22-فبراير-2021

عودة الحراك الشعبي في الذكرى الثانية لانطلاقه (تصوير: فاروق باتيش/ الأناضول)

يُقال في الصحافة إن العودة إلى مكان الحدث بعد فترة، يعني إمكانية كتابة مادّة إعلامية جديدة، إذ نقف على تفاصيل أخرى لم نكن نراها لولا الابتعاد عن المكان، نلمح زوايا جديدة لم تَمنح لنا سرعة التغطية سابقًا الوقت الكافي لرؤيتها، وتفسح الجولة المتجدّدة للتّمعن أكثر في كلّ تفصيل، تخرجه أكثر عمقًا بحثًا عن أجوبة متأنية. 

لا يمكن إقرار حرية التعبير بنصٍّ قانوني أو تعديل دستوري في الوقت الذي يتم تقويضها في الميدان

ويُقال أيضًا إن الفترة الفاصلة بين سُقوط نظام وبدء تشكيل الحياة السياسية الجديدة تكبُر مساحتها بالحرّيات وتصغُرُ بالقمع والتضييق، فعندما تتركّز المؤسّسات الديمقراطية تنزع الشريط اللاصق عن الأفواه وتضيق السجون على الكلمة الحرّة.

اقرأ/ي أيضًا: "نداء 22 فبراير" يطلق أسبوع التعبئة من أجل الحراك

 

من خلال هذه الثّنائية، فالعودة إلى تلك اللحظة الثورية في الـ 22 من شباط/فيفري 2019، في ذكراها الثانية، وما أفرزته من نَفَس احتجاجي مطلبي، تعتبر خطوة نحو تحقيق أحد أسس الديمقراطية، التي تطالب بصحافة حرة وفاعلة ومسؤولة. 

تراكمات سياسية 

طيلة ثلاثة عقود ظلّ السؤال الأهم الذي يُطرح منذ الانفتاح السياسي في الجزائر بعد إقرار دستور 1989، هو إلى أيّ مدى ساهمت التعددية السياسية في تكريس حرّية الصحافة في الجزائر، والتخلّص من رواسب النظرة الأحادية والصحافة الحكومية التي لا تقبل النّظرة المتعددة؟ وهل تعني التعددية الإعلامية حرّية الصحافة؟ وهل يعني وجود مؤسّسات إعلامية خاصّة بشقيها المكتوبة والسمعية البصرية، الاستقلالية والحرّية في أداء الصحافة؟

اتّخذت الدّولة الجزائرية جُملة من الإصلاحات على جميع المستويات، وهذا من شأنه أن يدعِّمَ الصحافة ويُعطي ملمحًا جديدًا للسياسة الإعلامية التي يمكِنُ أن نصفها بالتعدّدية، من خلال ما توضّحه النصوص القانونية، حيث تسوّق السلطة السياسية بالمزيد من الحرّيات، غير أنها بحسب متخصّصين في المجال الإعلامي تظلّ حبيسة تلك النصوص، وقد تلجأ السلطة إلى نصوص قانوينة أخرى للتضييق على حريّة الصحافةن أي ما تمنحه بيد تصادره باليد الأخرى.

بالعودة قليلًا إلى الوراء، وقبل استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من شهر نيسان/أبريل 2019، ظلّت الصحافة أسيرة النظرة الأحادية بصور متعددة، إذ قبل مرض الرئيس كانت الصحافة في نظره" ملكية خاصّة"، فلم يتوان أن يردّد أمام الكاميرات بأنه رئيس تحرير وكالة الأنباء الجزائرية، مقوضًا بذلك الخدمة العمومية، وكذلك فرض منطق "غلق الإشهار" على عدة صحف لم تكن في صف الموالاة، بل أكثر من ذلك ظلّت عديد الصحف لعقدين من الزمن محاصرة في المنظومة السابقة.  

الواقع شيء آخر 

في الميدان هناك حقيقة أخرى، وزاوية قراءة متجدّدة، حول أن المشكلة في الجزائر تدور في فلك عمليات جراحية تقوم بها السلطة لفسح فضاء الإعلام على التعددية، كما قالت الأستاذة في علوم الإعلام والاتصال سعيدة بلعاليا لـ "الترا جزائر"، مضيفة أنّ التعددية لا تؤدّي بالضرورة إلى حرّية الصحافة. 

توضّح بلعاليا أن "الصحافة الخاصة لا تعني بالضرورة أيضًا حرّية الصحافة والسعي نحو تحقيق الديمقراطية"، مشدّدة على أن أحد دوافع الحراك الشعبي قبل عامين هو "حالة الغلق التي مارستها السلطة على مساحات التعبير عن الرأي، في الإعلام وحظر كل صور المظاهرات في الشارع"، حسب تعبيرها.

من المؤكد أن المشهد الإعلامي اليوم ليس وليد فترة قصيرة، بل هو صنيعة الترسّبات التي تشكّلت خلال ثلاثين سنة الماضية، إذ ظلّ الإعلام كقطاع حسّاس يُراوح بين الانفِتاح تارة، والانغلاق تارة أخرى، بل وترسّخ بعد استقالة بوتفليقة بشكلٍ لافت مصطلح "صحافة الهاتف"، في اتهام للمؤسّسة الإعلامية برمتها للصحافيين خاصة بأنهم "مأمورون لا أحرار"، مثلما رفعت الشعارات أثناء المسيرات في توجيه أصابع الاتهام للصحافة التي "ظلّلت الرأي العام قبل رمي بوتفليقة لمفاتيح قصر المرادية". 

تواصلت الاتّهامات وتحميل الإعلام وِزر الممارسات السياسية التي تعلقت بالصحافة منذ ثلاثة عقود، فالمسؤولية هنا حسب الإعلامي الأستاذ محمد ملزي "يتقاسمها الجميع، فكل واحد له جزء من مسؤولية تدهور القطاع". 

طرح الحراك الشعبي مجدّدًا سؤال علاقة السلطة بالإعلام، وما شابها من شدّ وجذب، كما قال الأستاذ ملزي لـ "الترا جزائر" وكذلك دور المؤسسة الإعلامية، خصوصًا أن الاعلام في فترة المسيرات في الشارع إذ ارتفع فيها منسوب الرقابة على النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسنت السلطة قوانين لاحقت من خلالها النشطاء، وزاد التضييق على مهنة الصحافة.

كما أشار المتحدّث إلى أن التضييق توسّعت دائرته مقارنة بقل الحراك الشعبي، موضحًا أن الجزائر راوحت بين ثلاث نماذج ظاهريًا أو تمظهر الإعلام بين ثلاث أنماط، منذ التعددية الحزبية في تسعينيات القرن الماضي، وهي الاعتقاد أن الاعلام هو وسيلة في يد الحكومات لتعبئة المجتمع بمختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية، والنظر إلى أن الاعلام منبر جماهيري لطرح المطالب الشعبية على النظام السياسي، ونموذج تأطير هذا الإعلام بين مخرجات السلطة التي تفرض تحديد زوايا التّناول وإقصاء أخرى. 

ويظلّ الحراك الاحتجاجي أحد الصور لاقتناص فرصة الحرية، لأنه لا يمكن إقرارها بنصٍّ قانوني أو تعديل دستوري في الوقت الذي يتم تقويضها في الميدان ومنع المنابر الحرة للرأي.  

تهدئة الشارع

عرفت الفترة الأخيرة ملاحقة النشطاء وحبسهم وهي خطوات تعكِس صورة تقلّص الحرّيات، حتى وإن قرّر الرئيس تبون الإفراج عن معتقلي الحراك عن طريق عفوٍ رئاسي، في خطوة اعتبرها وزير الإعلام السابق عبد العزيز رحابي "بادرة تهدئة منتظرة من قبل رئيس الجمهورية، ويمنح هذا القرار الأمل في تحقيق انفتاح سياسي أوسع".

ودعا الدبلوماسي رحابي في تدوينة له عبر حسابه في الفيسبوك "السلطات العمومية، إلى اغتنام الفرصة لوضع الشروط القانونية حتى لا يتكرّر مرة أخرى في بلادنا الحرمان من الحرّية بسبب إبداء الرأي، كما يجب الدولة أن تضمن احترام حق المواطن في الحرّية والكرامة".

 سيكون قرار الرئيس تبون العفو عن الناشطين المعتقلين محلّ اختبار خلال الأيام المقبلة

وبذلك سيكون قرار الرئيس تبون العفو عن الناشطين المعتقلين محلّ اختبار خلال الأيام المقبلة، للنّظر إلى كيفية تعامل السلطة مع الناشطين والمتظاهرين والمسائل المتعلقة بالحرّيات، للتأكد ما إذا كان هذا القرار مجرّد تكتيك سياسي تبنّاه الرئيس لامتصاص الغضب، أو أنه يعبّر عن تحول في تعاطي السلطة مع ملفّ الحريات. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟