قدر عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية، حجم الاقتصاد الموازي في الجزائر بـ 10 آلاف مليار دينار جزائري أي ما يعادل 90 مليار دولار، وجاء ذلك خلال كلمة ألقاها بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهي هيئة استشارية تابعة للرئاسة. وأفاد تبون أنّه "لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية"، في ظلّ غياب أرقام رسمية أو إحصائيات دقيقة.
طارق مسعود: النظام الضريبي يدفع كثيرًا من النشاطات الاقتصادية إلى عدم التصريح أو التهرّب الجبائي
ويعد إعلان عبد المجيد تبون أول تصريحٍ رسميّ، ورفيع المستوى يٌحدد حجم الاقتصاد الموازي في الجزائر، فقد سبق وأن قدر خبراء في الاقتصاد وجود أموال في السواق الموازية ما بين 40 إلى 60 مليار دولار.
اقرأ/ي أيضًا: تبون يأمر بتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي
فشل الإجراءات
في هذا السياق، حاولت الحكومات المتعاقبة استقطاب واحتواء الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء غير أنها تكللت بالفشل، ففي عام 2011 شُرع في تسقيف التعاملات النقدية، ونصت المواد على كل تعامل نقدي يتجاوز مبلغه 500 ألف دينار، يجب أن يتم عبر إحدى وسائل الدفع عن طريق القنوات البنكية والمالية والمتمثلة في الصك، أو التحويل وكل وسيلة كتابية.
وفي عام 2016 أصدرت الحكومة سندات خزانة، لم تتمكن من استقطاب سوى خمسة ملايير دولار، وتسعى حكومة أيمن عبد الرحمان إلى إدراج الصيرفة الإسلامية كآلية من آليات احتواء الأموال المتداولة خارج الأطر الرسمية.
هنا، تُطلق عبارة السوق السوداء على كل التعاملات التجارية والخدماتية غير الرسمية أو غير المرخّصة، وتحقّق هذه السوق أرباحًا وتدرّ عائدات ضخمة لصالح فئات غير مصرّح بها، تنشط بشكل غير قانوني، وينعكس عن هذا النشاط غير الرسمي، خسائر للدولة التي تعتمد في دخلها القومي على الضرائب.
وتظهر السوق الموازية خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية، وتطال المواد الغذائية والمواد المهربة والمسروقة والعملات الصعبة وتهريب الأموال إلى الخارج وعدم تأمين العمال واستخدام اليد العاملة الأجنبية غير المصرح بها.
أرقام تقريبية
في السياق الموضوع، وتعقيبًا على الرقم الذي قدمه تبون قال عمر هارون، الخبير الاقتصادي، إن ما يقدم من أرقام هي تقديرات تقريبية للواقع، تحتاج المزيد من الدراسات والبحوث لتحديد حجم السوق الموازية بدقة، موضّحًا أن السوق الموازية، تَشمُلٌ كل المتغيرات،كتداول العملات الأجنبية والنشطات التجارية غبر المرخص بها، والعمالة غير المصرح بها والتصريحات الضريبية الكاذبة، والتهرب الجبائي.
وأبرز المتحدث أن حجم السوق الموازية عبر وضع مقارنة بين الناتج الداخلي الخام الذي يبلغ 147 مليار دولار، وحجم السوق السوداء الذي صرح بها الرئيس الجمهورية في حدود 70 مليار دينار، "بحسب السعر الصرف الحالي للدينار مقابل الدولار والمحدد بـ 136 دينار لكل دولار، نجد أنها تساوي ما يفوق 73 مليار دولار".
وفي تقدره للنسبة المئوية للسوق الموازية، أوضح عمر هارون أن ن نسبة السوق الموازية تساوي ما بين 50 إلى 70 بالمئة من الاقتصاد الوطني، داعيًا إلى ضرورة المعالجة السريعة، وإيجاد حلول جدرية، إذ لا يمكن لأي نموذج اقتصادي أن يحقق نتائج إيجابية في ظلّ وجود هذه الأرقام الضخمة، على حدّ قوله.
وبخصوص وسائل المعالجة، شدّد الخبير الاقتصادي على ضرورة الإسراع في رقمنة التعاملات النقدية، ومنع المعاملات النقدية فوق 500 ألف دينار، واستطرد أن العملية تحتاج مرافقة وتطوير وعصرنة المنظومة البنكية، و"تجريم الاحتفاظ بالأموال خارج المنظومة البنكية، ومسألة كل من يحتفظ بمبالغ فوق 500 ألف دينار خارج الأطر الرسمي".
البورصة والنظام المصرفي
من جانبه، يذهب طارق مسعود، المهتم بالشأن الاقتصادي والمصرفي، أن التدخّل الإداري في توجيه النشاط الاقتصادي يعد من بين الأسباب الرئيسية في وجود السوق الرمادية أو الاقتصاد الموازي، وتابع محدّث "التر جزائر"، أن تخلف المنظومة البنكية يساهم في اللجوء إلى السوق الموازية، سواءً تعلق الأمر بإدخار الأموال أو البحث عن التمويل.
يبرّر مسعود فكرته بأن القطاع البنكي هو عصب الاقتصاد، ويحتاج إلى سلاسة وسرعة في تنفيذ التعاملات الاقتصادية وتقديم التحفيزات، في مقابل ذلك، يضيف المهتم بالشأن الاقتصادي، "أن منظومة البنكية منقطعة تمامًا عن التحولات الاقتصادية، ما تزال تعاني من البيروقراطية".
ويَتصوّر المتحدث هذا العطب إلى سيطرة البنوك العمومية على المنظومة المصرفية في الجزائر، موضّحًا أن قانون النقد والقرض الحالي بحاجة إلى تعديل خاصة في مجال الصرف، واعتبر وجود سوق صرف رسمي وموازي ساهم في ارتفاع حجم الأموال بالعملة الصعبة خارج الإطار القانوني والتنظيمي، إذ يٌحقق السوق الصرف الموازي أرباحًا بشكل أفضل وأوسع. بحسب تعبيره.
يُرجع طارق مسعود، انتشار السوق الموازية إلى ضعف أداء البورصة والسوق المالية، التي تساعد على تمويل المتعاملين الاقتصاديين بشكل شفاف، بدل البحث عن مصادر تمويل خارج الأطر الرسمية، مستطردًا أن النظام الضريبي يدفع كثيرًا من النشاطات الاقتصادية إلى عدم التصريح أو التهرّب الجبائي. ليختم حديثه أن الاقتصاد الموجّه ساهم بشكل كبير في خلق مناخ عدم الثقة عند المتعاملين الاقتصاديين والعائلات مما يدفع إلى تفضيل السوق التقليدية الآمنة.
معالجة المشاكل المرتبطة بالقطاع غير الرسمي تكمن في وضع مخططٍ تدريجي ومرحلي تحدّد فيها القطاعات ذات الأهميّة من حيث الكتلة النقدية
إن معالجة المشاكل المرتبطة بالقطاع غير الرسمي تكمن في وضع مخططٍ تدريجي ومرحلي، تحدّد فيها القطاعات ذات الأهميّة من حيث الكتلة النقدية المتداولة خارج المسار المصرفي، خصوصًا على مستوى المناطق الحدودية التي تعرف نشاط مكثف لتهريب المواد الغذائية المدعمة والأجهزة الكهرو منزلية والمواد الفلاحية، بسبب غياب مناطق التبادل التجاري الحرّ بين الولايات الحدودية، وإنشاء مكاتب للتبادل الحرّ تُشجع المتعاملين والتجار على التصريح بالنشاط بشكل قانوني.
اقرأ/ي أيضًا: