/ي أيضًا:
5 سلوكات شعبية تدلّ على "هوان" الدينار الجزائري
مؤشر التنمية الشاملة.. المغرب ومصر تتذيلان الترتيب والجزائر تخلق المفاجأة