13-أغسطس-2018

الطاهر وطار

تمرّ هذه الأيام الذّكرى الثّامنة لرحيل الطّاهر وطار. وأرى أن نعيد قراءته، باعتباره تجربةً أدبيةً وجمعويةً وسياسيةً غير بسيطة، شريطة أن نفعل ذلك بحرّية، لا بحقدٍ أو بتقديسٍ. فالرّجل عاش ومات، وهو مجعول ملاكًا في نظر البعض، وشيطانًا في نظر آخرين، وهو مقام مدعاة للنّقاش والتّحليل في حدّ ذاته.

إنّ الظاهرة الوطّارية وليدة طفولة الاستقلال. واستطاعت ـ رغم هزّاتٍ كثيرة ـ أن تمتدّ فيه. فما الذّي توفّر فيها حتّى حظيت بذاك الامتداد، في ظلّ اختفاء أسماء أخرى ذات شأن، أو كانت مؤهلة لأن تكون كذلك؟

إنّ الظاهرة الوطّارية وليدة طفولة الاستقلال. واستطاعت ـ رغم هزّاتٍ كثيرة ـ أن تمتدّ فيه

ما هي حدود الأدب والسّياسة فيها؟ كيف نقرأ الجرأة، التي تميّزت بها نصوصه ومواقفه المعلنة وغير المعلنة، في ظلّ نظام بوليسي كان لا يتسامح مع هذا النّوع من الجرأة؟ لماذا عمل الرّجل على جمع النخبة الجزائرية، بكلّ وجوهها وجهاتها واتجاهاتها، في جمعية الجاحظية، مع بداية التّعددية السياسية، ثم فعل العكس، فعمل على تشتيتها، أو سكت على ذلك، حتّى بقي في الجمعية وحده؟

اقرأ/ي أيضًا: الطاهر وطار.. الحياة داخل الأسئلة الحارقة

لماذا لم يعمل، أثناء مرحلة مرضه الذّي أدّى إلى وفاته، على أن يهيّئ لنخبة جيّدة وجادّة تخلفه في الجاحظية؟ بما أدّى إلى خلافة هزيلة يتنافى رصيدها مع رصيد الجمعية؟ هل كان التّطاحن الحادّ، الذي كان يباشره في الجرائد الوطنية مع رشيد بوجدرة بداية كلّ صيف حقيقيًا، أم كان مفتعلًا للتّعمية على الأسماء والأفكار الجديدة؟

ما هي حدود الصّدق والافتعال في مواقفه بخصوص الإسلاميين، وهو اليساري كاتب "اللّاز"؟ إلى أيّ مدىً تصلح تجربته لأن تكون نموذجًا حيًّا لدراسة إشكالية المثقف والسّلطة في الجزائر؟ إلى أيّ مدىً كان رحيله مؤشّرًا على بداية مرحلة جديدة في المشهد الأدبي الجزائري؟ إلى أيّ مدىً علينا أن نقرّ بأنّ منسوب الجدل والنّقاش والاستفزاز المؤدّي إلى النّقاش، قد تراجع فعلًا بعد رحيله؟ ما عدا الجائزة التي بادر بها ابن أخيه رياض وطّار، لماذا لم يطلق اسمه على مؤسّسة ثقافية وازنة؟ ولم يبعث ملتقى باسمه؟

إنّ مسحًا لمتونه السّردية، وحواراته التي أجراها في الصّحافة الوطنية والأجنبية، يجعلنا ندرك أنّ الرّجل كان يملك قدرة مثيرة على استشراف أمور لا يتأتّى استشرافها إلا لذوي العيون غير الحافية، ومنها الربيع العربي القائم أو القاعد، فهل يتوفّر مشهدنا الأدبي على هذا النّوع من الكتّاب؟

الميّت يحتاج الترحم. لكن يحتاج الدّراسة أيضًا حتّى لا يموت مرّتين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. جائزة للرواية باسم الطاهر وطار

"الجاحظية".. إرث الطاهر وطّار في المزاد