01-مايو-2024

أعلن رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي البروفيسوركمال صنهاجي أن مصالحه تعتمد على الذكاء الاصطناعي في عملها، باعتباره أصبح عنصرا أساسيا لتطوير المنظومات الصحية للدول، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى استعداد النظام الصحي الجزائري للاستفادة من هذه التقنيات الحديثة، وقدرته على التكيف مع التطور الحادث عالميا.

بالنظر إلى الانتقادات التي توجه من قبل البعض للمنظومة الصحية الجزائرية، فإن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتطويرها تعد أكثر من ضرورة

وبالنظر إلى الانتقادات التي توجه من قبل البعض للمنظومة الصحية الجزائرية، فإن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتطويرها تعد أكثر من ضرورة، إلا أن ذلك يبقى مرهونا بمدى جدية الوزارة في  تطبيق هذه النظرة للاستفادة من هذه التكنولوجيا التي تتحين كل يوم، وتتطلب تسريع الاستفادة منها لمحاولة مجاراتها، وعدم البقاء على الهامش.

هدف

أكد رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي البروفيسور كمال صنهاجي وهو من الأطباء المعروفين في علاج السرطان بالجزائر وفرنسا أن استخدام الذكاء الاصطناعي والرياضيات  مهم لاستشراف والتنبؤ بالأزمات والجائحات الصحية والتحضير المناسب لها، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وقال صنهاجي على هامش أشغال الملتقى المتوسطي الـ19لأمراض القلب والرئة المنظم قبل أيام بوهران إن "استخدام الذكاء الصناعي والرياضيات لتطوير الصحة من أهم أهداف الوكالة الوطنية للأمن الصحي التي يرأسها والتي أنشاها الرئيس تبون من أجل وضع نظام صحي متطور يضمن مستوى عال من العلاج والطب النوعي وتوسيع الوقاية من الأمراض".

وأشار صنهاجي أن الوكالة الوطنية للأمن الصحي تضم خبراء يدرسون بمنهجية وبطريقة علمية كل المؤشرات والأسباب المتعلقة بكل الأمراض, و بالتالي "لدينا تقنيات لا سيما الذكاء الاصطناعي ومعالجة المعطيات الكبرى ذات الصلة بالصحة وبمساعدة مختصين في المجال الطبي والرياضيات والإعلام الآلي والتنبؤ والنمذجة".

والوكالة الوطنية للأمن الصحي هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية تأسست بمرسوم رئاسي صدر في 2020.

وبين صنهاجي أن أهمية استعمال الذكاء الاصطناعي تكمن في أن "المنظومة الصحية القديمة أبانت عن محدوديتها خلال الأزمات الصحية الطارئة على غرار كوفيد-19 الذي أظهر ضعف كافة المنظومات الصحية العالمية حيث كان رد الفعل بعد وقوع الجائحة وهو ما لم يسمح بالتحكم فيها إلا بعد سنوات منها".

ويرى البروفيسور صنهاجي أن الحل الوحيد لمثل هذه الأزمات الصحية هو "استباقها والاستعداد الجيد لها بتحضير لقاحات أو أدوية مناسبة وبتوصياتسواء خاصة بالبيئة أو النظام الصحي و غيرها"، مبينا أن "استعمال الطرقالعلمية لمعالجة المعطيات وربطها رياضيا وبالذكاء الاصطناعي تمكننا من الحصولعلى إشارة حتى لو كانت ضعيفة تجعلنا نستبق الأمور".

وقال الخبير المستشار في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الدكتور يونس قرار إن استفادة الجزائر من الذكاء الاصطناعي باعتباره تكنولوجيا العصر أكثر من ضرورة، لأن البلاد مطالبة بأن تساير هذا التطور في جميع المجالات، حتى الصحة.

تسهيل

وأشار قرار في حديثه مع "الترا جزائر" إن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة يوفر مساعدة للطبيب في بحوثه وتحليله للمعطيات، ودراسة الحالات المرضية، كونه يمكّن من معالجة كم كبير من المعطيات بدقة عالية في وقت قصير جدا.

وأضاف أنه من المتعارف أن الطبيب عند تشخيصه لحالة مرضية ما يستذكر أولا الحالات المشابهة، ويعود لأرشيفه الاستشفائي أو يستعين بأطباء آخرين، أو يبحث في الكتب والمقالات المنشورة في الدوريات المتخصصة، وهو ما يتطلب جهدا ووقت، لكن الأمر يختلف عند استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يسمح بالقيام بكل هذا في وثائق أكثر من التي يستعملها الطبيب بالطريقة التقليدية، والتي قد ينسى خلالها بعض الجوانب.

يونس قرار لـ "الترا جزائر":  استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة يوفر مساعدة للطبيب في بحوثه وتحليله للمعطيات، ودراسة الحالات المرضية، كونه يمكّن من معالجة كم كبير من المعطيات بدقة عالية في وقت قصير جدا

وعلى المستوى العالمي، أصبحت الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أمرا عاديا ضمن ما يعرف بـ"الصحة الرقمية"، حيث تشير الإحصاءات على سبيل المثال إلى إجراء أكثر من 600 ألف عملية جراحية بمساعدة الروبوتات في الولايات المتحدة في عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم إلى مليون بحلول عام 2028، فيما تبقى الجزائر بعيدة كل البعد عن هذا الأرقام الأمر الذي يتطلب الاستفادة من كل فرصة من شأنها تحسين الخدمات الصحية.

ويلفت الدكتور يونس قرار إلى أن أهمية الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي تكمن في تسهيله عمل الطبيب والممرض وكل مكوني المنظومة الصحية، كون تحليله يكون دقيقا وسريعا.

استعداد؟

تتعرض المنظومة الصحية في الجزائر لعديد الانتقادات من المواطنين أو النقابات، إلا أن ذلك لا ينفي أنها تلقى إشادات محلية ودولية في بعض الجوانب، الأمر الذي يضعها في اختبار مدى الاستعداد للاستعانة بالذكاء الاصطناعي في عملها على مختلف المستويات.

ويرى خبير تكنولوجيات الإعلام والاتصال الدكتور يونس قرار أن الجزائر مستعدة للاستعانة بالذكاء الاصطناعي في مجال قطاع الصحة، لأن هذه التكنولوجية ليس لها حدود وليست مقتصرة على فئة أو مجال أو بلد معين، مضيفا في حديثه مع "الترا جزائر" أن الذكاء الاصطناعي أصبح يستعمل اليوم من قبل الطلبة الجزائريين في دروسهم وتحضيرهم للامتحانات، لذلك فاستعماله في قطاع الصحة أمر طبيعي لتحسين المستوى وتطوير البحوث في مجال الطب.

وبالنسبة للدكتور يونس قرار، فإن الإشكال الذي يطرح بالأساس يكون متعلقا بمدى بقاء الجزائر مستهلكة لهذه التكنولوجيا المستوردة، والاعتماد على قواعد البيانات الأجنبية، وكذا استعمال معطياتنا لإثراء بيانات شركات أجنبية، لأن استمرار هذا الوضع خطير ويمس بالسيادة الرقمية الجزائرية.

ولذلك، يعتقد قرار على الجزائر أن تمر بثلاثة مراحل للوصول إلى الاستخدام الصحيح للذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة، الأولى تتمثل في أن الجزائر ليس لها خيار سوى الاستفادة من هذه الكنولوجيا المستوردة، لكن يجب بعدها الانتقال إلى مرحلة ثانية تتمثل في تطوير هذه التكنولوجيا عبر شراكات مع شركات عالمية معروفة كالأمريكية والصينية المتطورة في هذا المجال عبر الشراكة مع الجامعات ومراكز البحث بتوقيع اتفاقات تعاون بين كلية الطب ومعهد الإعلام الآلي على سبيل المثال عبر تطبيقات تساعد في معالجة الأمراض لتطوير البحث في المجال الصحي ليصبح استعمال الذكاء الاصطناعا واقعا تطبيقيا وليس نظريا فقط.

أما المرحلة الثالثة، فتتمثل في التوجه نحو تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المحلية وخلق تطبيقات جزائرية خاصة بها لتجسيد السيادة الرقمية.

ويعتقد يونس قرار أن نجاح استعمال الذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة مرتبط بوضع إستراتيجية وطنية موحدة تعنى بهذه التقنية، مشيرا إلى أنه قبل ثلاث سنوات وضع هذه الإستراتيجية لكن المتابعة في الواقع تبدو غير موجودة بالقدر المطلوب، حيث لا نملك اليوم المعلومات الكافية حول المرحلة التي وصلنا إليها بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يتطلب اعتماد إستراتيجية ذات متابعة يومية من أجل الاستفادة منه في الصحة والتعليم والفلاحة ومختلف المجالات.

وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق عبد الباقي بن زيان قد عرض في كانون الأول جانفي 2021 الإستراتيجية الوطنية للبحث والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي التي كانت اعتمدتها الحكومة للفترة 2020-2030.

وقال بن زيان وقتها إن هذه الإستراتجية تهدف إلى على مدى السنوات القليلة المقبلة إلى تعزيز الأداء في عدد من المجالات ذات الأولوية، على غرار التعليم والبحث والرعاية الصحية والنقل والطاقة والتكنولوجيا.

ما تزال استخدامات الذكاء الاصطناعي في الجزائر محدودة في المجالات التابعة للحكومة، وأغلبها في قطاع التعليم العالي الذي شهد قبل أسبوعين إطلاق أول منصة للذكاء الاصطناعي لتوجيه حاملي شهادة البكالوريا الجدد

وما تزال استخدامات الذكاء الاصطناعي في الجزائر محدودة في المجالات التابعة للحكومة، وأغلبها في قطاع التعليم العالي الذي شهد قبل أسبوعين إطلاق أول منصة للذكاء الاصطناعي لتوجيه حاملي شهادة البكالوريا الجدد.

وهنا يشدد الدكتور يونس قرار على ضرورة وضع أهداف وآجال واضحة لنجاح هذه الإستراتيجية، لأنه في حال أخطأنا الطريق ستكون انعكاسات ذلك على السيادة الرقمية للبلاد، قائلا في هذا الإطار أنه متأكدة أن الكفاءة والإرداة موجودة، لكن يجب أن تتخطى العملية مرحلة النية الحسنة، وذلك بإصدار تشريعات تحدد المسؤوليات ومعرفة التحديات المرتقبة كون استعمال الذكاء الاصطناعي سيجعل مهنا تختفي وأخرى ستظهر تتطلب تكوينا للاستعداد لها سواء في قطاع  الصحة أو في المجالات الأخرى.

وأنشأت الجزائر المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي التي فتحت أبوابها خلال السنة الجامعية 2021/2022 ، وهي مؤسسة امتياز للتعليم العالي تتمثل مهمتها في تكوين المهندسين المتخصصين في نظرية و تطبيقات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، حيث سيكون لدى خريجيها القدرة على تطوير ونشر حلول عملية ومبتكرة لمشاكل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة (الصحة والطاقة والزراعة والنقل وما إلى ذلك) ، وبالتالي المساهمة في التنمية العلمية والاقتصادية للبلد.

لا أحد يمكن أن يتجاهل الضرورة الملحة لاستعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، وبالخصوص بالنسبة للدول التي تعاني مشاكل في هذا المجال كالجزائر، إلا أن هذه الحاجة يجب أن تراعي في الوقت ذاته المخاطر المترتبة عن استعمال هذه التقنية، فقد وضعت منظمة الصحة العالمية عشرات التوصيات التي ترسم وتحدد الاعتبارات التي يجب مراعاتها لدى استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي.