20-يناير-2021

الاحتجاجات الاجتماعية تعود إلى الواجهة في الجزائر (أ.ف.ب)

تشهد الجزائر عودة لافتة لتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والمطالب المرتبطة بالأوضاع المعيشية في عدّة ولايات، بعد فترة قاربت السنتين غلبت فيها المطالب السياسية على شعارات الحراك الشعبي منذ شباط/ فيفري 2019، إذ تؤشّر الاحتجاجات لتوتر الجبهة الاجتماعية في البلاد، وهو ما يضغط على الحكومة والرئيس عبد المجيد تبون بشأن تعهّدات أطلقها الأخير لتحسين أوضاع المعيشة للجزائريين خلال حملته الانتخابية.

مطلب التوظيف بات أمرًا ملحًا للعاطلين عن العمل والمتخرّجين من الجامعات

العودة للجنوب 

لا يُمكن غضّ الطرف عن احتجاجات صعدت أصواتها مؤخّرًا في الجنوب الجزائري، وبالضّبط من عاصمة الغاز والنفط ولاية ورقلة جنوبي البلاد، وهي بداية متجدّدة لاحتجاجات الشغل، حيث سبق لشبابها أن احتجوا في سنة 2016 "بسبب البطالة وعدم توظيف المعطلين عن العمل من حَمَلة الشّهادات العليا في الشركات النفطية".

اقرأ/ي أيضًا: الحراك الذي لا تحتكره السياسة.. مطالب حيوية ومعيشية من عمق الشارع الجزائري

بالعودة لاحتجاجات مدينة النفط في الجزائر، وجب التذكير أن ورقلة مدينة غنية تُثير دومًا الكثير من التساؤلات المرتبطة بغنى المنطقة، وحيازتها على العديد من الشركات من جهة ومعاناة شبابها من البطالة من جهة أخرى، وهي مفارقة تطرح عدّة أسئلة عن سبب غياب التنمية في هذه المنطقة.

ولو تتبّعنا مسار الاحتجاجات في هذه المنطقة فهي لم تهدأ يومًا، على حدّ تعبير سكانها، خاصّة أن مطلب الشغل بات أمرًا ملحًا للعاطلين عن العمل والمتخرّجين من الجامعات، حيث سبق لشبابها أن انتفضوا بطريقة منفردة للتّعبير عن غضبهم ومطلبهم المتعلق بالتشغيل، حيث أقدموا على تخييط أفواههم تنديدًا بضعف التنمية وعلى البطالة، كما هدّدوا بانتحار جماعي، رافعين شعارات: "إمّا العمل أو الانتحار" و"أعطونا حقّنا في الشغل"، صورة وثقها الإعلام ولازالت اليوم شاهدة على مطالب شباب "ينامون على مساحات البترول ومحرومين من مناصب الشغل"، على حدّ تعبيرهم.

تغيّرت اليوم الطريقة وتبدّلت الشعارات على شاكلة "بركات من الحقرة" أي (الظلم)، و"بركات من التهميش" و"خريجي المحروقات، يبيعون الخضراوات"، في إشارة إلى أن حملة الشهادات العليا مصيرهم بيع الخضر والفواكه في الأسواق أو على عربة متنقلة، غير أن السبب مازال كما هو، حيث لايزال الشباب من المتخرّجين حديثًا من معاهد المحروقات في ورقلة يعتصون وسط المدينة، استنكارًا لما ورد في بيان احتجاجي، لـ"طريقة التعامل مع ملف التشغيل وغياب الشفافية، وعدم تنفيذ أولوية توظيف أبناء المنطقة في الشركات البترولية العمومية والمتعددة الجنسيات".  

وتمرّ إدارة ملفّ التّشغيل في المؤسّسات البترولية، حسب الطالب عبد العالي ينون (29 سنة)، متخرج من المعهد العالي للبترول بولاية بومرداس (شرق الجزائر)، عبر وكالة عمومية متخصّصة تقوم بتسجيل طالبي الشغل لتوصيل ملفاتهم مع تلك الشركات حسب عروضها للعمل أو حاجيتها من العمال، موضحًا لـ"الترا جزائر" أنها عملية تدار بشكلٍ غير شفاف، وهو ما استدعى دعوة الرئاسة إلى "فتح تحقيق حول عمل هذه الشركات ومراقبتها، ومراقبة السلطات المحلية التي تعدّ من جهتها قوائم التوظيف".

وفي هذا الشّأن، احتجّ بطالون على طريقة تعامل السلطات مع ملف التشغيل في الجنوب، حيث أصدر المحتجّون بيانًا كشفوا من خلاله أن "السّلطات وعدت بفتح ملفّ التشغيل في الجنوب، غير أن حالة الانتظار طالت لمدة تزيد عن ثلاث سنوات دون جدوى".

وفي سياق حديثه، اعتبر الشاب ينّون، أن المحتجّون أعلنوا عن رصّ صفوفهم واستمرارهم في النضال الاحتجاجي كوسيلة للضّغط على المسؤولين في تغيير منهجها في التشغيل في المنطقة، لافتًا إلى أنه سبق للعشرات من البطالين في العام 2019 أن خاضوا اضرابات واحتجاجات من أجل تشغيل الإطارات الجامعية.

ملفّ السكن

يتبيّن من عودة الاحتجاجات في الجزائر عمومًا، وبشكلٍ لافت من الجنوب، أن المطالبة بالشغل وبالتنمية والسكّن تظلّ من المطالب التي تشكّل معظم مطالب الحركات الاحتجاجية في الجزائر، إذ تعود بين الفينة وأخرى احتجاجات السّكن للواجهة في مختلف البلديات، بمجرّد الإفراج عن قوائم المستفيدين من السكن.

كما أن هذه المطالب هي من "تُغذِّي الاحتجاج الشعبي" بحسب الأستاذ في علم الاجتماع السياسي الباحث توفيق عوابدية في تصريح لـ "الترا جزائر"، مؤكدًا على أن غياب المشاريع التنموية وأزمة السكن واستمرار مطالب المتخرجين من الجامعات ومراكز التكوين بالعمل هي "وقود للحركات الاحتجاجية".

في عملية رصد للاحتجاجات عبر المدن الجزائرية، سجّلت عديد البلديات عبر مختلف الولايات في الفتر الممتدّة ما بين أيلول/سبتمبر 2020 إلى غاية 10 كانون الثاني/جانفي الحالي، احتجاجات على توزيع السكنات، وقطع الطرقات بسبب انعدام التنمية سواءً لنقص الماء الصالح للشرب أو انعدام الغاز، وهي احتجاجات تؤشّر على عودة أولوية المطالب الاجتماعية مقارنة بالمطالب السياسية. 

سياسيًا، الملفِتُ للنّظر أن توقيت هذه الاحتجاجات غير المتناسقة عشيّة بدأ ترتيبات الاستحقاقات الانتخابية المحلية المقبلة، وحلّ المجالس المنتخبة التي يحمِّلها السكان جزءًا من المشاكل الاجتماعية العالقة.

وبذلك تُواجه المجالس البلدية والولائية حاليًا، ثِقل حمولة الترّكة التنمية الثقيلة، خاصة وأن الرئيس عبد المجيد تبون سبق له أن صرح في عديد اللقاءات بأنه "لن يبقى أي مظلوم في الجزائر"، كما انتقد إدارة الولاة للشؤون المحلية، وهي مؤشّرات تلوح بأن ربيع الجزائر هذا العام سيكون مضطربًا اجتماعيًا.

من العدل أن تُشرف السلطات العليا على عملية تقييم صارم لعمل الحكومة الحالية، حيث يرى المتابع للشأن السياسي الحقوقي فريد عباسي في حديثه لـ"الترا جزائر" أن السياسة التي اتبعتها الحكومة لمدة سنة أثبتت ضُعفها في تسيير شؤون الجزائريين، رغم أنه في المقابل من ذلك فالجهاز الحكومي يتحمل طيلة فترة حكمه أعباء تراكمات المشكلات الاجتماعية التي ورثها عن الحكومات السابقة.

احتجاجات اجتماعية

وما يبرّ عودة الاحتجاجات ذات الصّبغة الاجتماعية، حسب الأستاذ عباسي، هي وعود الرئيس تبّون منذ اعتلائه كرسي الرئاسة نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، بتحسين ظروف السكان وحلّ الكثير من المشكلات الاجتماعية وخاصّة في مناطق الظلّ، بتكليف مستشار من الرئاسة بتنمية المناطق المهمشة والمعدومة من المشاريع التنموية والتي يبلغ عددها 15044 منطقة عبر التراب الوطني ويقطنها ثمانية ملايين نسمة.

تُنذِر الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من المناطق الجزائرية بأن السنة الجديدة ستكون صعبة على الحكومة

تُنذِر الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من المناطق الجزائرية، بأن السنة الجديدة ستكون صعبة على الحكومة وعلى الجزائر بشكل عامّ، حيث ستتكشّف فيها ارتدادات الأزمة الوبائية بسبب فيروس كورونا، كما أنها ستكون سنة انتخابية يتوجه فيها المجهود الحكومي نحو انجاح الاستحقاقات الانتخابية (المحلية والبرلمانية)، إضافة إلى الصعوبات المالية التي تواجهها الجزائر بسبب تآكل احتياطات الصرف، ونقص عائدات البترول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. حراك اجتماعي متصاعد

​قانون الموازنة 2016 يقسم البرلمان الجزائري ​