حين ولدت الفنّانة سلوى المعروفة بفطّومة نمّيتي عام 1935 في مدينة البليدة، كانت الجزائر غارقةً في المنظومة الاستعماريّة الفرنسيّة. وكان من الصّعب أن يشقّ شابّ جزائريّ طريقًا نحو النّجوميّة في مجال من المجالات ناهيك عن الشّابّة. لكنّ فطّومة أبانت مبكّرًا أبانت عن مواهبها صوتًا وتنشيطًا؛ فاحتضنتها الإذاعة عام 1952 من خلال برنامج للأطفال.
حقّقت أغاني المطربة سلوى شعبيّة كبيرة حيث تجاوزت مبيعات بعض أشرطتها 100 ألف نسخة في ذلك الوقت
وتزامن دخولها إلى الإذاعة مع رحلة بحث كان يقوم بها عرّاب المسرح الجزائريّ محيي الدّين باشطرزي عن وجوه وأصوات نسائيّة؛ فضمّها إلى المسرح الإذاعيّ، فوجدت نفسها إلى جانب قامات فنّية وفرص عمّقت لديها الإيمان بنفسها وخيارها الذّي تفادت تبعاته الاجتماعيّة بالتّخلّي عن اسمها الحقيقيّ وتبنّي اسم مستعار، مثلما كانت تفعل معظم فنّانات تلك المرحلة.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل الفنان المسرحي موسى لكروت
انتقلت إلى فرنسا مطلع ستّينيات القرن العشرين، وشرعت في إعادة أغاني الأخريات، مثل ليلى الجزائريّة، ثمّ قدّمت أغنيات خاصّة بها، فكان أن لفتت الانتباه إليها وحقّقت شعبيّة كبيرة في ذلك الوقت، حيث تجاوزت في مبيعاتها 100 ألف نسخة، مثل "كيف رايي همّلني"، و"يا ولاد الحومة". وهو رقم كان يعدّ خرافيًّا في ذلك السّياق؛ ثمّ خاضت رحلة دامت علمين في المشرق العربيّ، مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق، فالمغرب الأقصى، حيث تعاملت مع ملحّنين أعجبوا بصوتها ومنحوه مسارات جديدة.
تقرّبت من عبد الكريم دالي، فعلّمها أصول الأغنية الحوزيّة التّي يبدو أنّها وجدت راحتها فيها، فأضحت في صدارة نجومها، خاصّةً بعد رحيل فضيلة الدزيريّة.
يقول الفنّان والموسيقيّ إسماعيل يلّس إنّ سلوى لم تستغلّ الفراغ الذّي تركته فضيلة؛ بل قامت بسدّه؛ "لقد أظهرت منذ بداياتها أنّها جاءت إلى الفنّ لتضيف له. وهذا ما يفسّر سرعة انتقالها من التّقليد إلى الإبداع، فافتكّت مبكّرًا مكانة متميِّزة بين نجوم المرحلة نساءً ورجالًا".
إنّ سلوى؛ يضيف محدّث "الترا جزائر"، أدركت منذ البدايات أنّ الأغنية الحوزيّة والعاصميّة محتاجة إلى نفس جديد؛ خاصّة بعد احتكاكها بالملحّن وكاتب الكلمات المجدّد محبوب باتي، فخاضت رهان التّجديد هذا بروح وكفاءة عاليتين. ومثّلت سبعينيات القرن العشرين ومطالع ثمانينياته منصّة لتألّقها وتربّعها على عرش الإضافة والإبداع؛ قبل أن تطرأ عوامل ليست فنّيّة أدّت إلى انحسارها.
في كلام إسماعيل يلّس إشارة إلى التّغييب الذّي تعرّضت له سلوى ونخبة من الفنّانين ذوي الصّيت البارز، من طرف المنابر الحكوميّة، خلال سنوات الرئيس الشّاذلي بن جديد، قبل أن تطرأ سنوات العنف والإرهاب.
يتساءل الكاتب والإعلاميّ سعيد خطيبي: "هل يُعقل أن يُغيّب صوت واحدة من نجمات الصّف الأوّل في ستّينات وسبعينات القرن الماضي؟ تزامن تغييبها مع استواء الشّاذلي بن جديد على الكرسيّ، في منتصف الثّمانينات، في مرحلة شهدت استبعاد فنّانين آخرين، على غرار خليفي أحمد، عبد الحميد عبابسة، رابح درياسة، وأسماء أخرى يطول ذكرها، لا ننسى كيف استبعد أحمد وهبي وتوفيّ في ظروف قاسيّة.
"لماذا تزامن إسكات أصوات الفنّانين مع فترة حكم الشّاذلي بن جديد؟ ما هي مشكلته مع فنّاني الشّعب؟".
وكتبت الإعلاميّة نبيلة سنجاق: "شخصيًّا أعتبر وجود السّيّدة سلوى في حياة جيل كامل من أمهاتنا وخالاتنا وعماتنا جودًا أساسيًّا وحيويًّا مفعمًا بالجمال الصّادح من دون مبالغة. جيل عاش على ريبرتوار أغاني الراحلة سلوى؛ فكان ذلك بمثابة الرّسالة الغراميّة التي لا تنتهي والاعتراف الضّمنيّ للآخر بالحبّ والرّغبة في الحياة".
من جهته؛ كتب الباحث محمّد بن زيان: "رحيل سلوى وقبلها الشّيخة الرّيميتي وحدّة بقّار يفضح حقيقة الخضوع لمركزية المشرق وفرنسا. لمّا ماتت وردة أقيم حداد ودفنت في مربّع الشّهداء. وردة كبيرة لكنّها تكرّست. مصريًّا لهذا تمّ تبجيلها".
لماذا هذه القطيعة بين أجيال الفنّ في الجزائر، بحيث أحيل كلّ المبدعين المنتمين إلى مراحل سابقة على الإهمال والنّسيان؟
وتطرح وفاة سلوى؛ الخميس، والتّي كان البعض يعتقد أنّها رحلت سابقًا، لغيابها شبه التّامّ عن السّاحة سؤال: لماذا هذه القطيعة بين أجيال الفنّ في الجزائر، بحيث أحيل كلّ المبدعين المنتمين إلى مراحل سابقة على الإهمال والنّسيان؟
اقرأ/ي أيضًا:
"الترا جزائر" تقف على تفاصيل انتحار الممثّل هيثم حساسني
حوار | صبرينة قريشي: هزيمة الوطن حضاريًا هي هزيمة نكراء لفنّانيه