منوعات

الزاوية التيجانية.. قِبلة العشاق ومورد النُسّاك في الصحراء الجزائرية

13 ديسمبر 2018
مدونة برج بن عزوز.JPG
يزيد أعداد أتباع الطريقة التيجانية الصوفية عن 250 مليونًا حول العالم (Flickr)
عبد الرزاق بوكبة
عبد الرزاق بوكبة شاعر وروائي وإعلامي من الجزائر

يقول ابن خلدون: "إذا كان المشرق أرض البيان، فإنّ المغرب أرض البرهان"، أي أنّ الفضاء العربي يعيش بين بلاغة اللّغة في مشرقه، وبلاغة الرّوح والتصوّف في مغربه، الذي يُنسب كلّ تجمّع سكني فيه إلى الجدّ الأوّل، الذي يكون عادةً وليًّا صالحًا، ويكون ضريحه والزّاوية التي تحمل اسمه، محطّ قلوب واهتمام وزيارات المريدين والمؤمنين ببركاته، بل إنّ بعض الزّوايا التابعة لبعض الطرق الصّوفية، تملك امتدادًا عابرًا للقارّات، من خلال ملايين الأتباع المؤتمرين بأوامرها والملتزمين بتعاليمها.

تعد الطريقة التيجانية، أكبر طريقة صوفية تنطلق من الجزائر إلى بقاع الأرض، إذ يقدر عدد مريديها بأكثر من 250 مليونًا حول العالم

في الجزائر، أو المغرب الأوسط بحسب التسمية التي تعتمدها الجغرافيا السّياسية القديمة، توجد مقرّات القيادة العالمية العامّة المعروفة بـ"المشيخة العامّة" أو "الخلافة العامّة" لبعض الطرق الصّوفية، إلى جانب فروع لطرق أخرى، توجد مقرّاتها الأمّ في دول إسلامية أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا

وتعدّ الطريقة التيجانية المنسوبة إلى أبي العبّاس أحمد التجاني (1737 ـ 1815) أكبر طريقة صوفية تنطلق من الجزائر إلى بقاع الأرض، والتي يقول الباحث في التصوف الإسلامي سعيد جاب الخير، إن عدد مريديها يزيدون على 250 مليونًا "كلّهم ينتمون روحيًّا إلى الخليفة العام في الصّحراء الجزائرية، إذ تكفي مكالمة منه لإنهاء نزاع من النّزاعات، أو تمرير مشروع من المشاريع، ذلك أن كثيرًا من الرّؤساء الأفارقة والمسؤولين في العالم الإسلامي ينتمون إلى طريقته أو يُجلونها".

غير أنّ السّلطات الجزائرية لم تستثمر في نفوذ هذه الطريقة، كما أوضح جاب الخير لـ"ألترا صوت": "على الأقلّ من زاوية السّياحة الدّينية، إذ لا يتوفّر فندق واحد في المنطقة التي تحتضن الزّاوية الأم، وكل الحجّاج التجانيين إليها، يتمّ التكفّل بهم من طرف الزّاوية نفسها ومن طرف أتباعها المجاورين لها".

ويشير الباحث في التصوف الإسلامي، إلى أن وفاة شيخ الطريقة ومؤسسها، كانت في مدينة فاس المغربية عام 1815، واستطاع المغرب أن يستغل هذا الأمر على أكثر من صعيد، كما أوضح.

الطريقة التيجانية
مسجد التيجانية في بلدة عين ماضي

ويقع المقرّ العام للزّواية التجانية في بلدة عين ماضي الواقعة على بعد 70 كيلومترًا إلى الغرب من مدينة الأغواط التي تبعد بدورها 400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، ومعظم مبانيها من الطوب، بما فيها البيت الذي شهد ولادة مؤسّس الطريقة عام 1737، ويحظى بزيارة المئات يوميًّا، حيث يقفون عند بابه في خشوع ينمّ عن مدى ارتباطهم الرّوحي بصاحبه وبأحفاده الذين يتوارثون خلافته.

التقينا بعثمان، وهو رجل قادم من السنغال، يقول إنه ينتمي إلى أسرة تجانية، "غير أنّني لم أكن مقدّرًا لهذا الانتماء، وكنت أسخر منه، وأعتبره من مظاهر التخلّف والعبودية الفكرية. لكنّ حيرة وجودية أصابتني، حتى أنّي فكرت في الانتحار، وكان اقترابي من مجالس التجانية في بلدتي بداية لاستقراري نفسيًّا وفكريًّا"، كما قال. 

يواصل عثمان حديثه لـ"ألترا صوت"، قائلًا: "حينئذٍ قررت أن أتوج استقراري النفسي والفكري بقربي من المجالس التيجانية، بأن أزور مقر الطريقة في عين ماضي، وأحظى بلقاء الخليفة العام، الذي فهمني قبل أن أكلّمه، أو يعرف جنسيتي، وقام إليّ مهنّئًا ومرحبًا".

في تلك الأثناء، توقفت حافلة تحمل نخبة من المسرحيين والإعلاميين المشاركين في "الأيام المغاربية للمونودراما" بمدينة الأغواط. وكان السّرور باديًا على وجوه الجميع. يقول المسرحي التونسي شكري السّماوي: "لقد التقيت الخليفة العام السيد علي بلعرابي التجاني، وأدهشني تواضعه وانفتاحه وترحيبه، فالرجل يتحكم في عشرات الملايين في العالم. إنه زعيم حقيقي بامتياز، ويملك سلطة معنوية على الرؤساء أنفسهم، مع ذلك فهو لا يعطيك انطباعًا بأنه يختلف عن العامّة".

عن هذه السلطة، يقول الممثل السّماحي مرفوعة لـ"ألترا صوت"، إنّه كان يشتغل في قطاع الصّحة، في فترة الرئيس الشاذلي بن جديد، عندما "حدث أن كنت في حضرة الخليفة العام للطريقة التجانية، حين أصيب بوعكة صحية طارئة، فعلمت أنّ الرّئيس السنغالي اتصل بالرئيس الجزائري، ليستأذنه في إرسال طائرته الخاصّة إلى الخليفة العام، لنقله إلى مستشفى فرنسي، فصبّ الرّئيس الشاذلي جام غضبه على والي محافظة الأغواط التي تتبع لها بلدة عين ماضي إداريًّا، لأنه ترك الرؤساء الأجانب يعلمون بمرض الخليفة قبله".

كان العشرات يدخلون على الخليفة العام عابسين، ويخرجون مبتسمين كأنهم تلقّوا خبرًا سعيدًا. سألنا أحد المريدين القادمين من مدينة تمنراست -تقع على بعد 1700 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة الأغواط- عن سبب سروره، فقال إنّه يعيش حالة نفسية لا يستطيع شرحها: "كبرت على احترام سيدي أحمد التيجاني ونسله، وها أنا أقف أمامه وجهًا لوجه، أحدّثه ويحدّثني وآخذ منه النّصيحة والدّعاء"، مضيفًا: "علينا أن نفرح حين نلتقي بأرواح وعقول تعيش من أجل نشر المحبّة والسّلام، في عالم بات زعماء القتل والإرهاب فيه، أشهر من علمائه وفنّانيه".

الطريقة التيجانية
تعرف عين ماضي في صحراء الجزائر بـ"عاصمة التيجانية"

ما لفت الانتباه أن معظم من التقاهم "ألترا صوت" في بلدة عين ماضي، هم من الشباب القادمين من داخل أو خارج البلاد، وكثيرٌ منهم حاملين لشهادات جامعية عليا. ويعتبر الطالب الجامعي عادل زياني، أن هذا إنما هو دليل على "نفي الحكم القائل بأن أتباع الطرق الصوفية هم من المسنين والأميين وذوي المستويات العلمية المحدودة"، مستطردًا: "ذلك أنّ التصوّف معطى روحي منسجم مع النسيج الثقافي والاجتماعي العام للمجتمع، وكلّما تحسّن المستوى العلمي للشّخص زاد إدراكه لهذه الحقيقة". 

"هذا التعدّد في جنسيات وملامح ولغات مريدي الطّريقة التجانية، هو ثمرة لأدبياتها وتعاليمها القائمة على التسامح والانفتاح وتثمين الإنسانية، باعتبارها المظلّة الكبرى التي تسع الجميع"، يقول إبراهيم قفاف، أحد الذين التقينا بهم في عين ماضي، مُستشهدًا بقصة السيد عمار التيجاني، الملقب بالأمير، وهو أحد مشايخ الطريقة، والذي جمعت بينه وبين الفرنسية أوريلي بيكار قصة حب أفضت إلى الزواج. "هذه القصة من بين التجارب الإنسانية الدالة على معاني تعاليم الطريقة"، يقول قفاف.

التعدّد في جنسيات وملامح ولغات مريدي الطّريقة التجانية، هو ثمرة لأدبياتها وتعاليمها القائمة على التسامح والانفتاح وتثمين الإنسانية

وتقول الروايات التاريخية إن السلطات الفرنسية لما اعتقلت الخليفة الرابع للتيجانية، عمار التيجاني، بسبب المساعدات التي كان يقدمها للمقاومة الجزائرية، أودعته سجن مدينة بوردو الفرنسية، وهناك وقع في حب ابنة مدير السجن. ولمّا أطلق سراحه، تزوجها وعاد بها إلى بلده عين ماضي، وأقام لها بيتًا هو من التحف المعمارية في الصحراء الجزائرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطائفة الصوفية الكركرية.. تحريك المياه الراكدة في الجزائر

الطرق الصوفية بالمغرب.. دين وطقوس وسياسة

الكلمات المفتاحية

عمي داود

تحوّل إلى رمز للضيافة الجزائرية.. عفوية "عمي داود" تصنع الحدث في فرنسا

في أجواء مليئة بالعفوية، خطف "عمي داود" الأضواء مجددًا خلال زيارته إلى باريس، حيث استُقبل بحفاوة من قبل محبيه، وكان على رأس مستقبليه نجم الموسيقى العالمية الفرنسي الجزائري "دي جي سنايك DJ Snake".


سهيلة قرفي

سهيلة قرفي.. دكتورة ذكاء اصطناعي تقود ثورةً من أجل السياحة والصناعة التقليدية

من قرى تنأى بنفسها عن ضجيج العالم، تحولت عدة مداشر أوراسية عريقة جنوب ولاية باتنة، شرقي الجزائر، وفي غضون ثلاث سنوات ونصف، إلى ورشات منتجة لحركية ناعمة، عبر نشاطات تجمع بين إحياء التراث القديم وترميم المنازل الطينية إلى استقطاب معارض تشكيلية يشارك فيها فنانون جزائريون وأجانب في ممارسة طقوسهم مع الأهالي، في مشاهد بهيجة تقدم صورة مضيئة عن جزائر تصنع إبداعا عمليا متفردا وتصدر فن الحياة للآخرين.


(الصورة: فيسبوك)

التسمم بلسعات النحل.. خطر موسمي قد يكون قاتلًا

في حادثة مأساوية هزّت ولاية مستغانم، غرب الجزائر العاصمة، لفظ شخصان أنفاسهما الأخيرة بعد تعرضهما لسلسلة من لسعات النحل في منطقة "بريكة" التابعة لبلدية سيدي علي، وذلك في الساعات الأولى من صبيحة الأربعاء الماضي.


مهرجان تقطير الورد بقسنطينة

مهرجان ربيع قسنطينة.. موسِم قِطاف الورد

على مدار 15 يوماً تحتفي مدينة قسنطينة شرق الجزائر، بمهرجان تقطير الورد، وهو تقليد متوارث تتزين به مدينة الصخر العتيق خلال فصل الربيع.

رياح قوية على سواحل الجزائر
أخبار

توقعات الطقس.. ارتفاع في درجات الحرارة ورياح قوية على السواحل

توقّعت مصالح الأرصاد الجوية اليوم الاثنين، تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة، مع احتمال تساقط بعض الأمطار المحلية.

برونو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي (مونت كارلو)
سياسة

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز

في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.


زلزال بومرداس
أخبار

22 عامًا على زلزال بومرداس.. شراكة جزائرية يابانية لمواجهة الكوارث

تُشكّل الشراكة الجزائرية اليابانية في مجال الوقاية من الكوارث الطبيعية خطوة مهمّة نحو تعزيز قدرات البلاد على مواجهة المخاطر الزلزالية، تزامنًا مع الذكرى الثانية والعشرين لكارثة زلزال 21 أيار / مايو 2003 الذي شهدته ولايتي بومرداس والعاصمة، وخلَّف وراءه العديد من الآثار المدمرة على الأرواح والممتلكات.

حملة تنظيف المقابر في الجزائر
راصد

صور وطلاسم حملات تنظيف المقابر تثير جدلًا واسعًا.. ومثقفون: توقفوا عن تعليق الخيبات على مشجب السحر

تشهد الجزائر منذ أسابيع حملات مكثفة لتنظيف المقابر اجتاحت كل الولايات، بترويج واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تحوّل الموضوع من مجرد مبادرات تحرص على العناية والنظافة، إلى هوس شعبي، بما يعتقد أنها أعمال سحر وشعوذة تغزو هذه الأماكن، بفعل ما يتم اكتشافه من طلاسم وصور ورموز، في تعبير عما يصفه البعض ب"الانتشار المرضي" لمثل هذه الاعتقادات في المجتمع.

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"


2
ثقافة وفنون

الحسناوي وفاظمة.. قصة حب لم يقتلها المنفى وخلدتها الأغاني


3
أخبار

تسوية وضعية الشباب العاملين في الاستيراد المصغر الذاتي.. نحو تقنين تجارة "الكابة"؟


4
أخبار

بسبب "الأعطال التقنية".. برلماني يدعو إلى تمديد آجال التسجيل في "عدل 3"


5
سياسة

مرشحٌ وحيد.. عزوز ناصري في طريقه لخلافة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة