27-نوفمبر-2021

أزمة كورونا عمّقت من الأزمة الاقتصادية في الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

مواجهة الديون هو عائق كثير من الجزائريين، الذين وجدوا أنفسهم في صراع يومي بسبب فقدانهم لوظائف وأعمالهم بسبب جائحة كورونا، الآلاف منهم ذاقوا المرّ في هذه الفترة خصوصًا من أرباب العائلات التي تحتاج يوميًا لعدّة متطلبات وتسديد مصاريف الإيجار والطعام ومتطلبات المدارس والجامعات، فضلًا عن مواجهة أي طارئ خاصّة الصحي منه.

ماذا لو تعقّدت ظروفك اليومية، وتراكمت عليك الدّيون عند محلّ المواد الغذائية وشركة الكهرباء والغاز، ولم تتمكن من تسديدها؟ 

ماذا لو تعقّدت ظروفك اليومية، وتراكمت عليك الدّيون عند محلّ المواد الغذائية وشركة الكهرباء والغاز، ولم تتمكن من تسديدها؟ وماذا لو حضر عمال شركة سونلغاز لبيتك لقطع تزويدك بالكهرباء والغاز بسبب عدم تراكم الفواتير؟

اقرأ/ي أيضًا: بطالة اضطرارية في زمن كورونا.. مهنٌ يومية اختفت من الشارع

هذا الواقع عاشه سيد علي من منطقة رويسو بقلب العاصمة الجزائرية، فهو يقطن بأعرق الأحياء الجزائرية العتيقة حي "بلكور"، أو الشّهيد محمد بلوزداد منذ ولادته في سنة 1963، يقول في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّه نشأ في هذا المكان بعد استقلال الجزائر، وترعرع في هذا الحي الشعبي، تزوّج بعدها واستأجر غرفة على سطح عمارة بمنطقة رويسو "العناصر" بالعاصمة، ليعيش رفقة أبنائه الخمسة في تلك رقعة ضيّقة منتظرا فرج الله.

ربّ الأسرة سيد علي مهدّد بالطّرد من مالك البيت بسبب عدم تمكّنه من دفع الإيجار لـ 16 شهرًا، كما أنّه تعذّر عليه دفع تكاليف فواتير الشّركة الوطنية للغاز والكهرباء، إذ قدّم طلبًا للدّفع بالتّقسيط عن متأخّرات ثّمانية أشهر الأخيرة.

في هذا الفرع الخاص بالمؤسّسة العمومية، وضعت العشرات من الملفات والفواتير المعلّقة في مكتب خاص، حسب أحد عمال المؤسّسة (تحفّظ عن ذكر اسمه) في حديثه في حديث إلى "الترا جزائر"، من بينها فواتير العديد من العائلات التي تم قطع تموينها بالغاز والكهرباء بسبب عدم تسديد الفواتير. سيتم إعادة تموِينها بعدما أذعنت للأمر ودفعت تِلك المستحقَّات، كما يوجَد من بين تلك الملفات مطالب من الزبائن لفائدة المسؤول الأول على المؤسّسة، بُغية الحصول على موافقة تقسِيط الدّفع، وهي حالات كثيرة موزّعة على مختلف الفروع الخاصة بشركة سونلغاز.

ظروف خاصّة

ليس سهل على ربّ أسرة يعيل أولاده بأن يجد الأبواب سدّت في وجهه، خاصة وإن أصبح عاطلًا عن العمل، بعد جائحة الوباء الذي خسرت العشرات من المؤسّسات وجودها في السوق، بل هناك بعض المهن والحرف قد اختفت بسبب الوباء، خاصّة بالنسبة للخواص، فيما أحالت بعض المؤسّسات عمالها على البطالة.

هذا المعطى الجديد في السّاحة الاقتصادية في العالم أجمع وفي الجزائر خصوصًا، كانت له ارتدادية مادية على جيوب الموظفين خصوصًا وأصحاب المهن الحرة، ثم أسفرت عن تداعيات ظرفية ومؤقّتة، حسب الخبراء، لكن من وجهة نظر أخرى فإن التداعيات ستكون وخيمة اجتماعيًا حسب أستاذ علم الاجتماع عبد الله بن نابي من جامعة وهران غرب الجزائر، واصفًا إياها بـ "التداعيات المؤقتة التي ستتحول إلى مشكلات دائمة".

تأسّف الأستاذ بن نابي من عدم اكتراث الكثيرين للتداعيات الاجتماعية التي انجرّت عن الوباء، والقيام بحسابها ماديًا فقط، أو بعلاجها على حدّ قوله بالدفع المالي أو حلول مؤقتة "ترقيعية" حسب تعبيره.

ولفت أستاذ علم الاجتماع في حديث لـ "الترا جزائر" أن الدّيون المتراكِمة لدى الآلاف من الأسر الجزائرية، ليست مسألة تسديد وقتي لفواتير أو تخفيف ضغط مادي بأجرة محددة من الحكومة مثلما تم الإعلان عنه بالنسبة لعمال النقل الجماعي وانتهى؛ بل هي عبارة عن خطوة لمراكمة مشكلات أخرى على الصعيدين الاقتصادي والأسري، على حدّ قوله.

وشرح مُحدّثنا أنّ كثيري عند فقدانهم للوظائف تأثرت حياتهم الاجتماعية الأسرية، بل تعاظمت معها المشكلات داخل الأسرة، مشيرًا إلى صعوبات عاشها كثير من الجزائريين بسبب عدم مقدرتهم على دفع إيجار السكنات التي يقطنونها، وبذلك وجدوا الحلّ في العودة مجددًا إلى بيوت أهاليهم أو إلى بيت العائلة الكبرى.

في حالات كثيرة تنجم حالات الطلاق والتفكّك الأسري، بسبب السكن عند الأهل بين العائلة الممتدة، وهذه مشكلة أكبر تبرزها الأرقام بوضوح وتدقّ ناقوس الخطر.   

بطالة بين عشية وضحاها

كثيرة هي المحلاّت التي يضع أصحابها في مدخلها: " المحلّ لا يقبل الدّين" أو "المحلّ لا يبيع بالدّين"، وهذا لأسباب عديدة يسردها مصطفى صاحب محل المواد الغذائية بمنطقة المدنية صالومبي لـ "الترا جزائر"، قائًلا بأنّ لديه دفترًا فيه جداول لشعرات الزبائن ممّن لم يدفعوا مستحقّاتهم المالية، وهو بدوره لا يمكنه تمويل المحلّ بمواد جديدة لأنها بالضرورة تحتاج للمال، فهناك من يتهرّب من الدفع، وهنا من لا يملك قوت يومه، خاصة بالنّسبة للعاطلين عن العمل الذين فقدوا مهنتهم بمجرّد تعرض العالم للأزمة الصحيّة كورونا.

أزمة اجتماعية تفرضها الظّروف المعيشية في الجزائر، خصوصًا أن قصة ديون المحلات لدى الزّبائن باتت تفرض نفسها كثيرًا، في الظروف الراهنة، رغم حلول قدمتها السّلطات الجزائرية، وتسهيلات قرّرتها وأمرت بتنفيذها على مستوى عديد الوزارات، غير أنه في المقابل من ذلك، تبقى  الحلول المؤقّتة تسدّ ثغرة أو ثغرات لكنها ليست حلا نهائيا بل ستؤول إلى ما لا يحمد عقباه.

شِدّة ورخاء

"مول التاج ويحتاج" عبارة من العبارات المنتشِرة في التعاملات الاجتماعية في الجزائر، بأن حتى الغني ويحتاج لمن هو أدنى منه، وحتّى تقلّبات الدّهر وحدها من تجعل من الإنسان يتقلّب بين غنى وفقر وبين رخاء وشدة، لكن في الواقع هناك أمور تنغص على الجزائريين العيش اليومي وهي "شراء السلم الاجتماعي".

هذه العبارة ذكرها الباحث في أسباب تفشي الجريمة والطلاق في المجتمع الجزائري عبد الكريم زياني من جامعة عنابة شرق الجزائر، إذ لفت إلى أنّ الوضع المادي للأسر الجزائرية بات يخلق فوارق اجتماعية كثيرة، جعلت من الوالدين وخاصّة الآباء يفلتون حبل تربية أبنائهم، أو بالأحرى" تقوي الإبن على الأب".

وحسب الأستاذ زياني في حديثه لـ "الترا جزائر" أن العامل الاقتصادي كثيرًا ما عطل الحياة الأسرية، خصوصًا وأن أغلب الفئات الاجتماعية في الجزائر تعاني من أزمة السكن، وأزمة العطالة المستجدة أو العمل المؤقت، فضلا عن مشكلات مرتبطة أساسًا بالعلاقات بين الزوج والزوجة، في مجتمع باتت العلاقات الأسرية تعيش على محمل الكفاءة المادية.

وعاد زياني، إلى ظروف العائلات الجزائرية تغيرت أمام ظواهر الاستهلاك الواسع، واستعمال الأجهزة الإلكترونية في البيت الواحد في مقابل شكوى غلاء المعيشة وهي تناقضات رمت بالجزائريين إلى "محرقة الاستهلاك وإفراغ الجيوب أو اللجوء إلى الاستدانة"، حسب قوله وذلك هو الأخطر، حسب قوله.

يرى كثير من المتابعين أزمة كورونا عرت الكثير من الثغرات المخفية في تحولات اجتماعية تعيشها الجزائر منذ فترات طويلة

في الأخير، فإن عديد المهتمين بالوضع الاجتماعي في الجزائر، لفتوا الانتباه إلى أن أزمة كورونا عرت الكثير من الثغرات المخفية في تحولات اجتماعية تعيشها الجزائر منذ فترات طويلة، غير أن الأزمة، فعلًا ولدت الهمة، إذ نبهت إلى ضرورة إعادة قراءة الواقع الاجتماعي الجزائري وطرق التصرف مع الأزمات خاصّة على مستوى الأسرة الواحدة، فيما لا زالت تبنه إلى ثغرات مستجدة بسبب تراكمية الحلول الترقيعية التي تسكن الألم لكنها لا تعالج المرض من الجذور.

 

اقرأ/ي أيضًا: